القوة الكردية الناعمة:ملاحظات عن مؤتمر دهوك

 

 

 

 

منقذ داغر

دُعيت لحضور النسخة الخامسة من مؤتمر الأمن والسلام في الشرق الأوسط والذي أقامته الجامعة الأميركية في دهوك يومي 22 و 23 ت2 2024. ولأهمية ما دار في المؤتمر  الخص أهم ملاحظاتي عنه:

 

  1. أمتاز المؤتمر بحضور رسمي ودبلوماسي وإعلامي وأكاديمي واسع وبمشاركة مختلف دول العالم مما أضاف للمؤتمر ومناقشاته وحواراته أهمية تجعل من حضوره إضافة علمية وعملية. وقد استرعى الانتباه أنه عدا عن أفتتاح السيد مسعود البارزاني للمؤتمر بكلمة صريحة ومهمة،فأن السيد مسرور البارزاني رئيس وزراء الأقليم ،ورئيس جمهورية العراق،وفؤاد حسين وزير الخارجية،فضلاً عن جمع آخر من كبار المسؤولين الحاليين والسابقين كانوا حريصين على المشاركة في كل جلسات المؤتمر الكثيرة والطويلة واحياناً المرهقة،بعكس ما يحصل في مؤتمرات أخرى من حضور المسؤولين لجلسة الافتتاح ثم انصرافهم بعد ذلك. لقد كانت رسالة الاهتمام الرسمي الكوردستاني بالمؤتمر والحاضرين لاستثماره ليس كمنصة علمية استشارية حسب،بل كمصدر للقوة الناعمة،واضحة تماماً لمن ألف حضور مثل هذه المؤتمرات في دول العالم المختلفة مثلي.

 

  1. كانت طروحات ونقاشات الحاضرين الرسميين والأكاديميين صريحة(جداً)وغير دبلوماسية بخصوص ما تتعرض له المنطقة والعراق من مخاطر وتحديات جيو استراتيجية آنية ومستقبلية.وكان لافتاً اتفاق الجميع على ان الصراع العربي الاسرائيلي،والصراع الأيراني الأسرائيلي،وفوز ترامب بالانتخابات،هي مثلث التحديات الكبرى التي لا تحاصر العراق فقط بل الأقليم بأجمعه.لكن الملفت للانتباه أنه على الرغم من الأتفاق المطلق على مثلث التحديات الا ان الجميع اتفق أيضاً على أن خيارات العراق لأدارة الأزمة محدودة جداً وتقع خارج نطاق تغطية الحكومة الحالية. بمعنى أن العراق غير قادر على منع الضرر،لكن قد تكون أمامه بعض الخيارات لتخفيف ذلك الضرر. وعلى الرغم من أن بعض الأكاديميين الغربيين أبدوا تفاؤلاً،لا أشاركهم أياه كثيراً،بخصوص أدارة ترامب القادمة وتأثيرها(الأيجابي) للوصول الى صفقة،الا ان من الواضح أن الرحلة ستكون مليئة بالمطبات الهوائية التي قد يؤدي بعضها الى أضرار جسيمة،بخاصة وان كل ركاب الرحلة(اسرائيل وايران وامريكا والصين وروسيا والعراق ودول الخليج)يعانون جميعاً من تاريخ من النزاعات وعدم الثقة بين بعضهم البعض.هذا فضلاً عن الشكوك التي تحيط بأسلوب قائد الرحلة(ترامب) في أدارة تلك التحديات الجيو استراتيجية.

 

  1. أما على صعيد السياسة الداخلية للعراق،فقد كان واضحاً أن هناك مخاوف (كوردية-سنية) من إدارة بغداد لعملية بناء الدولة،ومؤسساتها وتقاسم السلطة وتطبيق الدستور.والغريب ان هذه المخاوف تأتي بعد 21 سنة من المشاركة في السلطة!ويبدو أن هناك أتفاق على أن مشاركة السلطة والعيش المشترك لم يؤديان لا الى المشاركة في بناء الدولة،ولا الى تأسيس الثقة بين المشاركين في العملية السياسية. لقد كان لافتاً ان الجميع،بما فيهم اطراف(شيعية)فاعلة كانت أو ما زالت في المسؤولية أشرت أخفاقات كبيرة في ملفات أحتكار الدولة للعنف،أو الفساد المستشري،أو العلاقات بين الشركاء السياسيين،أو المساواة والعدالة الأجتماعية،الى الحد الذي جعلني أتساءل:أذا كان الجميع ينتقد،فمن يُصلِح؟! وأذا كان الجميع غير راضٍ عن الأداء والنتائج فلماذا شارك ويستمر بالمشاركة في الحكم والسلطة؟!وهل أن كل هذه الإنتقادات هي من باب رفع العتب،أم تضييع السبب؟!!هل هي محاولة لتمييع المسائل أم توزيع دم العملية السياسية بين القبائل؟!!

 

مؤتمر دهوك

 

  1. لم تكن هذه هي تجربتي الأولى مع المؤتمرات الأكاديمية-الدولية في كوردستان،فقد سبق وحضرت قبل سنين مؤتمراً مشابهاً أقامته الجامعة الأمريكية في السليمانية وأصبح مثل مؤتمر دهوك تقليداً أكاديمياً عالمياً يعقد سنوياً،لا تستفيد منه كوردستان علمياً فحسب،بل عملياً ايضاً من خلال نسج شبكة علاقاتها الواسعة والمتطورة مع مراكز الأبحاث العالمية وصناع القرار والدبلوماسيين في مختلف دول العالم. هذا ما يعزز القوة الناعمة المتنامية للأقليم. والمفارقة أن كِلى المؤتمرَين الدوليَين المشار لهما تقيمهما الجامعة الأمريكية.في ذات الوقت عجزت أي من مؤسسات بغداد الأكاديمية الخاضعة لولاية وزارة التعليم العالي عن تنظيم حدث علمي عالمي مشابه منذ 2003 وللآن. وفي الوقت الذي يبلغ فيه عمر الجامعة الأمريكية في دهوك عشر سنوات،ونظيرتها في السليمانية 17 سنة،فأن عمر كلية القانون في جامعة بغداد يزيد عن 115 سنة،وعمر جامعتنا الأم(بغداد) 67 سنة. وفي الوقت الذي أقدر عالياً هذا الجهد الرائع والتنظيم المتميز لمؤتمر دهوك وكذلك السليمانية،فأني أدعو وزارة التعليم العالي أن تدخل ميدان التنافس بجامعاتها العريقة فبغداد تستحق منا الأفضل والأبهى. وأهمس في أذن هذه الحكومة وسابقاتها ولاحقاتها: أذا كان العلم والعلماء،والبحث والباحثين،والأكاديميا والأكاديـــــــــــميين هم خارج نطاق تغطيتكم،أو ليسوا في دوائر أهتمامكم،فعلى الأقل نظّموا مثل هذه المؤتمرات لتحسين صورتكم،وتسويق خطاباتكم.

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا