آدم محمود
تكررت مشكلات الابتزاز والتحرش داخل الجامعات العراقية، ويخضع المتورطون من أساتذة وموظفين وأيضاً طلاب لإجراءات ضمن القوانين الداخلية للمؤسسات. وجرى توثيق عدة حالات تحرش شهدت بعضها تدخلات قانونية وإدارية نفذتها السلطات التعليمية والقضائية، وشملت إحالة أساتذة إلى التحقيق أو إقالتهم وصولاً إلى سجنهم.
تؤكد طالبات أن حالات التحرش المعلنة أقل من تلك الموجودة على أرض الواقع، ويؤكدن أن الخوف من تبعات كشف ما يتعرضن له من تحرش يمنعهن من الإفصاح عنه. في مطلع تشرين الثاني، كشفت مُحادثة أجريت عبر موقع “فيسبوك” ابتزاز رئيس قسم في جامعة جنوب العراق طالبة مقابل منحها درجات أعلى. وفتحت الجامعة تحقيقاً في الواقعة، وأكدت في بيان أنها “ستتخذ أقصى إجراءات العقاب في حق أي فرد يثبت تورطه”.
وفي محافظة ذي قار، اعتقل أستاذ في جامعة سومر بتهمة ابتزاز طالبات جنسياً لمنحهن النجاح. وفي جامعة البصرة، ارتبطت فضيحة كبيرة بعميد كلية المعلوماتية بعدما وثقت كاميرات في مكتبه حصول حالات تحرّش جسدي وابتزاز. وقضت محكمة البصرة بسجنه 15 عاماً وفق قانون العقوبات. وفي بغداد، عرضت قناة تلفزيونية شريط فيديو لأستاذ في الجامعة المستنصرية في موقف غير أخلاقي خلال محاولته مساومة طالبة في الدراسات العليا.
ويؤكد مسؤول في وزارة التعليم ببغداد شريطة عدم كشف اسمه لـ”العربي الجديد”، تعامل الوزارة مع أكثر من 10 حالات تحرش وابتزاز تورط فيها أساتذة وإداريون مع طالبات وموظفات خلال الفترة الماضية، وأن تلك الحالات سُجلت في الجامعات الأهلية والحكومية على حدّ سواء.
من جهتها، تقول هالة، وهي متخرجة من كلية الآداب قبل ثلاثة سنوات: “أنهيت دراستي الجامعية مع حوادث سيئة جعلتها الفترة الأكثر صعوبة في حياتي.
التحرش والابتزاز والمساومة تحصل في كل العالم، لكن بالنسبة إلى العراق فالرادع أقل، لذا نسمع بين وقت وآخر عن حصولها. تدفع العادات والتقاليد والخوف على المستقبل الطالبات أو الموظفات إلى السكوت ومحاولة التستر على ما يتعرضن له، والأمر لا يقتصر على الجامعات، بل في مختلف الجهات والوزارات”.
يشكل التحرش عبئاً نفسياً كبيراً على الطالبات
وتقول الطالبة في السنة الرابعة بكلية الحقوق، سارة لـ”العربي الجديد”: “تتعرض طالبات للتحرش والابتزاز من قبل فئة قليلة من الأساتذة، والذين يحاولون استغلال سلطتهم الأكاديمية لفرض رغباتهم الخاصة مقابل منح الطالبات درجات أعلى. حتى إذا كانت هذه الممارسات قليلة فهي تشكل عبئاً نفسياً كبيراً على الطالبات اللواتي يخشين عدم الحصول على الدرجات في حال رفضن الضغوط”. و تضيف: “تعرّضت لابتزاز من أحد الأساتذة، واستعنت بزميل لديه علاقة مع حزب سياسي، فحذره من محاولة تكرار فعلته، وتخلّصت منه فعلاً”.
ويقول الأستاذ الجامعي واثق عباس،: “التحرش وصمة عار لمن يرتكبها، ولا تمثل غيره. من يمارسون هذه الأفعال يستغلون عدم قدرة الفتيات على فضحهم بسبب طبيعة المجتمع العشائري الذي ينظر بسلبية إلى المرأة المتحرش بها. ومن بين أسباب انتشار هذه الحالات عدم فرض عقوبات رادعة تمنع ظهورها وتكرارها، ووجود أشخاص غير مؤهلين في مواقع التدريس والإدارة داخل بعض الكليات”.
يتابع عباس: ” تحاول الطالبة نيل شهادة جامعية أو إكمال دراساتها العليا للحصول على درجة رفيعة تحقق من خلالها طموحها العلمي تمهيداً للحصول على وظيفة تسمح لها بأن تساعد عائلتها أو بناء أسرتها، لكن حين تصطدم بوجود متحرش في موقع لا يمكنها أن تتجاهله يتحطم طموحها، وقد يقف ذلك عائقاً أمام محاولتها تحسين المستوى المعيشي لعائلتها”.
البرلمان يناقش “مكافحة البغاء” و”القضاء على العنف والتحرش
وليس الابتزاز والتحرش بالطالبات أفعالاً وقتية إذ تترك آثاراً نفسية عميقة وطويلة الأمد. ويؤكد الاختصاصي في الطب النفسي، أحمد السعيدي: “قد تؤدي هذه الممارسات إلى اضطرابات مثل القلق المزمن والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ويعزز الشعور بالخوف والعار الذي يرافق الطالبات الضحايا صمتهن، ما يفاقم تدهور حالتهن النفسية، وقد تمتد هذه الآثار لتؤثر على قرارات حياتية مهمة مثل الزواج أو الإنجاب، ولا يُستبعد أن تصل إلى الانتحار”.
ويرى السعيدي أن “مواجهة الظاهرة تبدأ بتغيير النظرة المجتمعية، وتعزيز ثقافة الحماية والدعم بدلاً من الوصم بالعار والتهميش”.
ويأتي انتشار التحرش داخل الجامعات في إطار ظاهرة التحرّش المنتشرة في البلاد. وفي شهر آذار الماضي، أطلق جهاز الأمن الوطني العراقي حملة بعنوان “إحنا بظهركم” لحث النساء على الإبلاغ عن حالات الابتزاز والتحرش، مع إبقاء هوياتهن طي الكتمان.