التأخي / علاء الفريجي
أثارت الشروط الجديدة لدعم المؤسسات الإعلامية في المغرب موجة استياء واسعة بين الصحافيين والهيئات المهنية التي اعتبرتها مجحفة بحق المؤسسات الصغرى والإلكترونية؛ فهي لا يمكن أن تستفيد من هذا الدعم وفق الصيغة الجديدة .
حيث تعرض وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي محمد المهدي بنسعيد، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، لانتقادات من قبل الوسط الصحفي بسبب الصيغة الجديدة لصرف الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والتوزيع، والتي اعتبرت مجحفة وبمثابة حكم إعدام بحق المؤسسات الإعلامية الصغرى .
وحدّد قرار مشترك للوزيرين أسقف دعم التسيير والاستثمار لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، “بهدف تعزيز دعم المؤسسات الصحفية”، لكن شروطه بدت بالنسبة إلى الصحافيين “تعجيزية”. وكان بنسعيد، خلال مداخلة له في جلسة الأسئلة الشفهية لمجلس المستشارين الأسبوع الماضي، قد كشف أن الدعم المباشر للصحافيين والصحافيات سينتهي عند شهر مارس المقبل، بعد دخول المرسوم الجديد المؤطر لطريقة الدعم حيز التنفيذ .
وأشار الوزير، في جوابه عن سؤال لفريق الأصالة والمعاصرة، إلى أنه تم تحديد شهر مارس لإعطاء مهلة للمقاولات (المؤسسات) الصحفية لطرح ملفاتها لدى وزارة الاتصال ودراستها بتمعن، ما يتعين على العاملين طرح ملفاتهم منذ الآن .
وخصص القرار دعمًا بنسبة 30 في المئة من مجموع كلفة الإنتاج والأجور للمؤسسات الصحفية التي تصدر مطبوعًا دوريا ورقيًا وتشغل مديرا للنشر و12 صحافيا مهنيًا على الأقل، أو للمؤسسات الناشرة لصحيفة إلكترونية وتشغل مديرا للنشر و14 صحافيًا مهنيًا على الأقل، ويشترط ألا يقل الحد الأدنى لمجموع كلفة الإنتاج والأجور عن 5 ملايين درهم (حوالي 500 ألف دولار)، وأن يتجاوز رقم المعاملات 10 ملايين درهم (مليون دولار) في السنة السابقة لسنة الاستفادة من الدعم .
أما بالنسبة إلى المؤسسات ذات الحجم المتوسط، فيخصص القرار دعمًا يصل إلى 40 في المئة من مجموع كلفة الإنتاج والأجور للمؤسسات التي تصدر مطبوعًا ورقيًا أو تدير صحيفة إلكترونية وتشغل مديرا للنشر و9 صحافيين مهنيين على الأقل، مع شرط ألا تقل كلفة الإنتاج عن مليون درهم وأن يتجاوز رقم المعاملات 5 ملايين درهم في السنة السابقة .
وفي ما يخص المؤسسات الصحفية الأصغر حجمًا، مثل التي تصدر مطبوعًا دوريا ورقيًا وتشغل مديرا للنشر و3 صحافيين مهنيين على الأقل أو الصحف الإلكترونية التي تشغل مديرا للنشر و4 صحافيين مهنيين على الأقل، يخصص لها الدعم بنسبة 50 في المئة من مجموع كلفة الإنتاج والأجور، كما يحدد القرار الحد الأدنى للإنفاق لهذه المؤسسات بـ900 ألف درهم مع رقم معاملات لا يقل عن مليوني درهم في السنة السابقة .
وهو ما اعتبره صحافيون شروطا قاسية على الصحافة الإلكترونية التي باتت الأكثر متابعة من قبل الجمهور المغربي وتستحق الدعم .
وأثار القرار غضب الكثير من الإعلاميين الذين انتقدوا منح الصحف الحزبية التي لا تحظى بنسبة قراءة عالية نصيب الأسد من الدعم، وعبر الكاتب الصحافي عبدالصمد بنعباد عن استيائه من خلال تغريدة على حسابه في منصة إكس قال فيها “الحكومة تسقط ‘الأكثر قراءة’ وتمنح المقاولات الصحفية التي لا تقرأ ملايين الدراهم من المال العام، وتصعب حصول الصحف الصغرى على الدعم، ثم تفرض 30 في المئة، كضريبة على صناع المحتوى!”
بدوره هاجم الإعلامي المغربي محمد واموسي، بنسعيد ولقجع معتبرا أن القرار ينقذ “الصحافة الحزبية الورقية التي لا يقرأها حتى رؤساء تحريرها ولم تعد تصلح حتى لتغليف السندويتشات، عبر ضخ المزيد من المال العام في جيوب مسؤوليها كالعادة، في مقابل إعدام المواقع الإخبارية التي يقرأها الناس بأن فرض عليها تحقيق 2 مليون درهم كرقم معاملات مالية سنويا كشرط للاستفادة من الدعم .
وأضاف واموسي في منشور على صفحته في إكس”إذا كنت صحافة حزبية ورقية وتريد المزيد من الدعم المالي العمومي، تأكد أولا أن قراءك أقل من عدد أعضاء تحريرك، وأن مقالاتك تصلح للف هياكل السيارات الماثلة للصباغة أكثر مما تصلح للقراءة ” .
وتابع “أما إذا كنت صحافة مقروءة تتبع المقاولات الصغرى، فعليك أن تفهم أن النجاح ليس ميزة بل تهمة، وعقوبتك شروط تعجيزية تجعل مؤسستك تتمنى لو بقيت بلا قراء.” واختتم “الرسالة واضحة: اكتبوا ما لا يقرأ، ونحن سنتكفل بالباقي!” وتضمن القرار أن دعم الاستثمار بالنسبة إلى المؤسسة الصحفية وشركة الطباعة وشركة التوزيع، يمنح بعد صرف دعم التسيير، بناء على قرار لجنة دعم تطوير قطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع .
وبخصوص طريقة صرف الدعم، أورد القرار أن السلطة الحكومية المكلفة بالتواصل تقوم بصرف الدعم العمومي لفائدة المؤسسة الصحفية وشركة الطباعة وشركة التوزيع دفعة واحدة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ توقيع اتفاقية بين السلطة الحكومية المكلفة بالقطاع والشركة. وفي إطار تقديم هذا الدعم أكّد الوزير بنسعيد، في مجلس المستشارين، أن الدعم كان ضروريًا لإنقاذ المؤسسات الصحفية التي كانت مهددة بالإفلاس نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها القطاع .
ودعا الوزير “العاملين في مجال الصحافة إلى تقديم مستنداتهم في الوقت المناسب، لتسريع الإجراءات الإدارية وضمان تجاوب سريع مع المؤسسات الإعلامية،” معتبرا أن “التفكير في شهر مارس يهدف إلى منح الوقت الكافي للمؤسسات الإعلامية لتقديم ملفاتها لدى الوزارة ” .
وفي جوابه عن سؤال آخر أوضح بنسعيد أن “الإعلام له دور هام في التعريف بالمبادرات التي نقوم بها كسياسيين، وقد تكون هناك ملاحظات، وهذا في حد ذاته أمر مهم يقوّي الديمقراطية الداخلية لبلدنا،” مؤكدا ضرورة استمرار الدعم العمومي لهذا القطاع، لكن بـ”فلسفة جديدة” تشمل رفع حصته بالنظر إلى ظهور مؤسسات إعلامية جديدة في المشهد الوطني
كما أضاف أنه يتم التفكير في تقوية الاستثمار في الإعلام المغربي وتعزيز حضوره على الصعيد العربي والأفريقي والدولي، وذلك نتيجة سلسلة المشاورات التي تم القيام بها مع الفاعلين، بما في ذلك النقابة الوطنية للصحافة المغربية والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين .
وأعلنت عدة هيئات مهنية، منها “الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال” و”الجمعية المغربية للناشرات والإعلاميات”، عن “رفضها التام والمطلق للشروط التي جاء بها القرار المشترك، وخاصة تلك التي تفرض شروطًا تعجيزية،” وأكدت أنها “غير قابلة للتطبيق بتاتًا” وتضمنت “نية واضحة لإقصاء، بل وإعدام المقاولات الصحفية الصغرى” .
وقال الصحافي علي مبارك، رئيس “اتحاد المقاولات الصحافية الصغرى”، إن “القرار المشترك الصادر عن وزارة الاتصال ووزارة المالية والذي يشترط على المقاولات الصحفية الصغرى التوفر على رقم معاملات يفوق 200 ألف دولار سنويًا يعد قرارًا تعجيزيًا وغير عادل،” لذلك فإنه “يقصي شريحة واسعة من المقاولات الصحفية الصغرى التي لا تستطيع بلوغ هذا الرقم نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها في ظل تراجع الموارد، خاصة وأن العديد من المنشآت الصحافية المشاركة في برامج الدعم الحكومية لا تستطيع الوصول إلى هذا الرقم ” .