د. توفيق رفيق التونچي
تعتبر التراكمية النظام الوحيد الذي يؤدي الى التطور في المعرفة والعلوم وكل مستجد في جميع مجالات النشاط الإنساني. أما البقاء ساكنا في مكان وإعادة الماضي واستنساخه وبكل سلبياته واعتباره جميلا، حتى لو كان ذلك الماضي يخلو من السيارات، الطائرات، التلفون والتلفزيون والأنترنت فذلك حياة في وهم. هذا السكون وإيقاف عجلة التأريخ ومحاولة اعتبار الماضي وشخصياته مهنين ومن ذوي الاختصاص، حتى لو كانوا من الأمين والجاهلين لأبسط العلوم سلوك يوقف عجلة التقدم والتطور ويسقط مفعول التراكمية المعرفية السحري.
جميع الاكتشافات العلمية جاءت نتيجة التراكمية والمنحنى التطوري قد يقف في نقطة بعض الوقت نتيجة لحوادث معينة لكنها تعاود الصعود دوما ما لم يأتي مجنون وينهي الحياة على الكوكب الأرضي في المستقبل لا سامح الله. الجدير بالذكر ان التراكمية لا يلغي القديم بالكامل، بل تحويه وتطوره هاجرا الجزء الخاطئ وتستمر في عملية البناء. اليوم نعيش في عالم استهلاكي للمواد والكماليات وكل شيء جديد دورة حياته قصيرة جدا ولا يوجد اي منتوج توقف في مكانه، بل في تطور مستمر وبلا حدود لكن الاستثناء في كل شيء لا يعي التطور ويستمر على القديم البالي.
خذ مثلا جهاز الحاسوب اليدوي الآلي والجهاز الآخر وما كان يسمى قاصة عندنا في العراق اليوم يوجد في تطبيق صغير في معظم الهواتف النقالة. لكن الشركة المنتحة لتلك الأجهزة والتي أفلست فيما بعد وخرجت من دورة الإنتاج تسمى فاستParametrar Facit AB وهي من الشركات السويدية حيث لم يعي أصحابها ظهور الجديد والمتقدم الإلكتروني وبذلك خسرت كل شيء وباتت في عداد الماضي أي انقرضت وحصل كل ذلك مع العديد من الشركات والمنتوجات حين لم يعي أصحابها والقائمون على إدارة تلك الشركات بان الزمن تغير والتراكمية جعلت من منتوجاتهم في الماضي كالتلفزيون ذو الشاشة الأبيض والأسود والساعات الميكانيكية ومنتوجات مشابهه أخرى كثيرة لا يعد ولا يحصى. كما ستحصل يوما لعالم صناعة السيارات بعد ان تترك السيارات التي تعمل بالنزين الساحة الإنتاجية للجديد الذي يعمل بالبطارية وربما لسيارات تطير ولا تحتاج حتى الى شوارع ومحطات تعبئة وقود وما شابه. الجدير بالذكر بهذا الصدد ان الكثير من المهن تختفي كذلك وتأتي محلها مهن ومهارات جديدة أخرى هذا كذلك بالنسبة للدراسة والتعليم وكافة جوانب الحياة. ونرى كل تلك المواد أخذت مكانها ربما في احدى المتاحف. خذ مثلا التطور الهائل في عالم الاتصالات فالهاتف اليوم لا يستغني منه احد ولكن تطوره السريع من اتصال قام به أديسون كتجربة لنقل الصوت وصل بنا الى هذا اليوم عن طريق التراكمية العلمية.
يفتخر البعض بالأجداد، حتى لو كانوا قد عاشوا قبل خمس الأف سنين ويعتبرونهم قدوة لهم وفخرا لأمم رغم ان هؤلاء كانوا من الطغاة والقتلة والجلادون وحتى البعض منهم كانوا مجانين متوحشون. القاء نظرة سريعة على نواحي الحياة قبل ٢٠٠ عام فقط يرينا مدى التأخر الذي كانت فيها البشرية في كافة أنحاء المعمورة وتسارعت مسار التطورات في واقع الأمر نتيجة مباشرة للحربين العالميتين وانتهاء هيمنة الأنظمة الشمولية الرجعية وانهيار الإمبراطوريات
يفتخر البعض بالأجداد، حتى لو كانوا قد عاشوا قبل خمس الأف سنين ويعتبرونهم قدوة لهم وفخرا لأمم رغم ان هؤلاء كانوا من الطغاة والقتلة والجلادون وحتى البعض منهم كانوا مجانين متوحشون. القاء نظرة سريعة على نواحي الحياة قبل ٢٠٠ عام فقط يرينا مدى التأخر الذي كانت فيها البشرية في كافة أنحاء المعمورة وتسارعت مسار التطورات في واقع الأمر نتيجة مباشرة للحربين العالميتين وانتهاء هيمنة الأنظمة الشمولية الرجعية وانهيار الإمبراطوريات. حتى دولا كانت تعيش في حالة من البداوة وحتى بدائية في ذلك الزمان تستخدم اليوم الأجهزة المتطورة وتركت الغابات والصحاري والمغاور لتعيش في افخم ناطحات السحاب. اي انها لم تشارك في العملية التطورية التقنية، بل استخدمتها وجاءت اليهم دون اي تعب ودراسة ومراكز بحوث وجامعات وهذ ما يبرر الأرباح الهائلة لمنتجي تلك الأجهزة حيث البون الهائل بين قيمة كلفة الإنتاج المادة وسعر تسويقها وبيعها. الدول التي تهتم بالبحوث والتطوير تحصل دوما على برآءة الاختراع وبذلك انحصر إنتاج المادة لمدة معينة عند تلك الدولة ثم تنتشر الى دول العالم مع الاحتفاظ دوما بحقوق البحث والتطوير كما حصل مع انتقال الإنتاج الى الصين في حين احتفظت الدول صاحبة براءة الاختراع على مؤسسات البحث والتطوير وكما حصل مع إنتاج سيارة الفولفو السويدية الشهيرة.
المؤسف باننا لا نجد الكثير من بغداد من الفترة العباسية لان المحتل هدم المدينة دائما ولم يبق على اي بناء وجل ما نره اليوم من أبنية تعود للفترة العثمانية اما فترة الحكم القومي العربي السلبي فقد اهمل كل بناء قديم لا بل ازيل العديد من البنايات التراثية او تم تغير واجهاتها بعيدا عن عمارتها الأصلية وتبقى هدم القلعة التاريخية لمدينة كركوك ولأسباب واهية جريمة تراثية يعاقب عليها التاريخ
رغم ان معظم دول العالم، خارج الدول المتطورة تقنيا، هي في واقع الأمر شعوبها مستهلكة لمنتوجات تلك الدول المنتجة للتقنية الحديثة والتي لا تنتهي اذ انهم وسيرا على اقتصاديات السوق ينتجون دوما طرازات جديدة واحيانا يقومون فقط بتغير الشكل او تصميم المنتج دون إضافة ومن ثم يسوقونها كمنتوج جديد وافضل مثال لذلك في منتوجات مواد التجميل. .
التراكمية كانت احد أسباب استمرار الفن والعمارة ما عدا عند الشعوب الهمجية اللذين هدموا ولم يحتفظوا بإرث الشعوب بعد احتلالهم لديارهم. الجدير بالذكر بان محمد الفاتح حين فتح القسطنطينية كانت كنيسة القديسة صوفيا احد معالمها وحين دخلها وهو يمتطى على صهوة جواده وجد عند البوابة بعض الجنود وهم يكسرون الرخام في أرضية مدخل البناء بفؤوسهم فنهرهم على فعلهم قائلا بان كل هذا سيكون ملكا لكم فكيف تهدمون بيتكم بيدكم. ولا تزال اثار تلك الأرضية المكسورة باينة للعيان عند مدخل الكنيسة الذي حول ومع الأسف الى مسجد ولم يترك كمتحف ليزورها الناس ومن كافة أرجاء الدنيا. وتلك التراكمية المعمارية كانت النموذج لجميع مساجد استانبول وضمن اخرى في تركيا الحالية حيث كان المعمار سنان وهو من مواليد اليونان متأثرا بالعمارة البيزنطية وقام بتطوير البناء بإضافة المأذنة الى البناء الأساسي. اي انه استفاد من التراكمية في فن البناء وأضاف اليه الجديد وكما نراه كذلك في ابنية مدينة دمشق حيث الجامع الأموي المقام كذلك على بناء كنيسة قديمة يمكن مشاهدة أثارها الباقية كأساس قديم وقد ابدع المعمار الشامي إضافة الجديد بعد ان فتحها المسلمون وبدا العهد الأموي ولا تزال أساليب البناء ومواده الفينيقي والتصميم المعماري البيزنطي ظاهرا على معظم ابنية وقصور الأندلس.
.المؤسف باننا لا نجد الكثير من بغداد من الفترة العباسية لان المحتل هدم المدينة دائما ولم يبق على اي بناء وجل ما نره اليوم من أبنية تعود للفترة العثمانية اما فترة الحكم القومي العربي السلبي فقد اهمل كل بناء قديم لا بل ازيل العديد من البنايات التراثية او تم تغير واجهاتها بعيدا عن عمارتها الأصلية وتبقى هدم القلعة التاريخية لمدينة كركوك ولأسباب واهية جريمة تراثية يعاقب عليها التاريخ.
فالتراكمية وكما ذكرت عامة شاملة ليس فقط في الفنون والموسيقى والعلوم. يجب ان نلاحظ بان الأدب بصورة عامة جرى كذلك عليه تغيرات نتيجة ان اللغات حية وتتغير فنصوص القديمة لا يمكن فهمها الا بوجود قاموس مفردات يشرح معنى الكلمات وهذا من خصائص النصوص وفي جميع الثقافات هذ مثلا الشعر العربي القديم كم نفهم معاني كلماته او حتى نص كتابه شكسبير يصعب علينا فهمه اليوم. هذا مبحث اخر قد ناتي الى معالجتها في مادة مستقلة في المستقبل بأذنه تعالى.