التآخي ـ الوكالات
في تطور مفاجئ على الساحة السورية، دخل مقاتلو المعارضة “هيئة تحرير الشام” وفصائل حليفة لها، مدينة حلب عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، ما أثار مخاوف من اشتعال الحرب الأهلية في البلاد مرة أخرى بشدة لم تشهدها منذ سنوات.
وقطعت المعارضة الطريق الدولي الذي يصل العاصمة دمشق بحلب، كبرى مدن شمال سوريا، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وكانت المعارضة قد أعلنت عن عملية عسكرية واسعة ضد قوات الجيش السوري و”المليشيات الموالية لإيران”، بحسب تعبيرها في ريف حلب الغربي أطلقت عليها اسم “ردع العدوان”.
ومن جانبها، شنت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها الروس غارات جوية على عديد البلدات والمدن التي تسيطر عليها المعارضة، وذلك وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتقع محافظة حلب في الجزء الشمالي من البلاد وتحدها تركيا من الشمال ومحافظة الرقة من الشرق ومحافظة إدلب من الجنوب الغربي.
وتبلغ مساحتها 18.5 ألف كيلومتر مربع، وهي تشكل نحو 10 في المئة من إجمالي مساحة سوريا، وهي أكبر المحافظات السورية من حيث عدد السكان، اذ يزيد على 5 ملايين نسمة من بين 23 مليونا هو عدد سكان سوريا.
وعاصمة المحافظة هي مدينة حلب التي كانت في السابق أكبر مدينة في سوريا والمركز الصناعي والمالي للبلاد، وكان يُطلق عليها جوهرة سوريا.
ومن بين أهم المدن في المحافظة عفرين وإعزاز وجرابلس وتل رفعت والسفيرة ومنبج وعين العرب.
وفي العام الأول من الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد، لم تشهد حلب احتجاجات واسعة النطاق ولا العنف المميت الذي هز البلدات والمدن الأخرى.
ولكنها أصبحت فجأة ساحة معركة رئيسة في تموز 2012، عندما شن مقاتلون معارضون هجوما لطرد القوات الحكومية والسيطرة على شمال سوريا.
ولكن تقدم قوات المعارضة لم يكن حاسما، وانتهى الأمر بحلب إلى تقسيمها إلى نصفين تقريبا، اذ تسيطر المعارضة على الشرق والحكومة على الغرب.
حدث ذلك في وقت وجدت فيه حلب نفسها محشورة بين ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” إلى الشرق والمجموعات الكوردية السورية إلى الشمال الغربي، وقد خاض تنظيم “الدولة الإسلامية” والمجموعات الكوردية معارك مع بعضهما البعض، وكلاهما اشتبك مع مقاتلين مناوئين للأسد مثل جيش الفتح.
ولم يتمكن أي من القوات الحكومية السورية والمعارضة من كسر الجمود حتى منتصف عام 2016، عندما قطعت القوات الحكومية بدعم من الضربات الجوية الروسية الطريق الأخير لقوات المعارضة إلى الشرق ووضعت 250 ألف شخص تحت الحصار، وفي نهاية شهر تشرين الثاني، استعادت القوات الحكومية السيطرة على شمال حلب، فيما شكل نقطة تحول في الصراع السوري.
وتُعد مدينة حلب عاصمة المحافظة واحدة من أقدم وأعرق المدن في العالم كله، وقد ورد ذكرها في النصوص المصرية من القرن العشرين قبل الميلاد.
وجرى العثور على بقايا معبد يعود تاريخه إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد في موقع قلعة حلب الشهيرة التي تعود إلى العصور الوسطى، التي ما تزال تهيمن على المنطقة وكانت بمنزلة معقل دفاعي لعدة قرون.
وقد ازدهرت حلب سياسيا واقتصاديا في القرن الثامن عشر قبل الميلاد بصفتها عاصمة مملكة يمحاض، حتى سقطت في أيدي الحيثيين.
وفي وقت لاحق، أصبحت مدينة مهمة في العصر الهلنستي ومركزًا تجاريًا رئيسيا للتجار الذين يمرون بين البحر الأبيض المتوسط والأراضي الواقعة إلى الشرق. وفي نهاية المطاف، جرى ضمها إلى الإمبراطورية الرومانية ثم ازدهرت كمركز لحركة القوافل في ظل الحكم البيزنطي.
في عام 636 م، غزت الجيوش العربية ـ الإسلامية حلب. وبعد نحو 80 عامًا، في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، تم بناء مسجدها الكبير.
وفي القرن العاشر، أصبحت حلب عاصمة الدولة الحمدانية في شمال سوريا، ولكنها عانت بعد ذلك من مدة من الحرب والاضطرابات، حيث قاتلت الإمبراطورية البيزنطية والصليبيون والفاطميون والسلاجقة من أجل السيطرة عليها وعلى المنطقة المحيطة بها.
ولم تتعاف حلب إلا في منتصف القرن الثاني عشر، ثم تمتعت بمدة من الازدهار والتوسع الكبير في ظل الحكم الأيوبي في القرن الثالث عشر.
ولكن هذه المدة انتهت فجأة في عام 1260، عندما استولى المغول على حلب، ثم عانت المدينة من تفشي الطاعون في عام 1348 وهجوم مدمر شنه تيمورلنك في عام 1400.
في عام 1516، أصبحت حلب جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، وسرعان ما أصبحت عاصمة لولاية خاصة بها وبرزت كمركز تجاري بين الشرق وأوروبا.
وتراجع دور حلب كمركز عبور للتجارة في أواخر القرن الثامن عشر، وبشكل أكبر بسبب ترسيم فرنسا وبريطانيا لحدود سوريا الحديثة في نهاية الحرب العالمية الأولى الأمر الذي قطع المدينة عن جنوب تركيا وشمال العراق وخسارة ميناء الإسكندرونة على البحر الأبيض المتوسط لتركيا في عام 1939.
وبعد استقلال سوريا، تطورت المدينة لتصبح مركزاً صناعياً كبيراً ينافس العاصمة دمشق، وزاد عدد سكانها بشكل هائل من 300 ألف نسمة إلى نحو 2.3 مليون نسمة بحلول عام 2005.
ويتألف سكان حلب اليوم في معظمهم من المسلمين السنة، ومعظمهم من العرب، ولكن من سكانها الكورد والتركمان. كما تضم المدينة أكبر عدد من المسيحيين في سوريا، بما في ذلك الأرمن، فضلاً عن المجتمعات الشيعية والعلوية.
وكانت حلب لعدة قرون مركزًا مهمًا للثقافة اليهودية، وتقول دائرة المعارف البريطانية إن جذور الجالية اليهودية في حلب تعود إلى العصور القديمة، واستقر عدد كبير من اليهود الذين طردوا من إسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر في حلب.
وفي القرن العشرين، وفي ظل المعارضة للتواجد الإسرائيلي في فلسطين زاد العداء والعنف تجاه يهود حلب، ما أدى إلى موجة من الهجرة. وبحلول عام 1948، غادرت معظم الجالية اليهودية حلب، فيما غادر آخر السكان اليهود في تسعينات القرن العشرين.
عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في شتى أنحاء سوريا في آذار 2011، بذلت السلطات كل ما في وسعها لضمان عدم انتشارها في حلب.
وبحسب الباحثين، ساعد التهديد بالانتقام الوحشي في الحد من التظاهرات إلى حد كبير في المناطق النائية من المدينة وجامعة حلب.
ومنذ منتصف عام 2012، أصبحت حلب ساحة معركة رئيسة، ومع ذلك، مع تطور الانتفاضة إلى صراع، سرعان ما انجرفت حلب في الاضطرابات.
في شباط من عام 2012، هز المدينة هجومان بالقنابل على مجمعات للمخابرات العسكرية والشرطة، مما أسفر عن مقتل 28 شخصا، وبعد ذلك، بدأت التقارير تتحدث عن وقوع اشتباكات بين مقاتلي المعارضة والقوات الحكومية بوتيرة متزايدة في المناطق القريبة من محافظة حلب.
وبدأت معركة السيطرة على مدينة حلب في منتصف تموز من عام 2012، وحققت قوات المعارضة مكاسب سريعة، حيث استولوا على عديد المناطق الموالية للمعارضة في الشمال الشرقي والجنوب والغرب.
وبحلول نهاية الشهر، اشتدت حدة القتال وامتد إلى وسط المدينة التاريخي، بل ووصل حتى إلى أبواب المدينة القديمة، وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.
وفي أيلول من عام 2012، اندلع حريق في السوق القديم بعد اشتباكات في المنطقة المجاورة، وفي نيسان 2013 تحولت مئذنة المسجد الكبير التي يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر إلى أنقاض.
وفي غضون أشهر قليلة تحولت معركة حلب إلى حرب استنزاف اذ باتت معظم الأراضي متنازع عليها، وأصبحت خطوط المواجهة تتغير باستمرار.
ولم تتمكن قوات المعارضة من الحصول على الأسلحة الثقيلة التي هم بحاجة إليها لهزيمة قوات الحكومة الأفضل تجهيزاً، في حين تعطلت خطوط إمداد الجيش واضطر إلى تركيز موارده على دمشق، حيث بدأ هجوم قوات المعارضة أيضاً في تموز من عام 2012.
ولم يتمكن أي من الجانبين من كسر الجمود العسكري في حلب لمدة 4 سنوات لكن بعد عام 2013، شنت القوات الحكومية حملة جوية قاتلة في حلب باستعمال “البراميل” المتفجرة، ما سمح لها بتحقيق عدة مكاسب.
حدث ذلك فيما واجهت قوات المعارضة صراعات داخلية بين ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجماعات أخرى.
وفي أيار من عام 2015، حذرت منظمة العفو الدولية من أن الحياة أصبحت “لا تطاق على نحو متزايد” بالنسبة للمدنيين، واتهمت القوات الحكومية والجماعات المعارضة بارتكاب جرائم حرب.
وأصبحت الحياة في حلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة صعبة على نحو متزايد في أيلول من عام 2015، عندما شنت روسيا غارات جوية دعما للرئيس الأسد.
وقالت موسكو إنها تستهدف فقط “المسلحين الاسلاميين”، لكن سرعان ما اتهمتها القوى الغربية بضرب المعارضة الرئيسة والمناطق المدنية؛ وقد مكّن التدخل الروسي الحكومة السورية من التقدم على عدة جبهات.