خالد الدبوني
فجأة وبدون أي مؤشرات تدافعت قوات المعارضة السورية والمتمثلة بـ (جيش النصرة، والجيش الحر) للسيطرة على أكبر محافظة سورية وهي حلب!
والمشاهد التي ظهرت بالفضائيات بدت وللوهلة الأولى مشابهة تماماً لمشهد سقوط الموصل في ٢٠١٤ وبنفس الطريقة والسيناريو من قبل المهاجمين والمدافعين عن المدينة!! فالجيش ترك أسلحته الثقيلة وهرب إلى العمق فيما اختفت الفصائل الإيرانية نهائياً! لتدخل تلك الفصائل بزيها المشبوه وتسيطر على كل مفاصل المدينة!
وهنا يبرز السؤال الأهم والذي كان يتحدث عنه الكثير من المحللين والمسؤولين السياسيين منذ أكثر من سنة تقريباً، ألا وهو: ما هو ارتداد ما يحدث في حلب على الموصل وباقي المناطق المجاورة لسوريا؟!!
واضح أن ما يجري في المنطقة يُنذر بعملية واسعة لتغيير واقع الخارطة السياسية فيها بعد انسحاب فصائل حزب الله وتكبدها الخسائر الكبيرة في الجنوب اللبناني والأراضي السورية ليُحدث ذلك فراغاً أمنياً وسياسياً كبيراً جعل جميع الأطراف الإقليمية تطمع في ملء هذا الفراغ.
ولذلك فإن الصراع الدائر الآن في حلب/إدلب هو صراع إقليمي ودولي يتدافع فيه المتصارعون لأخذ مكان المليشيات الشيعية وقطع دابر عودتها في المستقبل وبالتأكيد بمباركة أمريكية. كذلك فوز ترمب يمثل تهيئة لاتخاذ قرارات حازمة تنهي الفصل الأخير من المشهد والشروع بمرحلة جديدة تخلق حالة من التوازن بين العقدين الأخيرين والمرحلة التي سبقتها.
خصوصاً في العراق، يتطلب التركيز والتحسب لما بعد حلب وإدلب وحماه.
كذلك، هذه المعطيات تشير إلى أن أمريكا تحاول استغلال المتغيرات الجديدة لقطع أطراف ما يعرف بالهلال الإيراني الممتد من طهران إلى لبنان مروراً بالموصل، سنجار، حلب، والوصول إلى بيروت.
بالمحصلة، الانفجار الأمني في حلب ما هو إلا جزء صغير من إعادة ترتيب وتقويض النفوذ الإيراني الكبير في سوريا.
بالطبع، كلنا نتمنى ألا يكون هناك ارتداد على الموصل ولا كوردستان ولا المنطقة الغربية، ولكن ما حدث في الحقبة الماضية لابد أن يلقي بظلاله على الأحداث الحالية، وساذج من يعتقد أننا بعيدون عن ارتداد هذه الأحداث! فالقوات الكوردية (قسد) تمتلك عشرة آلاف داعشي رهن الاعتقال إضافة إلى الأجيال الحديثة من أبناء داعش الموجودة في مخيم الهول، وبالتالي واهم من يستبعد هذا السيناريو من الاحتمالات المتوقعة.
فالخشية من صراع الأجندات وتوافقها حسب الأمن القومي لكل دولة مع تراجع مليشيات حزب الله أحدث فراغاً أمنياً وسياسياً، والتفاوض أو الأصح التوافق الإقليمي بين مراكز القوى سيكون على حساب الدولة الأضعف. وإذا كانت إيران المتضرر الأكبر، ستنأى بنفسها (كالعادة) عن هذه الأزمة، وقوة سوريا تكمن في قاعدة (الحميميم) الروسية، أما تركيا فقوتها بعلاقتها المتناغمة والبراغماتية مع أمريكا وروسيا. وما حدث أخيراً سيعزز موقف تركيا التفاوضي، وهدفها الأهم والوحيد هو القضاء على (قسد) وتوابعه.
وهنا سيكون الضغط كبيراً على النظام السوري للقبول بالتعاون لأجل إنهاء هذا الملف وإعادة بسط سيطرتها وفق قواعد معينة. وبالتالي نبقى نحن في العراق، وللأسف، الطرف الأضعف، وعلينا إذن أن نتوقع هبوب عواصف وأمواج ساخنة من الحريق الحالي في سوريا!
في المقابل، هناك المعطيات الإيجابية التي تكمن في وضع الحدود العراقية السورية المؤمنة بشكل جيد، وهناك قوات إضافية تم تعزيز الحدود بها، إضافة إلى إنجاز السياج الحدودي ذو الـ ٦٠ كم مع عمليات تأمين الحدود، المتضمنة استخدام الكاميرات الحرارية والطائرات المسيرة، وزيادة عدد الأبراج وتكثيف الدوريات، مما يجعلنا في حالة اطمئنان بعدم تكرار سيناريو سقوط الموصل من جديد.
إلا أنه من الضروري إجراء تقييم مستمر من قبل الحكومة العراقية ومراجعة الأوضاع بشكل دائم داخل العمق السوري.
أخيراً، ندعو الله أن يبعد الموصل وباقي المدن العراقية عن شلال الدم الذي بدأ يجري في سوريا والمتوقع أن يزداد بعد إكمال السيطرة على حلب وإدلب. والسيناريو الأصعب هو انتقال الصراع إلى مساحات أخرى في حماه ومنبج والرقة. وإذا ما اقتربت من الرقة، ستكون الحرب الأهلية فيما بين الفصائل المنتصرة نفسها تنافساً على المكاسب والغنائم، وبذلك ستقترب شرارة الحرب أكثر فأكثر من الموصل وسنجار والقائم.