رواية جديدة للكاتب الكوردي عباس عباس بعنوان «Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)»

التآخي : وكالات 

في حدث أدبي يثري المكتبة الكوردية، صدرت حديثاً رواية «Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)» للكاتب الكوردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكوردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلو وهي مكتوبة باللغة الكوردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة شاملة تُبرز أبعادها الإنسانية والاجتماعية.

تبدأ الرواية في قرية صغيرة قرب مدينة ديرسم، حيث ترسم أحداثها مأساة طفل كوردي فقد والديه في ظروف مأساوية. والد الطفل قُتل خلال ثورة علي رضا، ولم تمضِ أشهر حتى توفيت والدته، ليترك يتيماً مثل العشرات من أطفال الكورد الذين طالتهم قسوة الحياة. يتبناه أحد سكان القرية، وهو رجل بخيل وقاسٍ، ويُجبره على العمل في رعي الأغنام، بل ويعامله بطريقة مهينة، حيث ينام مع القطيع ليلاً.

ومع مرور السنوات، تنشأ علاقة حب بين الطفل الذي كبر وبين ابنة الرجل المتبني. لكن هذه العلاقة لا تسير كما أرادا، إذ يقرر الأب تزويج ابنته لابن عمها، ليطرد الشاب من منزله بلا رحمة.

تتبع الرواية رحلة الشاب الذي ينتقل إلى قرية أخرى للعمل لدى عائلة جديدة، لكنه يبقى على تواصل مع حبيبته. وفي خطوة جريئة، يقرر اختطافها، ليتجه بها نحو الجنوب حيث يستقران في مدينة قامشلي. هناك، يبدأ حياة جديدة بمساعدة شخص كوردي طيب يُدعى حاج رمضان، يعمل معه في الخان الذي يديره. لاحقاً، يتجه إلى مهنة الربا ويتعامل مع أصحاب القمار، ليؤسس لنفسه حياة مشوبة بالمخاطر والتحديات.

الرواية لا تتوقف عند حياة البطل فقط، بل تمتد لتروي حكايات أجياله اللاحقة. يُرزق بثلاثة أولاد وبنت، كل منهم يسير في طريق مختلف يعكس واقع الكورد المعاصر.

الابن الأكبر، حسن، ينضم للحزب الشيوعي، ويسافر إلى روسيا حيث يتزوج هناك، لكنه يعود إلى وطنه في نهاية مأساوية مليئة بالإحباط.

الابن الأوسط ينخرط في السياسة الكوردية، يصبح سكرتيراً لحزب سياسي، وينتهي به المطاف مقتولاً في لبنان خلال مشاركته في الصراع الفلسطيني.

الابن الأصغر يحصل على منحة دراسية، لكنه يختار لاحقاً طريق التجارة غير المشروعة، ويُقتل على يد المافيا بسبب تورطه في تجارة المخدرات.

أما الابنة، التي أهملها والدها طوال حياتها، فتُظهر جانباً إنسانياً عميقاً. على الرغم من معاملته القاسية لها، تصبح هي السند الوحيد له ولإخوتها بعد وفاة والدتهم بمرض السرطان. العنوان «Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)» يرمز إلى هذا التحول العاطفي، حيث يجد الأب نفسه غارقاً في الندم على معاملته الجائرة لابنت، لكن: بعد ماذا، كما يقول العنوان.

تحمل الرواية في طياتها نقداً عميقاً للواقع الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه الكورد. من خلال شخصياتها المتنوعة، تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الكورد في قراهم ومدنهم، بدءاً من قسوة الحياة الريفية وصولاً إلى تعقيدات السياسة والهجرة والغربة.

في مقدمته، يرى الناقد برزو محمود أن الرواية تقدم صورة حية لتاريخ الكورد الحديث، حيث يمتزج النضال اليومي من أجل البقاء بتفاصيل الحياة الشخصية، لتنتج عملاً أدبياً مميزاً يعكس هموم الإنسان الكوردي في مواجهة المصير.

عباس عباس: رائد أدبي من السبعينيات

الكاتب عباس عباس، أحد أبرز أدباء السبعينيات، اشتهر بأعماله التي تتناول القضايا الإنسانية لشعبه. روايته الجديدة «Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)»  تأتي كإضافة نوعية لمسيرته الأدبية، حيث تمكن من المزج بين الحكي الواقعي والتحليل النفسي للشخصيات.

إضافة نوعية للأدب الكوردي

اختيار مدينة قامشلو لإصدار الرواية يعكس رمزيتها الثقافية كواحدة من أهم المدن الكوردية في سوريا. إصدار الرواية باللغة الكوردية يمثل خطوة نحو تعزيز الهوية اللغوية والثقافية، في وقت يواجه فيه الكورد تحديات متزايدة للحفاظ على تراثهم الثقافي.

إن رواية «Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)»  ليست مجرد سردية عائلية، بل هي شهادة على الواقع الكوردي في أبعاده المختلفة. بتفاصيلها الممتدة وشخصياتها الغنية، فهي تقدم الرواية صورة شاملة لمعاناة أجيال من الكورد، لتكون صوتاً للألم، والتحدي، والأمل الذي لا ينقطع.

قد يعجبك ايضا