سعد الهموندي
البارزاني المرجع والملجأ هو عنوان كتاب بقلم الدكتور سعد الهموندي مستشار الرئيس مسعود بارزاني و رئيس مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الأستراتيجية والمستقبلية، الذي يتضمن محطات مهمة من شخصية الرئيس مسعود بارزاني ومواقفه الانسانية والوطنية، التي جعلت منه مرجعاً سياسياً يستشار ويأخذ بتوجيهاته ونصائحه عند حدوث الأزمات والأنسدادات السياسية، وملجأ لجميع العراقيين اثناء المحن والظروف الصعوبة، لذلك نسعى من خلال نشر اجزاء الكتاب ان نلقي الضوء على خصوصياته الأخلاقية ومواقفه ازاء خصومه و صبره وحنكته وذكائه في التعامل مع المواقف الصعبة التي واجهته سواء اثناء ايام الكفاح المسلح او عند النزول من الجبل لينشأ اقليماً عامراً زاهراً ليصبح رقماً صعباً في المعادلات السياسية والتوازنات في العراق والمنطقة.
الحلقة الثالثة
استخدمه الغزاة والقبائل على مر التأريخ كما كان صلة الوصل الوحيدة لربط الصين بالشرق عبر ما يسمى بطريق الحرير.
كما وعثرت مؤخراً فرق التنقيبات اثرية غريبة على هياكل تعود الى انسان النياندرتال في كهف شاندر القريب من بارزان هذه الجغرافية وذلك التاريخ جعل البارزانيين يتصفون بسمين:
الاولى ما يسميه الكاتب الراحل سامي شورش في كتابه:
(كردستان والكرد الحركة القومية والزعامة السياسية ادريس البارزاني نموذجاً)
رفض البارزانيين كل سيطرة اجنبية واحتمائهم بوعورة تضاريسهم والدفاع عن اراضيهم وهذا ما ميزهم بروح البسالة
والثانية انفتاحهم على الاخرين في اطار العيش المشترك الهادئ والثقة المتبادلة وهذا ما ميزهم بروح التسامح ونبذ العصبية.
عشيرة بارزان التشكيل الاول لشخصية مسعود البارزاني:
ورد في بعض المصادر ان جد البارزانيين قد نزح في نهاية القرن الثامن عشر الى قرية هفنكا القريبة من بارزان في حين ان مسعود البارزاني يذكر في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكردية) ان مولانا خالد النقشبندي قد مر ببارزان في عام 1820 في طريقه الى دمشق واتخذ الشيخ عبد السلام الاول خليفة له.
لكن الشيخ عبد السلام المتنور لم يكتف بالنقشبندية كطريقة صوفية فقط بل اخذت طريقته طابعاً اصلاحياً اجتماعياً واقتصادياً فقد حارب الشيخ عبد السلام الملكية الخاصة والاقطاعيات ودعا الى انصاف الفلاحين ورفع الغبن عنهم كما حضت طريقته الجديدة على المساواة واحترام البيئة وعدم قطع الاشجار او قتل الحيوانات الامر الذي دفع الباحثين الى الاعتقاد ان سلوك ووعي الشيخ عبد السلام له صلة بالمعتقدات الدينية العريقة بين الكرد وهذا ما ورثه مسعود البارزاني عن جده الاول.
بعد وفاة الشيخ عبد السلام في عام 1884 استلم مشيخة بارزان ابنه الشيخ محمد الذي بدوره وقف بقوة بوجه الفاسدين من موظفي الامبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على كل المنطقة حتى البلقان حينذاك فقد عمل على الغاء الضرائب ما اعتبره البعض بوادر تحول المشيخة الى السياسة والقيادة.
اما نقطة التحول النوعي في قبيلة بارزان فقد بدأ منذ تسلم المشيخة الشيخ عبد السلام الثاني في عام 1903 فكان هو من بدأ المسيرة النضالية الطويلة التي بدأت به كامتداد لاجداده مروراً بالشيخ الجليل احمد الذي خلف اخاه الاكبرعبد السلام بعد اعدامه على يد العثمانين عام 1914 وصولاً الى الملا مصطفى البارزاني مؤسس حزب الديمقراطي الكردستاني في 16 اب 1946 وصاحب المسيرة التاريخية وصولاً اليوم الى السيد مسعود البارزاني.
نقطة التحول النوعي في قبيلة بارزان فقد بدأ منذ تسلم المشيخة الشيخ عبد السلام الثاني في عام 1903 فكان هو من بدأ المسيرة النضالية الطويلة التي بدأت به كامتداد لاجداده مروراً بالشيخ الجليل احمد الذي خلف اخاه الاكبرعبد السلام بعد اعدامه على يد العثمانين عام 1914 وصولاً الى الملا مصطفى البارزاني مؤسس حزب الديمقراطي الكردستاني في 16 اب 1946 وصاحب المسيرة التاريخية وصولاً اليوم الى السيد مسعود البارزاني.
يقول الصحافي الفرنسي رينيه موريس عن فترة الثورة التي قادها الملا مصطفى:
(انها مأثرة بطولية ستبقى فصلاً رائعاً في تاريخ الكرد خالداً ابد الدهر انها توضع في صف مسيرة ماو تسي تونغ الكبرى).
فالملا مصطفى هو قائد ثورة ايلول عام 1961 التي اجبرت طغاة بغداد انذاك على الرضوخ لضغط بيشمركة الثورة والتوقيع على اتفاقية 11 اذار 1970 التي بموجها منح الكرد الحكم الذاتي ضمن فترة في غاية الخطورة من مراحل التاريخ الكردي بسبب الحرب الباردة بين قطبي العالم انذاك.
وليس انتهاء بمهندس الوحدة الكردية (ادريس مصطفى البارزاني).
لمحة من حياة الراحل ادريس مصطفى البارزاني:
هو نجل الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني توفي في ناحية (سيلفان) التابعة لمحافظة ارومية شمال غربي ايران في عام 1987 بنوبة قلبية.
حين بلغ ادريس البارزاني من العمر عامين توجه والده الزعيم ملا مصطفى ورفاقه الى شرق كردستان وبالتحديد الى الجمهورية الجديدة مهاباد.
الا ان الاحداث التي رافقت قيام الجمهورية الكردية اضطرت البارزاني الاب ورفاقه التوجه نحو الاتحاد السوفيتي في مسيرتهم التاريخية الشهيرة.
فيما عادت الاسر والعوائل البارزانية الى العراق برفقه الاخ الاكبر لمصطفى بارزاني الشيخ احمد البارزاني.
حينها كان ادريس البارزاني يبلغ الثالثة من عمره ولدى وصولهم ابعدتهم السلطات الى المناطق الجنوبية من العراق.
وفي السادسة من عمره دخل ادريس البارزاني المدرسة ضمن مدينة كربلاء التي كانت الاسرة مبعده اليها وكان محروماً من رؤية والده حتى القضاء على الحكم الملكي في العراق على يد عبد الكريم قاسم عام 1958.
بعدها عاد البارزاني الاب من الاتحاد السوفيتي مع رفاقه ولمت الاسرة شملها من جديد بعد فراق طويل.
تشير ادبيات الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى ان ادريس بارزاني التحق بالثورة والبيشمركه منذ بداية اندلاع ثورة ايلول بعد عودة والده ملا مصطفى البارزاني من الاتحاد السوفيتي وتراجع عبد الكريم قاسم لتعهداته التي قطعها حيث كان ادريس البارزاني احد افراد المجموعات الاولى من البيشمركة التي حملت السلاح.
بعد 9 سنوات من النضال من اجل القضية وفي المؤتمر الثامن للحزب الذي عقد في (ناوبردان) التابعة لناحية كلالة انتخب ادريس البارزاني للمرة الاولى عضواً للجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني.
ومع بداية التفاوض مع الحكومة العراقية من اجل احلال السلام في كوردستان والعراق اختير ادريس البارزاني وشقيقه مسعود البارزاني لعضوية الوفد المفاوض الذي ضم كلاً من صالح اليوسفي ودارا توفيق وسامي عبد الرحمن ونافذ جلال ومحمود عثمان ومن هناك انتقل ادريس البارزاني من الكفاح والنضال المسلح الى النضال السياسي والدبلوماسي من اجل قضيه شعبه واستمرت المفاوضات التي كان يشرف عليها والده الزعيم حتى تمكنت من تحقيق الحكم الذاتي لكوردستان العراق بشكل رسمي وتم عقد اتفاقية الحادي عشر من اذار.
لكن السلطات في بغداد انقلبت على الاتفاق بعد اربع سنوات مما ادى بالنتيجة الى وقوع مواجهة جديدة والتي تمكنت خلالها الحكومة العراقية من ابرام ما عرف باتفاقية الجزائر.
بعد اتفاقية الجزائر اضطر ادريس البارزاني الى اللجوء مع اسرته ومجاميع من البيشمركة الى ايران.
وبدأ مع اخيه مسعود بالتحرك والعمل على اعادة التنظيم السياسي والعسكري وتهيئة الاجواء لاعادة بناء التنظيمات الحزبية وقوات البيشمركة والبدء بالنشاطات من جديد.
ويحسب لادريس البارزاني ايضاً دوره الفعال بعقد المصالحة مع قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني والحركات الكوردستانية الاخرى التي جرت في اواخر عام 1986 لتصبح بعد ذلك النواة الاولى لتأسيس جبهة كوردستانية موسعة لتظهر الى العلن في شهر حزيران عام 1988 وهي اول جبهة سياسية وعسكرية كردستانية وعراقية تحقق نجاحاً مهماً وتمهد الطريق لانتفاضة ربيع اذار عام 1991.
بعد انتفاضة عام 1991 وتحرير القسم الاكبر من كردستان العراق اعيد جثمان ادريس البارزاني برفقة جثمان والده والاب الروحي للكرد مصطفى البارزاني في 6 تشرين الاول من عام 1993 الى كردستان ليوارى جثمانهما الثرى في منطقة بارزان وليصبح مثواهما مزاراً ومرقداً يؤمه الالاف من المواطنين سنوياً.
خصال البارزانيين:
جعل كل ما سبق من تاريخ غارق في القدم وموقع جغرافي استراتيجي حاضراً وماضياً وسلالة كردية اصيلة ان يتميز البارزانيين عمن سواهم بصفات وخصال مشتركة من اهمها:
اولاًــــ حب المعرفة بعد النظر وادراك المعادلات الدولية:
لم يكن حرص ملا مصطفى واصراره على الاخذ بناصية العلم باقل من سلفه الشيخ عبد السلام فقد جاء في كتاب (جمهورية مهاباد) للباحث وليام ايكلتن: (كان موقف البارزاني ازاء الطلبة الكرد الذين ضجوا فيما بعد مطالبين الالتحاق بصفوف المقاتلين من اجل القومية الكردية لكنه بدلاً من قبولهم كان يحثهم على التمسك بكتبهم ومتابعة علمهم).
اما بخصوص فهم ملا مصطفى للمعادلات الدولية فقد كان يعلم يقينا ان كل الاحداث الخطيرة هي من صنع القوى الكبرى خارج المنطقة.
لم يكن حرص ملا مصطفى واصراره على الاخذ بناصية العلم باقل من سلفه الشيخ عبد السلام فقد جاء في كتاب (جمهورية مهاباد) للباحث وليام ايكلتن: (كان موقف البارزاني ازاء الطلبة الكرد الذين ضجوا فيما بعد مطالبين الالتحاق بصفوف المقاتلين من اجل القومية الكردية لكنه بدلاً من قبولهم كان يحثهم على التمسك بكتبهم ومتابعة علمهم).
فانهاء الثورة بعد مؤامرة الجزائر عام 1975 كان نابعاً من اقتناع البارزاني ان قراره ليس سوى حالة من التنحي جانباً لاجل عاصفة مدمرة مقبلة قد تضر شعبه.
وفي موضوع ذي صلة وفي الجزء الثالث من كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكردية) يذكر مسعود البارزاني قصة سفر رئيس العراق في 1968 الى فرنسا لتوقيع غقد مع الرئيس الفرنسي حينذاك ديغول لشراء اسلحة ما دفع د. كاميران بدرخان ممثل الثورة في اوربا الى ابلاغ البارزاني الذي بدوره ارسل رسالة الى الرئيس الفرنسي.
يقول الصحفي الفرنسي رينيه موريس: (ان ديغول صرح له في احدى لقاءاته قائلاً ارايت كيف استجبت لرجاء صديقك البارزاني) ولم يسمح بعقد صفقة الميراج.
وفي هذا السياق لا يمكن لاي متابع سياسي ان يغفل خطاب مسعود البارزاني في حشد من البيشمركة اثناء ملحمة خواكورك عام 1988 الذي تنبأ بـ (تغيرات كبرى ستجتاح المنطقة برمتها تؤدي الى زوال الدكتاورية ونيل الكرد لحقوقهم).
وقد ادركنا جميعاً قوة حدس البارزاني وصواب رايه بما يشبه المعجزة بعد اجتياح جحافل صدام الكويت واندلاع الانتفاضة الكردية في 5 اذار 1991 وما تلاها من تطورات معلومة للجميع.
واخيراً فان الراحل ادريس الذي خطط لمعركة هندرين 1966 من كهف جبلي قريب من خط الجبهة وهو في مقتبل العمر قد صرح للقيادة في الاجتماع الذي كلف بمهمته ان (انتصار البيشمركة في هندرين يعني هزيمة الجيش في بغداد) وهذا ما حصل بالضبط .
ثانياًــ التسامح والتواضع والبساطة:
استطاع ملا مصطفى وبمساعدة كرد جمعية هيوا الوطنيين في عام 1943 الخروج من منفاه في السليمانية والوصول الى البارزان ثم استأذن اخاه الشيخ احمد للقيام بالثورة وطلب منه التعليمات.
فكانت وصية الشيخ لاخيه الاصغر كما جاء في كتاب مسعود البارزاني (البارزاني والحركة التحررية الكردية):
(التزم بالعدل لا تسمح للغرور بالنفوذ الى نفسك)
وهكذا ورث البارزانيون حب البساطة ومقت الغرور من الجيل السابق له وورثه الى الجيل الذي يليه ما جعلهم محط احترام وتقدير الجميع بمن فيهم مواطنو كردستان من غير الكرد الذين شاركوا في ثورات الكرد منذ انتفاضات بارزان الاولى الى يومنا هذا ومنهم من تبوأ مراكز مهمة وحساسة كالشهيد فرنسو حريري.
ولزيارة مسعود البارزاني المعروفة الى جامعة دهوك معان ودلالات تشير الى ان البارزانيين انما لا يشبهون غيرهم من ابناء شرقنا الذين يهرولون لنيل الالقاب لا بل ان العديد منهم يدفعون اموالاً طائلة لنيل درجات وشهادات وهمية مثل القذافي و(الدكتور) رفعت الاسد فقد رفض مسعود البارزاني مقترحاً من الجامعة لمنحه شهادة الدكتوراه قائلاً:
(ارفض ذلك لاني لم اذهب الى الجامعة يوماً لكني اقبل ان اكون حارس على باب جامعتكم).
في حين ان اباه ملا مصطفى الذي عين مسيحياً – جرجيس فتح الله – رئيساً لمحكمة التمييز في الاراضي المحررة عام 1968 كان مضرب المثل في بساطته وزهده فقد ورد في كتاب الصحفي الامريكي دانا ادم شميدت (رحلة الى رجال شجعان في كردستان) انه خاطب البارزاني مرة بعبارة mon general فكان رد البارزاني الصادم (لست جنرالاً اني مصطفى لا غير قل لصحيفتك اني لا اهتم قلامة ظفر بالالقاب واني لست الا فرداً من الشعب الكردي). كما جاء في مكان اخر من نفس الكتاب: (كان البارزاني يصر على ان ياكل مع رجاله وفي اغلب الاحيان يقطع مشياً على الاقدام المسافة التي يقطعونها بدلاً من امتطاء الخيل والبغال الميسورة له).
ومن المفيد هنا ان نذكر ان الكرد المنتفضين في عام 1991 بعد ويلات وانفال حجافل الطاغية صدام قد اسروا اكثر من 70000 من الجنود والضباط العراقيين وقد توقعوا انفسهم ان الانتقام سيصيبهم جراء ما اقترفوا من مجازر بحق الكرد لكنهم تفاجئوا بالعفو الذي اصدره البارزاني الابن.
ثالثاًـــ الصبر والصمود وعدم الاستسلام لليأس:
احدى اهم الميزات التي اتسم بها البارزانيون هي الصمود والصبر والانطلاق من جديد دون ان يعرف اليأس الى نفوسهم طريقاً مهما كانت قوة النكسة وفداحة الخسارة فبينما يصف الصحافي الامريكي (دانا ادم شميدت البارزاني) بــ الرجل الذي لا يفارقه كرامته ورصانته في كل الظروف).
يلخص الباحث وليام ايكلتن في كتابه (جمهورية مهاباد) الصمود الاسطوري لملا مصطفى البارزاني وهو في بلاد الغربة لتلقي العلاج بعد الاصابة بمرض السرطان بعد نكسة 1975 قائلاً:
(كانت معركة البارزاني الاخيرة هي الاكثر بسالة اذ رغم اصابته بالسرطان الرئوي كان يحرص على مساعدة الكرد في منافيهم وتعجب اطباؤه من مقاومته للالام التي لا تطاق).
وحينما خسر في نهاية معركته مع المرض في الاول من اذار 1979 كان واضحاً ان واحداً من ابرز شخصيات الشرق الاوسط قد غاب عن مسرح الاحداث.
لذلك كان الاصرار على المثابرة مهما كانت الظروف صعبة وهذا ما جعل من نضالهم سلسلة لا تنتهي من الثورات المتلاحقة تكمل كل منها سابقتها بعدما تزيل عنها ما اعتراها من نواقص واخطاء.
وكما جاء في كتاب (الحركة الكردية والزعامة السياسة ادريس بارزاني نموذجاً) للباحث الراحل سامي شورش في وصفه لمعنويات ادريس بعد النكسة الاليمة لثورة ايلول 1976 قوله:
(اشرف ادريس البارزاني على سلسة اجتماعات لقيادة الحزب جرت في جو من الهدوء)