متابعة ـ التآخي
استعملت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Communications بيانات أقمار ناسا الصناعية لتحديد فجوة كبيرة في المرونة العالمية في مواجهة تغير المناخ، فالمدن في الجنوب العالمي لديها مساحة خضر أقل بكثير، وبالنتيجة، قدرة تبريد أقل من المدن في الشمال العالمي.
واستعملت مصطلحا الشمال العالمي والجنوب العالمي في الدراسة للتمييز بين البلدان المتقدمة (معظمها في نصف الكرة الشمالي) والدول النامية (معظمها في نصف الكرة الجنوبي).
تمتص الأسطح الداكنة التي تحبس الحرارة مثل الأرصفة والمباني والطرق الحرارة من أشعة الشمس، مما يرفع درجة حرارة المدينة، و تشكل الحرارة الشديدة تهديدات صحية خطيرة لسكان المناطق الحضرية، بما في ذلك الجفاف وضربة الشمس وحتى الموت.
وبرغم أنها ليست علاجًا لكل شيء، إلا أن المساحات الخضراء توفر الظل وتطلق الرطوبة في الهواء، مما يؤدي إلى تبريد المناطق المحيطة.
وقال كريستيان برانيون، عالم المناخ في معهد جودارد لدراسات الفضاء التابع لوكالة ناسا في نيويورك، الذي لم يشارك في هذه الدراسة “يمكن للمدن أن تعطي الأولوية الاستراتيجية لتطوير مساحات خضر جديدة في المناطق التي بها مساحة خضراء أقل، ويمكن أن تكون بيانات الأقمار الصناعية مفيدة حقًا في هذا الصدد”.
وقام فريق دولي من الباحثين بقيادة يوشيانج لي، طالبة الدكتوراه في جامعة نانجينج، بتحليل أكبر 500 مدينة في العالم لمقارنة قدراتها على التبريد.
استعملوا بيانات من القمر الصناعي Landsat 8، الذي تديره وكالة ناسا بالاشتراك مع هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، لتحديد مدى فعالية المساحات الخضراء في تبريد كل مدينة.
أولاً، جرى حساب متوسط درجة حرارة سطح الأرض لأكثر شهور عام 2018 حرارة لكل مدينة، فضلا عن متوسط أكثر الشهور حرارة من عام 2017 إلى عام 2019، بعد ذلك، استخدم الباحثون مقياسًا يسمى مؤشر الفرق الطبيعي للغطاء النباتي (NDVI) لرسم خريطة لمقدار المساحة الخضراء في كل مدينة.
يعتمد مؤشر الفرق الطبيعي للغطاء النباتي على حقيقة أن الغطاء النباتي الصحي يمتص الضوء الأحمر ويعكس ضوء الأشعة تحت الحمراء: يمكن أن تُظهر نسبة هذه الأطوال الموجية كثافة الغطاء النباتي الصحي في صورة قمر صناعي معينة.
وجد الباحثون، أن المدن في الجنوب العالمي لديها 70٪ فقط من قدرة التبريد المرتبطة بالخضرة في مدن الشمال العالمي، تعمل المساحات الخضراء في مدينة متوسطة في الجنوب العالمي على تبريد درجة الحرارة بنحو (2.5 درجة مئوية)، و في مدينة متوسطة في الشمال العالمي، تبلغ قدرة التبريد هذه (3.6 درجة مئوية).
وهذا يضاعف من مشكلة قائمة: تميل المدن في الجنوب إلى أن تكون عند خطوط عرض منخفضة (أي أقرب إلى خط الاستواء)، التي من المتوقع أن تشهد مزيد من درجات الحرارة القصوى في السنوات المقبلة.
وقال تشي شو، أستاذ علم البيئة بجامعة نانجينغ والمشارك في تأليف الدراسة “من الواضح بالفعل أن دول الجنوب العالمي ستتأثر بموجات الحر وارتفاع درجات الحرارة والظواهر المناخية المتطرفة أكثر من نظيراتها في الشمال العالمي”، ولدى دول الجنوب العالمي قدرة أقل على التكيف مع الحرارة لأن تكييف الهواء أقل شيوعًا وانقطاع التيار الكهربائي أكثر تكرارًا.
تميل المدن في الجنوب العالمي إلى امتلاك مساحات خضراء أقل من المدن في الشمال العالمي، وهذا يعكس دراسات التفاوت داخل المدن، التي يشار إليها أحيانًا باسم “تأثير الرفاهية”: تميل الأحياء الأكثر ثراءً إلى امتلاك مساحات خضراء أكثر من الأحياء الأكثر فقرًا.
وقال تشي “تحتوي المدن الأكثر ثراءً أيضًا على مساحات خضراء حضرية أكثر من المدن الأكثر فقرًا”.
ومن غير المرجح أن يتمكن مخططو المدن من سد الفجوة بين أسوأ مدينة أداءً في الدراسة (مقديشو، الصومال) وأفضلها أداءً (شارلوت، كارولاينا الشمالية).
مقديشو مدينة كثيفة السكان ذات مناخ جاف يحد من نمو النباتات، ومع ذلك، هناك الكثير مما يمكن أن تتعلمه كل مدينة من جيرانها، في منطقة معينة، حدد الباحثون المدينة ذات القدرة الأكبر على التبريد واستعملوا ذلك كهدف، حسبوا الفرق بين المدينة الأفضل أداءً في المنطقة وكل مدينة قريبة للحصول على القدرة الإضافية المحتملة على التبريد.
ووجدوا، أن متوسط القدرة على التبريد في المدن يمكن زيادته بشكل كبير- إلى ما يصل إلى (10 درجات مئوية) بوساطة زيادة كمية ونوعية المساحات الخضر بشكل منهجي.
وقال برانيون، الذي تركز أبحاثه في وكالة ناسا على تغير المناخ والتخطيط الحضري، “إن كيفية استغلالك للمساحات الخضراء سوف تختلف حقًا اعتمادًا على المناخ والبيئة الحضرية التي تركز عليها”.
تتمتع المدن الأكثر خضرة في الولايات المتحدة وكندا بكثافة سكانية أقل، ومع ذلك، فإن انخفاض عدد الأشخاص لكل ميل مربع ليس بالضرورة مفيدًا للبيئة: يعتمد السكان في المدن ذات الكثافة المنخفضة على السيارات بشكل أكبر، وتميل منازلهم إلى أن تكون أكبر وأقل كفاءة.
وأشار برانيون إلى تواجد مجموعة من الحلول تتجاوز مجرد زراعة الأشجار أو تحديد الحدائق: يمكن للمدن زيادة سعة التبريد بإنشاء المسطحات المائية، وزرع الأسطح الخضر، وطلاء الأسطح أو الأرصفة بألوان أفتح لتعكس مزيد من الضوء.
وباستعمال دراسة عالمية مثل هذه، يستطيع مخططو المدن مقارنة الاستراتيجيات الخاصة بالمدن الواقعة ضمن نفس المنطقة أو المدن ذات الكثافة السكانية المتشابهة.
ويقول برانيون “بالنسبة للمناطق الحضرية الجديدة التي لم يجري بناؤها بالكامل، هناك مجال كبير لتغيير التصميم”.