محمد واني
ما زالت الحکومات العراقیة المتعاقبة منذ سقوط الصنم البعثي عام 2003 تتجاهل الدستور الذي صوت عليه 80% من الشعب العراقي ولم تطبق مادة واحدة من مواده المهمة كالمادة 140 التي تعالج اهم مشكلة مستعصية مرت على العراق منذ تأسيسه وهي الصراع الدامي الطويل بين الحركة التحرر الكردية وبين تلك الحكومات الشوفينية على مناطق كردية انتزعتها من الكرد عبر عمليات التعريب والتهجير القمعية ومن اهمها مدينة كركوك الاستراتيجية . ورغم ان ديباجة الدستور تقضي بان النظام العراقي نظام اتحادي فدرالي ” شعب العراق الذي آل على نفسه بكل مكوناته وأطيافه أن يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه” فان هذا النظام لم يتقدم خطوة باتجاه تطبيقه وتعميمه على العراق كدولة فدرالية حقيقية ، وظلت منطقة واحدة تتمتع بالفدرالية وهي اقليم كردستان الذي مازال يتعرض الى عقوبات قاسية مثل التجويع وقطع الرواتب سعيا “لانهاء الوضع شبه المستقل لاقليم كردستان ودمجه بالكامل من خلال تدابير قانونية واقتصادية بما في ذلك قانون موحد جديد للنفط” بحسب موقع (اويل برايس) الامريكية . ان مطالبة السنة الدائمة باقامة اقليم خاص بهم وهي مطالبة دستورية وفق المادة 119 جوبهت برفض قاطع من قبل حكومة “نوري المالكي” باعتبارها تهديدا لامن ووحدة البلاد. ومازالت السلطات ترفض اي صوت يدعو الى انشاء اقليم آخر في العراق غير اقليم كردستان وتعتبره خروجا عن الصف الوطني! وفكرة انشاء الاقليم السني حسب رأي رئيس القضاء الاعلى فائق زيدان “تهديد لوحدة العراق وامنه”.
وهذا زعم باطل ومبرر واه لايمكن الركون اليه ، واذا ظن هؤلاء ان الفدرالية ستقسم البلاد وتفتتها فهم واهمون لان الكثير من الدول في العالم حافظت على وحدتها وتطورت في ظل النظام الفدرالي ، هناك “25 دولة تتبنى النظام الفيدرالي من بينها دول كبيرة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبلجيكا وسويسرا والهند وروسيا ، ومن بينها ايضا دول فقيرة ونامية مثل إثيوبيا والمكسيك وماليزيا و…كذلك الامارات العربية” التي لم نسمع عنها يوما انها غيرت نظامها الفدرالي الى آخر لانه يعرض وحدة البلاد الى الخطر! ، فلو كان النظام الطائفي في بغداد يحكم بالدستور والعدل ويعيد الحقوق المغتصبة لاصحابها وفق المادة 140 منه ولايمارس سياسة التجويع الظالمة ضد الشعب الكردي ولا تستخدم رواتب موظفيه كسلاح ضغط لاخضاعه لاجنداته الطائفية ، لما اضطر ان ينظيم عملية الاستفتاء عام 2017 للانفصال عن الدولة الظالمة والتخلص من سياستها القمعية . ومازال الدستور مركونا على ادراج البرلمان لايعمل به الا بشكل محدود وعند الحاجة ، رغم ان النظام الرسمي في البلد دستوري وفدرالي ولكن مع وقف التنفيذ!
المطلوب من الحكومة العراقية تصحيح المسارمن خلال تعميم “الفدرالية” لتشمل جميع انحاء العراق غربا ووسطا وجنوبا ولا تنحصر في اقليم كردستان الذي يتعرض لاشد انواع العسف منذ فترة طويلة لازاحة كيانه الفدرالي واعادته الى حظيرة السلطة المركزية في بغداد ..هذا الانحراف الخطير عن الدستور ادى الى مشاكل وازمات كبيرة لاحصر لها للعراق وللعراقيين ، وقد اشار اليه رئيس اقليم كردستان”نيجيرفان بارزاني” بوضوح وبين مخاطره واثاره المدمرة على وحدة العراق واستقراره ، واظهر ان اصل كل المصائب في العراق عدم الالتزام بالدستور ، قال؛” ان الفشل في تطبيق الدستور والفيدرالية كان دائما سببا في زعزعة استقرار العراق” واضاف؛ “ان تعامل بغداد مع اربيل مركزي للغاية وليس اتحاديا” ورغم ان بغداد تدرك هذه الحقيقة ولكنها تتجاهلها دائما ولا تأبه لها والنتيجة ان الازمات تراكمت وتفاقمت بمرور الزمن ولم تنفع معها اي حلول سياسية “ترقيعية” خارج سياقات الدستور!