د . صباح ايليا القس
تمضي الحياة متسارعة الى إحداث التطور , اذ لم يشهد جيلنا الخمسيني مثل هذا الاندفاع والتسارع في اغلب مجالات الحياة لا سيما في التطور التكنولوجي والاتصلات التي قرّبت البعيد بل وجعلته يتعايش معنا , فاذا نكتب الرسائل ونجمّلها بعبارات منمقة لكي تصل بعد اسابيع او اشهر الى البلد البعيد ليعيد لنا الجواب وقد انقضت نصف سنة او ربعها على سبيل الاختصار اما اليوم فاننا نستطيع ان نتواصل مع آخر نقطة في الكون الارضي ناهيك عن الكون السماوي في المحطات الفضائية الذي لا يهمنا بل يهمنا ان نتحاور صورة وصوت مع الآخر في آخر جانب من الكرة الارضية .
لا بد ان نعترف اننا نشهد انقلابا عظيما في حياتنا وعلينا ان نكون جاهزين لمجاراة هذا التطور كل جيل وقدراته في استيعاب التطور الذي يناسبه .
كان جيلنا والاجيال التي سبقتنا وقليل من الاجيال اللاحقة ممن يعشقون الكتاب والصحف اذ كان من باب الوجاهة ان يتأبط الناس الكتاب او الصحيفة التي يميل اليها فكريا .
كان الكتاب او الصحيفة جزءً من تكامل الشخصية وليس استعراضا اذ الناس تهمها الثقافة العامة في كل مكان , الدائرة او المدرسة او الجامعة وحتى المقهى والبيت .
في المرحلة الثانوية لم تكن قدراتنا تسمح لشراء كمية من الكتب لكننا بامكاننا ان نشتري كتابا او كتابين ونجري عملية التبادل بيننا وفي الحصيلة نكون قد قرأنا اكثر من اربعين كتابا في السنة ليس هذا فقط بل كنا نجري الفعاليات المدرسية بالتعاون مع الادارة في اقامة مسابقات الخطابة او المهرجانات الشعرية او المشاركة في نشاطات الاذاعة المدرسية في بعض المدارس.
لا علينا مما سبق فذاك جيل وهذا جيل . ذاك الجيل يطلق عليه بعض الناس اسم ( جيل الطيبين ) وهو فعلا كذلك لما كان يشتمل عليه اغلب الناس من الجنسين من صفات الثقافة واللطافة بعكس هذا الجيل الذي يستحق عن جدارة كما يسميه المصريون بـ ( جيل الفهلوة ) ..
ربما اخذتني الاستذكارات بعيدا عن صلب الموضوع وهو ما سنفعل بالكتب التي سعينا الى شرائها واقتنائها وما نزال نتباهى بعددها وما تشغله من مساحة في البيت ؟
لم يعد الاقبال على الكتاب مثلما كان في زمننا مع انتشار المكتبات الرقمية فاذا كنا نستمتع بتقليب الكتاب حتى ينام على صدورنا احيانا الى ان جاء زمن بحيث اننا نغزو مكتبات العالم ونطلع على كل ما هو جديد وقديم بحركة بسيطة سواء على جهاز الحاسوب او حتى على جهاز الهاتف المحمول , وهكذا تجاوزنا مسألة البحث عن المعلومة في بطون الكتب الى الحصول عليها في اقل من دقيقة بوساطة المخترعات الحديثة ..
صارت مكتباتنا البيتية ثقيلة علينا وصرنا نبحث عن وسيلة لترحيلها الى مكان يؤمن لنا الحفاظ عليها ويعزُّ علينا ان تهان امامنا وتلتهمها النيران او ان يساومنا عليها باعة العتيق بتراب الفلوس , حتى دواليبها لم تعد تناسب طرز الآثاث المعاصرة ..
سألت بعض الذين سبقوني في هذا الموقف فقالوا انهم يعزَّ عليهم ان تباع في شارع المتنبي بتراب الفلوس لا سيما ان اغلبهم قد وسمها بختم اسمه ووضع تاريخ شرائها فضلا عن توقيعه الميمون .
لا يزال في العمر بقية وانا مستمتع مع مكتبتي واعود اليها حتى لو لشم ريحة الكتب او تقليب المراجع التي تساقط عليها عرق الجبين عند كتابة رسالة الماجستير او اطروحة الدكتوراة .