معد فياض
ضمن ما عانى، وما يزال يعاني منه الكورد في منطقتنا هي معضلة الهجرات، حتى يكاد أن يقترن تاريخ الكورد بتاريخ واحداث هجراتهم، وهي هجرات قسرية ومجبرين عليها، هجرات قاسية تقتلعهم من اراضيهم وتجرجرهم من بيوتهم ومدنهم وقراهم الآمنة لتلقي بهم في الطرقات والتقاطعات بلا اي رحمة.
مآساة تهجير كورد العراق ربما كانت الاكثر قسوة، هي بالواقع عملية اقتلاع عشائر ومجتمعات من جذورها وتشتتها في جنوب و وسط العراق، وسط مجتمعات عربية مستقرة، بين افراد وعشائر لا يعرفون لغتهم ولا عاداتهم ولا تقاليدهم.
لقد مارس النظام العراقي السابق جرائم حقيقية خلال عمليات تهجير الكورد والتي رافقتها، خاصة خلال ما اطلق عليه بعمليات الانفال، جرائم ابادة جماعية لعوائل باكملها.
وفي ربيع عام 1991 تعرض الكورد لهجرة جماعية قاربت المليونين شخص وبدأت تحديداً في 31 آذار 1991، واطلق عليها تسمية “الهجرة المليونية”، حيث كان النزوح الجماعي للعوائل الكوردية نحو الحدود العراقية التركية الايرانية، سيراً على الاقدام قاطعة مئات الكيلومترات في أرض وعرة حيث عانوا من البرد والجوع هرباً من ظلم نظام صدام حسين الاجرامي.
وهذه القصص حدثت بعد إنتفاضة آذار عام 1991 ضد نظام البعث وتحرير كافة المدن الكوردستانية من قبل أبناء الشعب وقوات البيشمركة، وتمكنت قوات الحكومة العراقية من العودة مجدداً مما دفع مئات الآلاف من المواطنين إلى الهجرة نحو المناطق الجبلية على الحدود خوفاً من انتقام السلطات البعثية، وقد مات الآلاف من المواطنين جراء البرد والظروف الطبيعية القاسية.
أكتب عن موضوع الهجرة، أو بالأحرى التهجير القسري للكورد مع توارد الانباء عن عمليات تهجير آلاف الكورد من أهالي عفرين، الذين استقروا في منطقة الشهباء منذ تهجيرهم عام 2018، اي ان التهجير الحالي هو الثاني وربما الثالث، وهم اليوم عالقون في منطقة الشهباء تلك، مع إغلاق الطرق المؤدية للخروج، وهم بين خيارين او خيار واحد وهو البقاء في منازلهم محاصرين لا يملكون ما يأكلون، ومهددون بفوهات بنادق القناصين على سطوح العمارات المسيطرة عليهم، وقد يتفاقم الوضع ويصيروا ضحية اي اصطدام عسكري بين الفصائل المتقاتلة، حسب أحد المهجرين من عفرين الذي أوضح لشبكة رووداو أنهم محاصرون من قبل الفصائل المسلحة، ولا يملكون أي سبيل للمغادرة، مما زاد من حالة الذعر بينهم.
شبكة رووداو نقلت ايضا عن عدد من المهجرين الذين اوضحوا بانهم ظلوا عالقين في السيارات والشاحنات منذ ظهر يوم الأحد، ويواجهون ظروفاً قاسية في العراء بسبب البرد القارس، دون أي مستلزمات ضرورية، مشيرين الى ان معظم العوائل عالقة بالقرب من مصنع الاسمنت ومنطقة الأحداث، وسط حالة من القلق والخوف.
وهنا نتساءل، ما ذنب هؤلاء الكورد العزل الذين تركوا، مجبرين، دفئ منازلهم واستقرارهم ليتم تشريدهم مع اطفالهم وكبار السن نتيجة اقتتال الفصائل المتناحرة للسيطرة على هذه المنطقة أو تلك؟ ما ذنب هؤلاء ليتشردوا لأكثر من مرة في وطنهم ومن اراضيهم حتى يُسجل تجار الحروب انتصارات وهمية الخاسر الاول والاخير فيها هم الكورد.
ترى هل من منظمات او جمعيات او حكومات تمد لهم يد العون وتنقذهم من محنة التهجير والموت؟ كل ما استطعنا ان نرصده، او ان يسمعه المهجرون هو بيان المجلس الوطني الكوردي في سوريا الذي اعرب عن رفضه” بشكل قاطع أي محاولات لتغيير التركيبة السكانية أو تهجير”، مؤكداً “حق الأهالي في البقاء في ديارهم والتمسك بحقوقهم”، وذلك خلال بيان اصدره الإثنين (2 كانون الأول 2024)، الذي اعلن فيه عن رفضه لأي “محاولات تغيير التركيبة السكانية أو التهجير” شمال سوريا، على خلفية التطورات الأخيرة في حلب وإدلب.
هذه الازمات الحقيقية لا تحتاج بيانات رفض او استنكار بقدر حاجتها الى تدخل دولي لانقاذ المدنيين المحاصرين بين مطرقة فصائل مسلحة تدعمها تركيا، وسندان أخرى تدعمها ايران.
رووداو