د. توفيق رفيق التونچي
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
العقيدة الدينيةً من الثوابت المطلقة ولا تتغير مع الزمن. هذه المادة تطرح أفكار حول السلوك البشري في الحكم على ضوء النصوص الواردة في القران الكريم. لا علاقة بين الانتماء الطائفي والمذهبي بنظام الحكم. الفروق يشمل فقط تطبيق الشعائر وشكل العبادات وأمور أخرى. تعتمد المادة بالأساس على النص القرآني المقدس دون الإشارة إلى تفسير النصوص والبسملة ضمنية وهو بطبيعة الحال نص مطلق لا يمكن تغيره أبدا اي نص خالد.
كما نرى الحكم العادل في نصوص دساتير الحكم في معظم الدول العالم والذي يضمن حقوق الجميع مع احترامي الكامل للتفاسير البشرية المختلفة للنص المقدس. الحكم تحت ضلال الدولة الإسلامية وصل إلى نموذج يحتذى به فقط إبان سواد الحكم العادل بين الناس والفكر المتسامح وتقبل وجود الآخر المختلف وإدخاله ضمن السلطة سلميا وانهار دولتها مع سواد تقسيم الناس الى طوائف بين هذا وذاك ونشر الخوف والإرهاب في النفوس وفرض الشعائر الدينية على الآخرين وعدم مواكبة التطورات وتقديس مظاهر الحياة في الماضي نموذج فاشل لعدم تمكنها مواكبة التطورات المستمرة في المجتمع الدولي وفي جميع نواحي الحياة. أما نموذج الحكم التعددي والذي يعتمد على تعدد الآراء وتعدد الانتماءات موجود في معظم مجالس الشعوب العالم في يومنا هذا فكتب له النجاح والاستمرار والتطور. ناهيكً عنً ذلك ان وجود الفكر المخالف الآخر والمختلف هو إغناء للسلطة والحكم. الدليل على ذلك ما نراه في التنوع العقائدي والقومي بين شعوب الشرق حتى بعد مرور ١٤٠٠ عاما علىً نزول الرسالة المحمدية السمحة في مكة المكرمة. دون اي تهميش للآخر والاعتراف بقدرات الجميع في المشاركة في بناء المجتمع دون استثناء كان سببا لتقدم الأمم وعكسها انهيار وتفتت.
تأريخيا نرى نموذجا غير مسار التاريخ في المنطقة حين اعلن الشاه إسماعيل الصفوي تغير الانتماء الطائفي لشعوب ايران من السنة إلى الشيعة الاثنا عشرية وفتح بذلكً عصرا من الصراع المذهبي رغم انه كان هدفه ان يستغل الدين في محاربة أعمامه من الترك في الإمبراطورية العثمانية المجاورةً وكي يكونوا مختلفين في الانتماء المذهبي ويسهل انخراطهم في الحرب وقتل الجانب الذي يكفر عقيدتهم المختلف مذهبيا وذلك كتقليد تأريخي سياسي عمل به دوما ونال النجاح بين جميع الأمم والعقائد فتقابل الجمعان وتقاتلت كل ينادي بصحة عقيدته ويجز رقبة الأخر كالأغنام رغم كونوهما منً نفس الدينً يعبدونً الله الواحد الأحد ويشهدون بوحدانية الله ويشهدون بنبوة رسوله محمد صلى الله عليهً وسلمً. نرى ذلك الصراع منذ أيام نزول الرسالة المحمدية السمحة مرورا بالصراع الأموي العباسي والصفوي العثماني ومن ثم ظهور صراع الشيعة والسنة وصولا إلى اليوم حيث الصراعات المذهبية والعقائدية (وزاد الطين بلة ) صعود وتيرة و انتشار الفكر القومي السلبي بين الشعوب الشرق عشية الحرب العالمية الأولى وكنتيجة مباشرة لتأثير الفكرالغربي وخاصة قوى الاستعمار البريطاني والفرنسي في هدفها الاستعماري للانتصار في الحرب ولإنهاء حكم الدولة العثمانية وتفتيت قواها . كما تم إعادة رسم حدود للولايات التي كانت تحت الحكم العثماني بواسطة اتفاقيات سرية وصولا إلى اتفاقيةً سايكس – بيكو الشهيرةً وذلك بتأسيس كيانات دولا حديثةً كتركيا، العراق، سوريا، الأردن، الكويت، إمارات الخليج، المملكة العربية السعودية، اليمن، لبنان وفلسطين كما أنهم رسموا حدودا لتلك الدول وهذه الحدود سموه وطنا يدافع عنه الجميع ويقدم الغالي والنفيس للمحافظة عليه. حيث نرى كذلك تأثيرهما كقوتين استعماريتين في أفكار رجال ما يسمى بالثورة العربية الحجازية الكبرى والجمعيات القومية والأحزاب القومية التي أسست مع نهايات الحرب العالمية الأولى قادتها جميعا كانوا من مسيحيي الشرق، هناك أسباب تأريخيه لهذا التوجه لسنا بصدده، وانعكاساتها المعاصرة شوهد ذلك جليا بين مؤسسي حزب البعث العربي الفاشي ومؤسسه ميشيل عفلق ورفاقه من مسيحيي سوريا ولبنان وانعكاساتها في الحكم الفاشي للعراق وسوريا وتركتها المأساوية في قتل وزج المعارضين في غياهب السجون والأنفال والمقابر الجماعية واستخدام جميع الأسلحة المحرمة في قتل شعبهم إلى درجة استخدام الغاز في حلبية الشهيدة وربما في المستقبل تحكمً دول عربية أخرى سمحت تواجدهم على أراضيها.
ان الحكم بالعدل لا يمكن ان يتحقق بنشر العنف والخوف بين الناس وهنا “الناس ” يعني جميع البشر دون استثناء اي البشرية جمعاء وإلا هناك ظلم. العدل أساس الحكم وليس المساواة وهذا يعني توزيع العدالة بين الناس حسب احتياجاتهم وليس عنً طريق فرض. كما في احترام أعراف الناس المختلفة والتي ليس بالضرورة مشابه لما كانت ساعدة في مجتمع الجزيرة العربية. اي نظام حكم ظالم يستخدم العنف ويقتل شعبه سينتهي وينهار ويفشل اجلأ أم عاجلا مهما كانت قوته وجبروته وسلاحه.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)
كانت من نتائج التشيع في ايران معركة جالديران عام ١٥١٤ وكان المنتصر في هذا الحرب السلطان سليم ياوز قائد القوات العثمانية وخسارة الجيش الصفوي الذي قاده الشاه إسماعيل الأول الصفوي. توقف زحف الصفويين المتشيعين وتصدير أفكارهم إلى الشرق لمئات السنين بعد سقوط العاصمةً تبريز في أذربيجان الشرقية. كان اثر ذلك النصر على المنطقةً حيث تم تقسيم كوردستان وانقسام الأمة بين المذهب الشيعي والسني لحد يومنا هذا. التاريخ كالمرآة ينعكس ذلك الماضي في الوقت الحاضر على ارواح الناس ووعيهم وحتى اللاوعي وجاء عبر الزمن فترى سلوكهم لا يختلف مع مرور الزمن، بل تتحول إلى سلوك انعكاسي شرطي وهذا ما يحصل في معظم الثورات الشعبية حيث يوم العامة في أخذ الثار والتحول من مظلوم إلى ظالم. لذا يعكس سلوكً شعوب المنطقة أحيانا ذلك الماضي بدلا من أخذ الدروس والعبر منه. في الوقت الحاضر علينا الاستفادة من دروس الماضي ومن لا يستفيد من دروس الماضي سيبقى يكرر الأخطاء محاولا تصدير أفكاره وفرضه على الناس اجمعين.
(قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ۚ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)
الديمقراطية حديثا في أنظمة الحكم تعتمد على الحصول على نسبة أصوات النصف زائد واحد كمقياس للسلطة وتشكيل الأحزاب للحكومات في معظم انظمة الحكم في العالم. هذا يعني في واقع الأمر انه لا توجد حكومة وسلطة في العالم منذ الخليقة الأولى ولحد اليومً يمكنها الادعاء بكونها تمثل جميع أبناء الشعب. لهذا نرى بان مبدأ الشورى ركيزة للحكم لأنها تؤمن بالتعددية وعدم التفرد في اتخاذ القرار
(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
الاية القرآنية التي بدأت بها مادتي ليست الوحيدة في المصحف الشريف التي تؤكد مبدأ الاختلاف والتعددية من حيث الانتماء العقائدي الديني والانتماء العرقي القومي. من ناحية ومن ناحية أخرى نجد ان هناك نصوص عدة يذكرنا بان الحساب بين الناس امر الهي ولا غير. لست ممن يعرف التفسير وعلوم الدين لذا اترك موضوع التفسير للعلماء الأجلاء، ولكني اعرض النصوص كما وردت في الذكر الحكيم
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
التعددية الفكرية والعقائدية نجده كذلك في الحديث الشريف لان حتى تركيب السكاني لجزيرة العرب إبان نزول الرسالة المحمدية كانت تعددية وكان يكنى الناس بمكان ولادتهم كقولنا الفارسي، اليمانيّ، الشامي، القرطبي، النجدي، الحجازي، الأفغاني الطبري الجزائري، المصري، الخراساني والقاب أخرى كثيرة. هذه التعددية لم تؤد إلى انقسام الأمة أبدا، بل كانت وستبقى إغناء للفكر الإسلامي السمح والإيجابي من تلاقي الثقافات المختلفة ناهيك عن احترام جميع العقائد.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
تاريخيا تقرء عن علماء ومفسرين وأئمة كرام وأدباء وشعراء وقادة جيوش وخلفاء وسلاطين من شعوب غير عربية. ولأن الشريعة كان يطبق فقط على اتباع الدين المحمدي ولا يطبق على الآخرين اللذين من أهل الكتاب والآخرين قد يكون لهم قوانين وأعراف مختلفة وحتى العبادات الدينية لا يمكن تعميمه لذا نرى ان وجود أبناء جميع الديانات والعقائد في المنطقة ولحد يومنا هذا كانت نتيجة لسنوات من الحكم التعددي العادل الذي احترمً وجود الأقليات من العقائد والأديان تحت سيطرة الحكم الإسلامي أينما طبق. هذا الاحترام والاعتراف ادى قبول للاختلاف الثقافي والاجتماعي بين أفراد المجتمعات وحتى نرى ذلك خلال ٨٠٤ سنة من الحكم الإسلامي في الأندلس.
هذا الحكم الذي ازدهر مع قبول الاخر وانهار مع سواد الأفكار المنغلقة والتفسيرات البشرية المختلفة لجوهر النص القرآني المقدس وتشرذم حكامها وصراعهم الشخصي.
أما اليوم فالنموذج الإندونيسي والماليزي جدير بالإشادة والاحترام كنظام حكم قدم الكثير لشعبه وتمكن من التطور والوصول إلى درجات عالية في التطور ومن جميع نواحي الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والثقافية وهناك تنوع ثقافي عقائدي في البلاد تجعل منه نظاما ديمقراطيا نموذجيا في الحكم للمجتمعات ذو التركيبة التعددية العقائدية، الثقافية والعرقية. هنا لابد الإشارة ان في معظم أنظمة الحكم اليوم أحزاب سياسية ذو توجهات دينية واضحة وخاصة في أنظمة الدول الأوربية والدول الأخرى كالهند مثلا. العالم اليوم يقف على حافة الانهيار بعد حربين عالميتين استخدم فيه أبشع الأسلحة ومن ضمنها الأسلحة النووية وتضحيات وصلت إلى اكثر من ستين مليونا من الأرواح البشرية وهدم مدن بأكملها نعود اليوم إلى تهديدات بالمستخدم أسلحة اكثر تطورا يؤدي بزوال الحياة البشرية، الحيوانية والبيئية على المعمورة ولا سامح الله. الحكم بالعدل بين الناس هو أساس الحكم العادل ويؤدي إلى استقرار الحياة السياسية في العالم وليحل السلام على المعمورةً إلى ابد الأبدين.
السويد راس السنة الميلادية 2024