طوني بولس
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيلحيز التنفيذ، بدأت تتضح معالم الاتفاق الذي يحمل ضمنياًأبعاداً سياسية وأمنية إقليمية ودولية تتجاوز مجرد وقفالعمليات القتالية، إذ يبدو أن الاتفاق الذي صيغ تحت مظلةدولية بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا لا يقتصر على بنودأمنية فقط، بل يضع خريطة طريق جديدة للبنان ضمنالتحولات التي يشهدها الشرق الأوسط، لتبدأ معالمه تظهرمن خلفيات وكواليس الاتفاق.
هذا الاتفاق الذي يثير الجدل يأتي محملاً بتحديات داخليةوخارجية بينها الالتزام بتفكيك البنى التحتية العسكريةوتقليص النفوذ الإيراني وإعادة بسط سيطرة الدولةاللبنانية، وبينما يُنظر إليه كفرصة لإعادة الاستقرار تبقىالأسئلة حول قدرة لبنان على تجاوز خلافاته السياسيةوتنفيذ البنود المطروحة مفتوحة على الاحتمالات كافة.
بنود غير معلنة
في قراءة معمقة لنص اتفاق وقف إطلاق النار بين “حزبالله” وإسرائيل، يكشف مصدر دبلوماسي غربي تابع عنكثب أجواء المفاوضات بين لبنان وإسرائيل بمشاركة أطرافإقليمية ودولية عدة، أن الاتفاق خطوة أولى لتثبيت الاستقرارفي الشرق الأوسط، وبالتالي يمكن اعتباره أول اتفاق معإسرائيل ضمن سلسلة اتفاقات ستوقع تباعاً خلال المرحلةالمقبلة.
وأوضح أن تفاصيل الاتفاق لا يمكن حصرها فقط فيالبنود الـ 13 التي أعلنت، إنما هناك بنود غير معلنة تمالتوافق بأن تكون ضمانات وإجراءات على عاتق أميركاكونها ستترأس اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاقالنار وما يرتبط به من قرارات دولية.
القرار الدولي رقم (1701) بكامل مدرجاته وبنوده، بما فيهاالقرارات السابقة (1559) و(1680) هي ضمن الاتفاقالذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من الـ 27 من نوفمبر (تشرينالثاني) 2024، وسينفذ على ثلاثة مراحل، الأولى خلال 60 يوماً بالتركيز على الترتيبات الأمنية والحدودية بين لبنانوإسرائيل، وتليها مرحلة إعادة تفعيل السلطة في لبنانالتي ستكون الضامن القانوني والشرعي للاتفاق، إذ تعهدالجانب اللبناني بالإسراع بانتخاب رئيس للبلاد خلال فترةقصيرة ضمن المعايير التي سبق أن أعلنتها اللجنةالخماسية الدولية
وأكد أن القرار الدولي رقم (1701) بكامل مدرجاته وبنوده،بما فيها القرارات السابقة (1559) و(1680) هي ضمنالاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من الـ 27 من نوفمبر(تشرين الثاني) 2024، وسينفذ على ثلاثة مراحل، الأولىخلال 60 يوماً بالتركيز على الترتيبات الأمنية والحدودية بينلبنان وإسرائيل، وتليها مرحلة إعادة تفعيل السلطة فيلبنان التي ستكون الضامن القانوني والشرعي للاتفاق، إذتعهد الجانب اللبناني بالإسراع بانتخاب رئيس للبلاد خلالفترة قصيرة ضمن المعايير التي سبق أن أعلنتها اللجنةالخماسية الدولية، ويليها تشكيل حكومة جديدة، أما المرحلةالثالثة فستكون أساسية لاستكمال البنود الباقية منالقرارات الدولية باعتبارها منبثقة من روحية الدستوراللبناني.
خريطة جديدة
وفي إطار تأكيده دخول لبنان مرحلة استقرار طويلة، يلفتإلى أن الجانب اللبناني أكد أن “حزب الله” تنازل وتخلىعن وحدة الساحات ولو استمرت الحرب في قطاع غزة، أوربما في حال اندلاع أي مواجهة أخرى، إضافة الى التأكيدأنه لن يُسمح لأي سلاح بدخول لبنان إلا للجيش اللبنانيالذي سيستكمل سريعاً إنهاء وجود الحزب العسكريبالكامل من جنوب الليطاني ومناطق أخرى شمال الليطانيحددت ضمن تعديلات على خط الليطاني سميت بـ “الخط2024“.
وشدد أنه على عكس عام 2006 ستكون الولايات المتحدةالآن رئيسة لجنة دولية ستشرف على تنفيذ الصفقة، وأنإسرائيل ستتمتع بحرية حماية نفسها ضد تهديدات “حزبالله“، ويمكن لإسرائيل أيضاً أن تعمل ضد تهريب الأسلحةمن سوريا إلى لبنان، مشيراً الى أن الجيش اللبناني التزمبتفكيك البنية التحتية لـ “حزب الله“، وهو أمر لم يحدث منقبل، وأن مهمة قوات “يونيفيل” ستتوسع.
سيكون هناك تشديد في تعقب مصادر تمويل “حزب الله” التي تساعده في إعادة هيكلة تنظيمه العسكري، مشيراًالى أن لبنان تعهد بإقفال جميع المعابر غير الشرعية معسوريا، وكذلك مؤسسة “القرض الحسن” الي تعتبر ذراعالحزب المالية، مشيراً الى أن الولايات المتحدة ودولاً أخرىستلاحق كبار المودعين في القرض الحسن الـ 24 الذينأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس فرضعقوبات اقتصادية عليهم بسبب تورطهم في تمويل الإرهاب،بعد أن استهدفت بغارات جوية عشرات من فروع القرضالحسن والأصول المالية لـ “حزب الله“،
اعتراف بإسرائيل
وفي إطار تأكيده الأهمية الإستراتيجية لهذا الاتفاق، أكدأنه يحمل للمرة الأولى اعتراف “حزب الله” بدولة إسرائيل،مشدداً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان مكلفاً بصورةرسمية وبتصريحات علنية من الأمين العام للحزب، لافتاًالى أن مقدمة الاتفاق التي تنص حرفياً على أن الاتفاقحصل “بين حكومتي الجمهورية اللبنانية ودولة إسرائيل“.
وشدد على أن الاتفاق الذي صوت عليه الـ “كابينت” الإسرائيلي والحكومة اللبنانية يؤكد التزام إسرائيل ولبنانبتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1701) بصورةكاملة، مع الاعتراف بأن القرار يدعو أيضاً إلى التنفيذالكامل للقرارات السابقة، بما في ذلك “نزع سلاح جميعالجماعات المسلحة في لبنان“، بحيث تكون القوات الوحيدةالمصرح لها بحمل السلاح في لبنان هي الجيش اللبنانيوقوى الأمن الداخلي ومديرية الأمن العام والمديرية العامةلأمن الدولة والجمارك اللبنانية.
الأسرى والإعمار
وحول موضوع عناصر “حزب الله” الذين وقعوا في الأسرخلال الحرب، وآخرين اعتقلوا عبر عمليات خاصة، أكد أنهذا الموضوع رُحل إلى مفاوضات منفصلة بين حكومتيالبلدين من خلال اللجنة الفنية العسكرية للبنان (MTC4L) التي سيترأسها ضابط من القيادة المركزية للولايات المتحدةفي منطقة الشرق الأوسط، والتي سيكون لها مقر في لبنانوآخر في إسرائيل.
وأوضح أن القيادة الوسطى الأميركية ستكون حاضرةومعنية بتنفيذ جميع النقاط المتفق عليها، إذ ستصدر تقاريردورية بتنفيذ بنود الاتفاق، وستكون مكلفة بالمتابعةوالتحقيق في أية خروقات يمكن أن تحصل من أي منالأطراف.
يلفت إلى أن الجانب اللبناني أكد أن “حزب الله” تنازلوتخلى عن وحدة الساحات ولو استمرت الحرب في قطاعغزة، أو ربما في حال اندلاع أي مواجهة أخرى، إضافةالى التأكيد أنه لن يُسمح لأي سلاح بدخول لبنان إلاللجيش اللبناني الذي سيستكمل سريعاً إنهاء وجود الحزبالعسكري بالكامل من جنوب الليطاني ومناطق أخرىشمال الليطاني حددت ضمن تعديلات على خط الليطانيسميت بـ “الخط 2024″.
أما على صعيد عودة المواطنين وإعادة الإعمار فقد أشارالمصدر إلى أن الاتفاق أعطى لإسرائيل صلاحية تقديرموعد عودة السكان وفق الظروف الأمنية، وكذلك إعادةانتشار جيشها في المناطق الحدودية وفق ما تفتضيهالظروف الأمنية ضمن مهلة 60 يوماً في حال انتشر الجيشاللبناني ضمن الخطة المتفق عليها، لافتاً الى أن إعادةالإعمار ستخضع في المناطق الدقيقة، أي الحدودية، لمراقبة“يونيفيل” والجهات الرسمية اللبنانية للتأكد من عدمتضمنها منشآت قد تستخدم في أي ظرف لأهدافعسكرية.
مصادر التمويل
وأكد المصدر الدبلوماسي الغربي أن اللجنة التيستترأسها الولايات المتحدة الأميركية ستبدأ فوراً مراقبةوإنفاذ أي دخول غير مصرح به للأسلحة والمواد ذات الصلةإلى لبنان وجميع أنحائه، بما في ذلك جميع المنافذالحدودية البرية والبحرية والجوية، وضد الإنتاج غيرالمصرح به للأسلحة والمواد داخل لبنان.
كيف قرأ سياسيو لبنان اتفاق وقف النار وهل يسلم “حزبالله” سلاحه؟
وأضاف أنه بدءاً من منطقة جنوب الليطاني سيبدأ تفكيكجميع المرافق غير الرسمية المشاركة في إنتاج الأسلحةوالمواد ذات الصلة، ومنع إنشاء مثل هذه المرافق فيالمستقبل، وتفكيك جميع البنية الأساس والمواقع العسكرية،ومصادرة جميع الأسلحة غير الرسمية فيها والتي تتعارضمع هذه الالتزامات.
وأكد أنه سيكون هناك تشديد في تعقب مصادر تمويل“حزب الله” التي تساعده في إعادة هيكلة تنظيمهالعسكري، مشيراً الى أن لبنان تعهد بإقفال جميع المعابرغير الشرعية مع سوريا، وكذلك مؤسسة “القرض الحسن” الي تعتبر ذراع الحزب المالية، مشيراً الى أن الولاياتالمتحدة ودولاً أخرى ستلاحق كبار المودعين في القرضالحسن الـ 24 الذين أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيلكاتس فرض عقوبات اقتصادية عليهم بسبب تورطهم فيتمويل الإرهاب، بعد أن استهدفت بغارات جوية عشرات منفروع القرض الحسن والأصول المالية لـ “حزب الله“، إذخسر الحزب وعملاء القرض الحسن قدراً كبيراً من المال،متوقعاً أن تفرض دول غربية عقوبات على الجمعية وعملائهامع تجميد أصول العملاء في الخارج وتقييد قدرتهم علىالتعامل مع الشركات في جميع أنحاء العالم، في إطارتجفيف منابع الحزب المالية.
تحديات المرحلة
وفي هذا الإطار يؤكد الكاتب السياسي نبيل بو منصفأهمية الدور الأميركي كعامل أساس في دفع الأطراف نحوالتهدئة، إذ أظهرت إدارة الرئيس بايدن قدرتها على التأثيرفي القرار الإسرائيلي على رغم التحديات الداخلية التيتواجهها، وهو ما اعتبره بعضهم انتصاراً دبلوماسياً للإدارةالأميركية، مشيراً إلى أن الاتفاق لا يقتصر على لبنان فقطبل يحمل أبعاداً إقليمية تمتد إلى غزة وسوريا وحتى الضفةالغربية، فالهدف الإستراتيجي يتمثل في الحد من نفوذإيران في المنطقة.
وشدد على أن لبنان يقف أمام منعطف مصيري، إذ قديشكل الالتزام بالاتفاق فرصة لإعادة الاعتبار للشرعيةاللبنانية وتعزيز سيادة الدولة، في حين أن استمرارالخلافات السياسية قد يؤدي إلى عرقلة تنفيذ بنود الاتفاق،مما يعيد البلاد لمربع الأزمات، لافتاً إلى أن الأنظار الآنتتجه إلى جنوب الليطاني، حيث ينص الاتفاق على إعادةبسط سيطرة الجيش اللبناني و“يونيفيل” على المنطقة،والتزاماً صريحاً بتفكيك البنية العسكرية لـ “حزب الله” فيالجنوب.
وتوقع أن يزيد الاتفاق حدة الانقسام السياسي في لبنان،بخاصة أن “حزب الله” يواجه ضغوطاً داخلية غير مسبوقة،مما قد يدفع الأطراف اللبنانية إلى إعادة صياغة تحالفاتهاوحساباتها السياسية، ولا سيما أن ملف رئاسة الجمهوريةبات أولوية قصوى بعد الاتفاق، إذ يطالب المجتمع الدوليبإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية لضمان استقرار البلادواستقطاب الدعم لإعادة الإعمار.
تغير قواعد اللعبة
وحول مستقبل العلاقة بين الأطراف المتنازعة ودور الجيشاللبناني في تأمين الحدود الجنوبية، أوضح الخبيرالعسكري والإستراتيجي العميد خالد حمادة أن الجيشاللبناني كان منتشراً في منطقة جنوب الليطاني منذ عام2006، لكنه لم يكن بقوام كاف لتأمين السيطرة الكاملة، أمامع الاتفاق الجديد فستتعزز المهمة لتشمل مسؤولياتإضافية، مثل إزالة كل مظاهر التسلح غير الشرعيومصادرة الأسلحة الباقية، مؤكداً أن الجيش قادر علىتنفيذ هذه المهمة إذا حصل على الدعم اللازم.
وأشار إلى أن الاتفاق يمنح الجيش سلطة أكبر تحت مراقبةدولية صارمة، معتبراً أن هذا الهدف يشكل جوهر الاتفاق،ومتوقعاً ألا يكون تنفيذ هذا الالتزام سهلاً لكنه يضع “حزبالله” أمام مسؤولية كبيرة للخروج من المنطقة الجنوبيةبالكامل، مشدداً على أهمية تعاون إقليمي، وبخاصة معإيران، لضمان تنفيذ تفكيك البنية العسكرية، ولا سيما أنالاتفاق يحظى برعاية أميركية – فرنسية، مما يوفر غطاءدولياً لتمكين الجيش من أداء دوره.
ولفت حمادة إلى أن الاتفاق يهدف إلى تقليص النفوذالإيراني في الجنوب اللبناني، مؤكداً أنه يعزل إيرانعسكرياً عن الحدود مع إسرائيل مما يغير قواعد اللعبةويضع لبنان أمام مرحلة جديدة يتطلب فيها تعزيزمؤسساته الوطنية.
وأبدى خوفه من أن الفشل في انتخاب رئيس جمهوريةجديد وتشكيل حكومة فعالة قد يؤديان إلى انفجار داخلي،مشدداً على أن الالتزام بالاتفاق ليس فقط مسؤوليةالجيش، بل يتطلب جهداً سياسياً لتثبيت الاستقرار وتعزيزشرعية الدولة.
الأنديبندنت