كامل سلمان
حاولت روسيا توريط دول كثيرة في صراعها مع أوكرانيا فكانت محاولاتها فاشلة إلا مع ثلاثة دول فقد نجحت بتوريطها بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الصراع الدائر منذ أكثر من سنتين ، وهذه الدول هي بيلاروسيا وإيران وأخيراً كوريا الشمالية ، بيلاروسيا تورطت بسبب ترابط مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع روسيا إضافة إلى توقيعها وثيقة دفاع مشترك مع روسيا والتوغل الروسي في شؤون بيلاروسيا وسيطرتها على القرار السياسي في بيلاروسيا ، أما إيران فقد تورطت مقابل إغراءات روسية لدعمها في مجلس الأمن بأعتبار روسيا دولة دائمة العضوية ولها حق الفيتو إضافة إلى العروض الروسية السخية في دعم البرنامج النووي والصاروخي الإيراني وحصول إيران على أسلحة روسية متطورة من قبيل الصواريخ الفرط صوتية والطائرات الحربية الروسية ومنظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة ، وإيران كانت مضطرة بالأساس للتقارب والتحالف مع روسيا لأن روسيا هي المنفذ الوحيد الذي تبقى لها لمواصلة تحديها للغرب ، أما كوريا الشمالية فقد حصلت على الدعم الروسي في مجلس الأمن والمساعدات العسكرية الصاروخية والنووية ، فأصبحت هذه الدول الثلاث مرتبطة مصيرياً بمصير روسيا في حال توسعت الحرب بالذات مع حلف الناتو . روسيا أعطت لهذه الدول الحليفة أكثر مما أخذت ولكنها ضمنت عمقاً استراتيجياً لنفسها ، وكذلك لتكسر العزلة الدولية ولا تبقى وحيدة أمام المقاطعة الشاملة لدول العالم الغربي خاصة بعد أن نأت جمهورية الصين الشعبية بنفسها عن دعم روسيا ، وبما أن هذه الدول الثلاث هي بالأساس في صراع دائم مع العالم الغربي فأن أي مكسب عسكري أو سياسي تحققها إيران أو كوريا الشمالية في ميادينها المعادية للغرب فهو مكسب لروسيا ، في الحقيقة هذه الخطوات الروسية في تقريب الدول الثلاثة إليها هي خطوات ناجحة على المدى المنظور ، لكن الخطأ يكمن في أن هذا التحالف الرباعي يعطي العذر مستقبلاً لتدخل حلف الناتو إلى جانب أوكرانيا كردة فعل في عدم ترك أوكرانيا فريسة لهجوم متعدد الجبهات من قبل روسيا وحلفاءها والخطأ الأخر يكمن في أن روسيا ستكون مستعدة في التخلي عن هذه الدول في حال حصلت على بعض المكاسب في ايقاف الحرب مع أوكرانيا فتصبح هذه الدول ضحية خطأ تحالفها مع روسيا ، فلو حاول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إنقاذ روسيا من ورطتها في أوكرانيا بوقف القتال فسوف لن يكون مجاناً مقابل لا شيء ، فأبسط ثمن لهذا الإنقاذ سيكون التخلي الروسي عن دعم ايران وكوريا الشمالية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ، وبالتأكيد ستتخلى روسيا عن حليفاتها مقابل الحفاظ على كيانها ، الغرب حتى اللحظة لم يتدخل بشكل مباشر في القضية الأوكرانية ، وكلنا نعلم بأن الامكانيات الغربية تفوق التحالف الروسي الإيراني الكوري البيلاروسي بمئات المرات سياسياً واعلامياً وعسكرياً واقتصادياً وتكنلوجياً ، فليست هناك مقارنة ، وأبسط دليل ما فعله الحصار الاقتصادي الغربي بدون التدخل العسكري على هذه الدول بسبب عداءها للغرب وانعكاس تبعات الحصار على الحالة المعيشية لشعوب هذه الدول فقد أصبحت تقريباً من أفقر شعوب العالم فما بالك لو تحول الصراع إلى صراع عسكري مباشر مع الغرب كيف ستصبح أحوال هذه الشعوب ، بالتأكيد سيزداد الوضع سوءاً وقد تحصل فواجع وكوارث . بالرغم من وعود الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بإنهاء الحروب في العالم لكني أظن بأن دول التحالف الروسي ستدرك بأن ثمن حصولها على السلام وإيقاف الحروب أكبر بكثير من ثمن استمراريتها بالحروب ، فليس هناك شيء بالمجان خاصة مع الرئيس ترامب ، فهل تدرك روسيا وحليفاتها هذه الحقيقة أم أنها تظن بأنها ستحصل على السلام المريح مع الحفاظ على وجودها كدول قوية مؤثرة في الساحة العالمية وبقاءها بؤرة لتهديد السلم العالمي وتهديد مصالح العالم الغربي . عليهم أن يدركوا بأن مجيء ترامب إلى الحكم سيكون مقروناً بتفويض مطلق بدون معارضة ديمقراطية لا في مجلس الشيوخ ولا في مجلس النواب تمنعه من اتخاذ أصعب القرارات ، فما يقرره ترامب سيكون حيز التنفيذ وهو نفسه ترامب من وعد الشعب الأمريكي بأن أمريكا ستكون عظيمة ، والكل يعلم لا عظمة بدون هيمنة مطلقة عالمياً !