اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 17- 12- 2024
بعنوان ( الكتابة الحُلم…………… حُلُم الكتابة- قراءات في الإبداع الخليجي المُعاصر) صدر بطبعته الاولى كتاب عن دار تقاسيم للنشر والتوزيع في العام 2019 عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، الذي شمل الشِعر والقصة القصيرة والرواية لعِذاب الركابي، في الصفحة الاولى ورد:
– ” ( أنا مهووس بالكتابة والكتابة هي الوسيلة الأفضل المضادة للاكتئاب الّتي عثرتُ عليها في حياتي). أورهان باموق.
( إنّني أحبُّ الكتابة، فهي وليمة حواس وأنا أكتب لكي أتقاسم هذهِ الوليمة مع القاريء). إيفون فيرا.
( حُلمُ اليقظة ضروري في سيرورة الكتابة إِنَّهُ حُلمُ يقظةِ الحدس). ديان دوكري”.
وفي جزء من التوطئة ورد:
– ” الإبداع كتابة في الحلم..!. و ( الكتابةُ انتزاع من المستحيل)- بتعبير موريس بلانشو. لحظة خشوع يرقى فيها فعل الكتابةِ إلى فعل الصّلاة.. والكلمات معبدٌ يفيض بتسابيح الإلهام والإيحاء ونبيذ المعاناة! وهؤلاء المبدعونَ حالمون..!!. عشاق حريّة- وطنهم الأمثل، وهو بجغرافيا الفردوس، وحده الذي يستجيرون به، حين يقسو الزمنُ أو يُراوغ.. حرية الحريّة، لا تجبّر، ولا طغيان، معبودٌ من نوعٍ آخرَ.. واللغة الحالمة المانحة سكنهم الحالم، عبر طقوسها وكيميائها تستنطقُ وجودهم، وتفاصيل حياتهم، وتفيضُ بسحر أسرارهم، فينتقلون بها من الواقعي إلى الخيالي ومن المكتوبِ إلى البصري والكلماتُ تلد الكلمات، تنتظمُ من تلقاء نفسها على ورقٍ بزرقة ماء خليجهم الهاديء الموجِ الساحر النسمات”.
وفي جزء من القسم الاول من الكتاب الذي كان عن شعراء الخليج، والذي كان للشاعرة سعاد الصباح كان بعنوان ( الشعرُ والنثرُ.. لكَ وحدك) ورد:
– ” القصيدة الملجأ الحالم. مُدخل: ( إنَّ الشعرَ موسيقا خاصة، تمنحها الكلماتُ واللمسة الشعريّة التي يمتلكها الشاعرُ في أنامله ويسكبها على الورق). توماس زیمرمان!. ولأنَّ الشعرَ ( سيّد الكلام) كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي، فأنّ الشاعر الرائي الأعظم، وهو ينتقل بنا بكلّ ما في القلب من رقّةٍ عبر الذات الجريحة إلى ما وراء الذات وعبر ( اللغة الوحيدة الراقصة في كلّ لغات العالم)، هو حامل شارة النبوءة بامتياز!. وبفعل الكلمات وعواصفها الضرورية، وغواية الخيال يهزم الشاعرُ كلّ ما هو ضدّ الجمال والحياة، ويضفي على الواقع معنىً أعمق، وعلى الحياة جمالاً بسلطة الموسيقا، وقدسية الإيحاء، وهيبة اللغة المنحة الأعظم. الشعرُ ليس هذياناً. في ديوان ( الشعرُ والنثر.. لك وحدك).. طريقٌ معبّد بالأقمار!!. وبقدر ما في ضوئها من حزن شفيف، فيه أمل يصعب على يأسٍ مراوغ أن يوقف عواصفه، والشاعرة الكبيرة د. سعاد الصباح تعود بنا من مملكة الخيال المنيعة إلى دنيا الواقع المعيش، إذ لا يبدو الشعرُ هذياناً فردياً، بل وعي فائق وضرورة وحاجة إنسانية عظيمة:
لمْ يَعُدْ عندى مكانٌ…………….. بعدما استعمرت كُلَّ الأمكنة………….. لمْ يَعُدْ عندي زمانٌ………. ( بعدما صادرتَ كُلَّ الأزمنة ص11). قصيدة سعاد الصباح عمارة بعدّة أبواب.
( الشعر تأسيس)- هولدرلين!. وفي ديوان الشعر والنثر.. لك وحدك تأسيس وبناء ونغم في الآن!. والقصيدة بهندسة عمارة في عدّة أبواب بلون أشجار الروح، وتقنية السلّم الموسيقي، مشيدة برماد روح الشاعرة وهي في ( حالة صيد دائم للاستعارات الجديدة)- كما يُعبّر بورخيس.. تتعدّد رؤاها وموضوعاتها، والقصيدة نزيف روح عاشقة تُراهن على الحبّ عملة لا تصدأ لترتيب تفاصيل الآتي المقرون بالدهشة.. وهي أيضاً خلاصة ( كيان عضوي وحيد حي مثير وشهي)..!!. كل قصيدة لحظة حُبّ!. و( الكتابة فعل من أفعال الحُبّ)- كما يقولُ إمبرتو إيكو!. كلّ قصيدة لحظة حرية..! وكلّ قصيدة ثورة..!!. وقصيدة- سعاد الصباح ( جسد يعرقُ ، وينزف، ويتوهج بالنشوة، ويغرورق بالدمع ولذلك تنعكس فيها كلّ مشاهد الحياة).. فيها شيء أعمق، يخصّها ويخصّنا في الآن، وغير قابل للتعريف.. عبر لغة مبتكرة وجمالية فائقة، تمنح القصيدة كلّ هذا الخلود.. وكل نص شعري بذاكرة جسور، تجهل أفعى النسيان الطريق إليها. والباب الذهبيّ لهذه العمارة- القصيدة- العابرة للأزمان- كيمياء الإنسان: ( الحبّ الغامض المكشوف، الغامق الشفّاف، البعيد القريب)- حسب تعبيرها:
وأتوكأ على الحب…….. أذهب معكَ…….. إلى آخر الدّنيا………… وآخذ إجازةً…….. من تاريخ العرب- ص 19.
الحُبّ كلّ شيء، و ( نواة كلّ نشاط إنساني)- برؤى عالم النفس فرويد، وهو لدى سعاد الصباح، وعبر كيمياء نصّها الشعري ( الجدل الصاعد كأنه شوق إلى الاكتمال)- بحسب فلسفة إفلاطون، يكتمل بالقصيدة والقصيدة تكتمل به عبر أنفاس امرأة- شاعرة- عاشقة، فتنة الكون وعنوان المكان تهزّها حُمّى الحبّ، وأعراضه ذكرى جارحة تعيد صور الماضي بإيقاع الحياة التي عاشتها بطرب قلبٌ مرتجف وخشوع وصلاة روح متماهية مع الحبيب الغائب- الحاضر، من جعل الحبّ متخيّلاً، وهي تصونه مثل سرٍّ مقدس، وقد ( وُجِدَ ليُبيّن مدى قوتنا على المعاناة والاحتمال)- بتعبير هرمان هسه:
أنا في حالةِ حُبِّ.. يا حبيبي………………. رائع.. ان تجد المرأة في جانبها………. من تناديه حبيبي!- ص 20.
بنى الكاتب خوسيه إميليو باتشيكو روايته ( معارك الصحراء) على مقطع من أغنية حب تقول: ( مهما كان بُعد السماء، وعمق البحر، سوف يجتاز حُبّي لك كلّ عوائق العالم من أجلك)..!!.
والحبّ لدى سعاد الصباح قد اجتاز كل العوائق، انتصر على الزمن، وألغى كل كتابة لعلامات الاستفهام والتعجب المرسومة على وجوه الآخرين بما تفيض به أبجدية قصائدها، وهي بعاطفة بقوة السيل، بلا حدود، عاطفة العاطفة، وخيال الخيال، وحقيقة الحقيقة..!. كلّ حرف وكلمة وجملة بكل أناقتها البلاغية، وحيلها الاستعارية، هي فعل من أفعال الحبّ الفعال، وإذا ما بدا ( شيئاً قاسياً إذا ما قيس بالأحلام التي يحملها المرء عنه)- كما يقول دستوفسكي، فأنّ ( مَنْ يُحبّ كثيراً، يُعذب كثيراً)- بتعبير جون فورنييه.. والحب برؤى الشاعرة الكبيرة حلمٌ، ويصعب إيقاف الأحلام أو التجسس عليها:
يا حبيبي!………… باردٌ من دونك البيتُ كثيراً…………. بارد من دونك العمرُ كثيراً……….أنا إن لم أتكوّم تحتَ كرسيّكَ……….. فلن يُدفئني أي مكان- ص 21.
كلّ قصيدة في ( الشعر والنثر.. لك وحدك) تقول: إنَّ الحبَّ حياة، وأينما يوجد الحبُّ، توجد الحياة.. وأنَّ ( الحكومة الوحيدة الباقية على قيد الحياة هي الحبّ)- بفرضية الفيلسوف بيتر ولسون.. وحبّ الشاعرة سعاد الصباح حرية، بل حرية الحريّة، وهو في اللازمن كما الشعر والفن والإبداع:
أريد التحرّر من كلّ شيء.. ومن أيّ شيء………… فحدّد زمان الرحيل، ووقت الرحيل……. وخذني على ساعديك القويين.. خذني…………. إلى زمن الشعر.. والمستحيلْ- ص 25.
***
قصيدة سعاد الصباح.. قصيدة الحرية. ( الحرية المرادفُ للوجود)- جان بول سارتر!. والحرية في قصائد ( الشعر والنثر.. لك وحدك) مقرونة بالتمرّد والثورة، والغضب، يصعب سجنها أو قتلها أو السخرية من زلازلها وبراكينها، وهي هاجس دائم بل ( محتوى شعور الإنسان)- كما يرى تولستوي.. وبطل سارتر في ( الغثيان) ( يقطع نهر الزمان حاملاً حريته على كتفيه كصخرة ثقيلة)… وهي ( مهارة نفس حركية) أيضاً:
خرجت على سلطة الميتين…………… وخالفتُ كلّ الوصايا التي علّموني………….. وقفتُ بوجه العواصف وحدي………… ولم أتخذ من صديق على الأرض………… إلا جنوني- ص 28.
وهي حرية الذات التي تعلو بفسفور القصيدة على ذاتها وفي ( الشعر كما في السرّ تكمن حريتنا المطلقة). وحرية الكلمات من غربتها وهروبها من صيغ وقواميس الأقدمين وهــــي ( تزخرُ بأكثر مما تعد به، وتشير إلى أكثر ما نقول)- كما يقول أدونيس:
يا ليتني أقيمُ في صدرك…………. كالحمامهْ………… وبعدها فلتقم القيامهْ…….. وليبدأ الطوفان- ص 32.
وهو أمرٌ لا يغازل الذاكرة أو يربت على عشب نسيجها، بل يحييها في حرية الحرية:
ماذا لو……… تركتني ألعبُ كالسّحاب…………….. في البريّة!؟- ص67.
والشاعر تلتقط الكلمات، وتبدو قناصة لها، وكأنّها في حلم- ملجأها الآمن تراها وتحسّها تمسك عليها برقة أجنحة فراشة مرفرفة.. إنها الكلمات- الحرية القصوى التي ( لا تُستبدل ولا تُقلّد) كما تقول الشاعرة.. ولا يمكن تأجيل براكينها أو سجنها..!. وهي حرية الوطن الذي يسكنها، وهو يتوضأ بدموعها، وندى صباح يأتي ولا يأتي، ومن دون الحرية فأنه لا يبدو أكثر من حروف وأرقام شاحبة على مقبرة.. ومن دون طيف الحبيب يغدو الوطن، بكل كبريائه في ذمة الغيب: وليس عندي وطن أسكنه……….. إلا معك!!- ص 35. قصيدة سعاد الصباح.. وعبقرية البساطة.
( حينَ يلجأ الشاعرُ إلى استخدام الكلمات البسيطة، كأنّهُ يُقيمُ بيتّهُ في قلب الجمهور المتزاحم)- بودليرّ. القصائدُ في ( الشعر والنثر.. لك وحدك) تفتحُ لقارئها ذراعيها بمساحة ودّ لا تكون إلا للكلمات- الأحلام، فتجد نفسك تارة أمام واقع بديع مجازياً، ومضنٍ جارحٍ حقيقةً تارة أخرى.. وهذا لا يُربك ماكينة أصابعها وهي تحرّك المفاصل المعطلة في واقعها، بل تدورُ بمهارة في صنع المزيج النغمي الشعري الشائق، في إيقاعه الباذخ في بلاغته.. والسردي المثير في تفاصيله الإنسانية، لا يُميّزه إلا تعبير expression وإيحاء allusion وجمال قصيدة السوناتا sonata.. وهذا المزيج النغمي في إيقاعه التلقائي المثير هو مصدر الحلم والتأمل والجذب والمتعة معاً: يقول الرجل للمرأة:
أحبُّكِ…….. فقط عندما يتسلّقُ فمها……….. ثمّ ينسى ما قاله في حالةِ الهبوط! *** لا يسمح الرجل للمرأة……….. بأن تقاسمه كعكعةَ الحُريّةِ………. خوفاً عليها من التخمة- ص 42. الرجل هو بطبعه استعماري………… مُستبدّ………….. وما لم تقمِ المرأةُ بثورةٍ…………… فسيظلُ الليلُ طويلاً!- ص 43″.