في التآخي قبل نصف قرن … من أرشيف الاديب الراحل عبد الستار كاظم السورميري

علي مردان … صوت منسي من كردستان
الاذاعة الكردية وتسجيلات علي مردان

حاوره : عبد الستار كاظم
* علي مردان من الاصوات الكردية التي اغنت التراث الغنائي لشعبنا الكردي بمتنوعات من الاغاني والمقامات الكردية طيلة سنوات عديدة .
* إن ترددات النغم الكردستاني الاصيل ، والتي تنبعث من حنجرة علي مردان ، انما تؤشر مرحلة غنائية متميزة وفريدة من نوعها .
والذين استمعوا الى صوت علي مردان ، طيلة السنوات الماضية ، يشعرون الان بغياب هذا الصوت الكردي الرائع .
* الصفحة الاخيرة في التآخي ، وضمن اطروحتها الكردية ، التقت بالمغني الكردي علي مردان ، وكانت هناك احاديث عن الذكريات .. الغناء ، القصائد التي ترنم بها المغني … الغناء الكردي الحديث الذي يؤديه الان المغنون الكرد الشباب ، وأحاديث اخرى.

بصمات الزمن
* بيد ترتجف أمسك العود محاولا أن يعزف نغما .. وفجأة التفت الي قائلا : وا أسفاه ! .. انظر .. ان أًصابعي لا تقوى على مسك الريشة .. لقد أُثر فيها المرض .. وا أسفاه سيبقى هذا العود أخرس.
هكذا هي الايام وقد وضعت بصماتها على الفنان علي مردان فصار لا يقوى حتى على مسك العود ليضرب على اوتاره انغاما طالما اجتذبت عشاق فنه .
ذكريات الشباب
التقينا به في منزله وكان حديث بلا مقدمات :
هل لك أن تحدثنا عن اولى مراحل حياتك .. فاطرق قليلا وقال :
– لقد ولدت في شباط 1904 في مدينة كركوك في محلة
( به رته كيه ) وعشت فيها وتعلمت القراءة والكتابة في كتاتيبها وعلى الطريقة القديمة المتبعة آنذاك .
وما ذا عن الغناء ؟
تنهد الشيخ وهز رأسه بأسى وقال: في تكية الشيخ علي الطالباني كانوا يقيمون الذكر بعد الصلاة على انغام الدفوف وكانت الانغام تلك تشدني وتجذبني الى الحضور الى تلك التكية، كنت يومها طفلا وكان ” رؤوف الاعمى “يطاردني ويمنعني من حضور الحلقات ولكن رغبتي كانت شديدة فكنت اضطر الى الاختباء ، الا ان الحاج نعمان عطف علي لما شاهده من حرصي على الاستماع الى المقامات التي كانت تنشد في حلقات الذكر هذه …
تلك كانت بداية علاقتي بالموسيقى والغناء . ومن الجدير بالذكر ان حلقة الذكر تلك كانت تتألف من الحاج نعمان ، والحاج أحمد حداد والحاج عبد الله حداد وخدر بهرام وعبد الله ( قماش ) .
وكما قلت ان حلقات الذكر تلك كانت تعتمد على المقامات واهمها حجاز وحجاز ديوان وحجاز همايون واورفة ، ودشت ، ونوى ، ومقامات أخرى ليست شائعة الا في الغناء الكردي مثل مقام ” شوشتر” و غمانكير و الله ويس و قطار و خاوكه ر.
أساتذة علي مردان
ولما سألته ما إذا كان قد تلقى بعض الدروس الموسيقية والغناء على أيدي أساتذة معينين قال :
” كان المرحوم خدر بهرام يجيد مقام الله ويسي وقطار وخاوكه ر ، خورشيدي و آي وآي ، وعلى يديه تعلمت تلك المقامات حتى بلغت الحد الذي لا يمكن التفريق بيني وبينه وبموازاة استاذيته .
أما النوتة الموسيقية فقد تعلمتها على يد استاذي ” بهجت داويان ” ثم تلى هذا البيت :
ئه زيز بزانه علي مردانم
سه د رحمه ت له روح ئوستاده كانم
أي ( يا عزيزي اعلم انني علي مردان
( رحمة الله ) مائة مرة الى روح أساتذتي
علي مردان والشعر
فسألت الفنان ما اذا كان شاعرا أيضا ؟ فأجاب :
” الشعر والموسيقى متلازمان ، لهذا فانني شاعر أيضا اضافة الى كوني فنانا وموسيقيا متمكنا في المقامات والبستات الكردية ولي ديوان غير مطبوع الا انه مغنى ، فكل قصيدة من قصائدي قد غنيتها وسجلتها اما في شريط او اسطوانة .
هذا بالاضافة الى انني قد غنيت لاشهر شعراء كردستان كما غنيت قصائد لشعراء غير مشهورين كالاستاذ المرحوم ( عزيز شنكالي ).
ثم أخرج ستة دفاتر بحجم مائة ورقة وقال اربعة من هذه الدفاتر هي من أشعار الشعراء الذين غنيت شعرهم والدفتران الاخران هما من نظمي وقد غنيت معظمها .
تسجيلاته وأغانيه
ثم أضاف الفنان مردان : لقد سجلت للاذاعة ما يناهز الـ ( 700) أغنية بمختلف أنواع المقامات وقد أذيعت جميعها من الاذاعة العراقية – القسم الكردي – غير اني سحلت بعض الاغاني والمقامات على اسطوانات لشركات خاصة .
بالاضافة الى كوني من اساتذة الغناء الكردي ومن الذين جددوا وابتكروا وأضافوا الى المقامات القديمة مقامات جديدة مثل مقام هجراني وغمكين ومحير شه ر كه ز فان لي تسجيلات وأغاني في العربية ( ابو ذية ) وبالفارسية ( مقام نوا ) وبالتركية ( مقام جهاركاه ) وعجم ، ولكنها لم تذع في الاذاعة ، غير انها مسجلة على اسطوانات .
وقد تركت الغناء نهائيا قبل عشرة أشهر تقريبا لاسباب صحية ,
* رأي الفنان علي مردان في المغنين الكرد
وعن رأيه بالاغاني الكردية الحالية يقول :
– إن المغنين الاكراد يتمتعون بأصوات جميلة وحلوة الا أنهم رغم حلاوة أصواتهم بهم حاجة الى أن يتعلموا اصول الغناء ومنها المقامات ، اذ ان المقامات هي أساس الغناء واذا لم يستعينوا بالخبراء بالمقامات فلا يمكنهم أن يبدعوا .
* قلت ومن هم المغنون القدماء والمحدثون المفضلون لديك ؟
قال : من القدماء حسن زيره ك ، ومن المحدثين حسين علي ، قادر أحمد ، وخليل وه ندي ، وحمه خدر بهنام . ومن الفرق الموسيقية فرقة باوه جي ، ولكن رغم ذلك أرى انهم جميعا بحاجة الى اتقان المقامات .
قلت : وبماذا تنصح المحدثين من المغنين؟ قال : أرجو أن لا يقدموا على شئء الا بعد التأكد والسؤال من ذوي الخبرة وأن يتأكدوا من صلاحية أصواتهم وطبقاتها للملاءمة بين الاغنية واللحن والصوت .
وأخيرا أقول للذين أصواتهم جميلة لماذا لاتستعينون بخبرتي سواء مني مباشرة وأنا على استعداد لاضع خبرتي بين أيديكم ، أو من الاشرطة والمسجلات التي سجلت فيها كافة أنواع المقامات والتي تبلغ الثلاثين مقاما .
معاناة الفنان الكبير
وفي ختام اللقاء طلبت منه أن يسمعنا احدى اغانيه القديمة . فحاول ولكن الشرقة في صوته أسكتته وقال وا أسفاه .. لست كما يرام ولكن ساسمعكم احدى التسجيلات ، ثم قام وجاء بشريط وبدأ المسجل يدور ، وبدأ صوت علي مردان يغني مقام دشت وهو مطرق برأسه ، ثم أخذت دموعه تجري على وجنتيه ، فسألته وماذا يبكيك؟ فقال : سيأتيك الجواب من المسجل، وكان الصوت :
كَه ر ده برسي داد و كَريان وفه غانم بو جيه ؟
راسته باوك مرده نيم اما حكه ر سوتاوي توم
أي ( إن كنت تسأل عن سبب بكائي وأنيني؟
صحيح انني لم أفقد أباي ، لكن محروق الفؤاد عليك )
ثم رفع رأسه قائلا :
لقد خدمت الموسيقى الكردية أكثر من نصف قرن ودرست أكثر من عشرين سنة في معهد المكفوفين ، وسجلت ذلك العدد الكبير من المقامات وأفنيت شبابي في خدمة الغناء الكردي وهذا مصيري يد ترتجف نصف مشلولة . ولا أحد يسأل عن علي مردان ، أين هو وما ذا حل به ، ترى أين ذهب عشاق غنائي وصوتي ؟ أهذا مصير الفنانين؟!
ما جدوى أن تكرم ذكراي بعد موتي كما فعلوا مع الاخرين . لقد أصبحت مهملا في حياتي ..
* نعم لقد أهمل علي مردان ولكن ما ذنب الاغاني والاشرطة التي سجلتها لماذا لاتذاع ، أتبقى مهملة هي الاخرى في الاذاعة !
إن أكثر ما يؤلمني هو هذا الاهمال … على الاقل أسمعوني ما غنيت لك لاشعر باني ما زلت حيا . لا زلت موجودا .
………………………………………………………………
نشر في جريدة التاخي / العدد 2100 بتاريخ 14 / 1 / 1976
أخرجه من الارشيف وأعده للنشر مؤيد عبد الستار

قد يعجبك ايضا