ذكي بن مدردش
سقوط نظام بشار الأسد في سوريا يمثل لحظةتاريخية تحمل معها تداعيات كبيرة على المستويينالداخلي والإقليمي، فمنذ اندلاع الاحتجاجاتالشعبية في عام 2011، كانت سوريا مسرحاًلصراع دموي مزق البلاد وأعاد تشكيل موازينالقوى في المنطقة. في هذه المقالة، نناقش أبعادسقوط نظام الأسد، وتأثيره في سوريا ومستقبلها،وكيف يمكن للسوريين والمجتمع الدولي العمل معاًلبناء مستقبل أفضل؟
البداية: صعود الأسد والصراع الطويل
نظام بشار الذي تأسس على إرث والده حافظالأسد، حكم سوريا بالحديد والنار لعقود. اعتمد علىالأجهزة الأمنية والسيطرة المطلقة على مؤسساتالدولة لإحكام قبضته، وفي عام 2011 ومع اندلاع“الربيع العربي” طالبت شرائح واسعة من الشعبالسوري بالحرية والكرامة والإصلاح، إلا أن النظامقابل هذه المطالب السلمية بالقمع الوحشي، مما أدىإلى تصاعد الصراع وتحوله إلى حرب أهلية شاملة.
على مدى الأعوام الماضية أصبحت سوريا مسرحاًلصراعات متعددة الأبعاد، داخلياً بين النظاموالمعارضة، وإقليمياً بين القوى المجاورة، ودولياً بينالقوى الكبرى. واستغل الأسد الدعم الإيرانيوالروسي للبقاء في السلطة، بينما تكبدت البلادخسائر بشرية واقتصادية غير مسبوقة.
سقوط النظام: الأسباب والدلالات
إن سقوط نظام الأسد، سواء جاء من خلال انتفاضةشعبية متجددة أم عبر انقلاب داخلي أو تسويةسياسية دولية، يعكس عوامل عدة متشابكة.
الإرهاق الشعبي: عقود من القمع والاستبداد، وزادتعليها سنوات الحرب والمعاناة الاقتصادية، وباتالشعب السوري في حال من الغضب المكتوم والترقبللتغيير.
التداعيات الاقتصادية: العقوبات الدولية والفسادالمستشري والسياسات الفاشلة أضعفت الاقتصادالسوري بصورة كبيرة، مما جعل النظام عاجزاً عنتلبية حاجات الشعب أو حتى دعم مؤيديه التقليديين.
الخلافات داخل النظام: مع تصاعد الضغوط الدوليةوالإقليمية، ظهرت تصدعات داخل صفوف النظاموأركانه الأمنية والسياسية.
الدعم الدولي والإقليمي للمعارضة: تغير المواقفالدولية، وتزايد الضغوط على حلفاء الأسد مثل روسياوإيران، أسهم في تغيير موازين القوى.
الزخم الشعبي المتجدد: على رغم القمع، ظل الأملفي التغيير حياً في نفوس السوريين، بخاصة بينالشباب الذين لم يعرفوا سوى القمع والحرب.
ما بعد السقوط: تحديات البناء والانتقال
سقوط النظام يمثل نقطة تحول، ولكنه بداية لمرحلةجديدة مليئة بالتحديات، الانتقال من نظام استبداديإلى دولة ديمقراطية يتطلب جهوداً هائلة لتجاوز آثارالحرب والانقسام.
إعادة بناء الدولة: المؤسسات السورية فككت أوسيست لخدمة النظام، وإعادة بناء هذه المؤسساتعلى أسس جديدة تعزز الشفافية والمساءلة أمرحتمي.
التصالح الوطني: بعد سنوات من الحرب والانقسام،ستكون هناك حاجة إلى عملية مصالحة شاملة تضمجميع الأطياف السياسية والاجتماعية لضمان عدمتكرار مآسي الماضي.
التحدي الاقتصادي: إعادة الإعمار تحتاج إلىاستثمارات هائلة، ومن الضروري أن تشارك القوىالدولية والإقليمية في تقديم الدعم المالي والتقنيللسوريين.
التدخلات الإقليمية والدولية: تداخل المصالح الإقليميةوالدولية في سوريا يجعل تحقيق الاستقرار أمراًمعقداً، إذ يجب العمل على إيجاد صيغة تضمنسيادة سوريا وتحييد التدخلات الخارجية.
العدالة الانتقالية: من أجل طي صفحة الماضي،ينبغي محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضدالإنسانية، وضمان تحقيق العدالة للضحايا، من دونالسقوط في دوامة الانتقام.
فرص المستقبل: سوريا جديدة
في خضم هذه التحديات، هناك أيضاً فرص هائلةلبناء سوريا جديدة تقوم على الحرية والديمقراطيةواحترام حقوق الإنسان. ويمكن للشباب السوري،الذين أثبتوا قدرتهم على الصمود والإبداع، أنيكونوا عماد هذا التحول.
تنوع المجتمع السوري: يمكن لهذا التنوع أن يكونمصدر قوة إذا أدير بطريقة تعزز الوحدة والتعاونبين مختلف الأطياف.
دعم المغتربين السوريين: الجاليات السورية فيالخارج تملك خبرات وإمكانات، يمكن أن تسهم فيإعادة الإعمار والتنمية.
الدور الدولي الإيجابي: بإمكان المجتمع الدولي أنيلعب دوراً محورياً في تقديم الدعم السياسيوالاقتصادي، وضمان عدم عودة الاستبداد.
ختاماً: سوريا في مفترق طرق
سقوط نظام الأسد يمثل لحظة أمل وفرصة تاريخيةللسوريين للتخلص من عقود من الاستبداد والدمار،لكن هذا السقوط لن يكون نهاية المطاف، بل بدايةطريق طويل يتطلب الوحدة والعمل الجاد لبناء دولةحرة ومستقرة.
إن نجاح السوريين في هذه المهمة لن يعتمد فقطعلى التخلص من النظام، بل على قدرتهم على بناءمجتمع متماسك يعكس تطلعاتهم للحرية والكرامة. في نهاية المطاف سيكون الشعب السوري هو السيدالوحيد لمستقبله، والقادر على تحويل هذا الحلم إلىواقع مشرق.