الجزء الاول
اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 26- 11- 2024
عن دار ومكتبة عدنان- شارع المتنبي في العام 2014 صدرت الطبعة الاولى من كتاب بعنوان ( دراسة اللهجات الكُردية الجنوبية- حول لهجات وهوية الكُورد الفيليين، وعن اللك واللُّر، والكَورانية، الزازائية، وأختيار الأبجدية، وتوحيد اللغة) للـ د. اسماعيل قمندار، الذي تجاوزت صفحاته الألف صفحة، ونظراً لأهمية المعلومات التي وردت عند اجراء مقابلة معه، التي ذكرت في الموقع الألكتروني ( شخصيات من الذاكرة الكوردية- فيس بووك) بتاريخ 7 مايو 2020، للمقابلة التي أجراها جواد بشارةـ باريس، وذلك بعد صدور المؤلف عن اللهجات الكوردية الجنوبية بما فيها اللهجة الكوردية الفيلية. [ جدير ذكره هذه مقاطع من المقابلة وليست كلّها]، حيث ورد ان الكاتب مقيم في باريس منذ العام 1971، وقد قامت دار النشر البلجيكية الشهــــيرة ” بيترس” بطباعة الكتاب المكتوب باللغة الفرنسية الذي وصل عدد صفحاته إلى أكثر من 940 صفحة. واضاف الذي اجرى المقابلة:
– ” هذه الدراسة ثمرة ربع قرن من الأبحاث العلمية والميدانية الصرفة للمدن والمناطق الكوردية الجنوبية المجهولة أو شبه المجهولة لغوياً. التي تمتد كمناطق مترابطة وموزعة بين إيران والعراق على طول 400 إلى 500 كلم، والتي يقع القسم الأعظم منها في إيران بين منطقة كامياران ( 100 كم شمال مدينة كرماشان) حتى مدينة آبدانان الواقعة شمال دزفول، هذا فيما عدا محافظة بيجار الشمالية. أما في القسم العراقي فتبتدأ من خانقين مروراً بمندلي وزرباطية وشيخ سعد وعلي الغربي إلى مشارف البصرة على امتداد الشريط الحدودي المحاذي لإيران. ويمكن تقدير عدد نفوس متكلمي مجمل هذه اللهجات الكوردية الجنوبية في العراق وإيران بين ثلاثة إلى أربعة ملايين نسمة، أغلبيتهم من الشيعة الإمامية، فضلاً عن أقلية باطنية من أصول شيعية تسمــــــــى بـ ( أهل الحق). تكمن أهمية البحث في كشفها المفصّل للأنظمة الصوتية والصرفية والنحوية لمجموعة لهجية كبيرة غير مدروسة مقارنة ببقية اللهجات الكوردية الأخرى كالكرمانجية والسورانية والكورانيةـ الزازائية. ينوي المؤلف ترجمة الكتاب إلى العربية في غضون السنتين القادمتين ليسد بذلك فراغاً كبيراً في الدراسات اللغوية الكوردية. وبهذه المناسبة أجرينا معه هذه المقابلة:
س: بداية أود أن تقدم تعريفاً أولياً للكتاب قبل الدخول في حيثياته؟.
ج: يعد هذا العمل أحد أضخم الأعمال في ميدان الدراسات الكوردية اللغوية، ويتعلق تحديداً بدراسة اللهجات الكوردية الجنوبية، إذ توجد دراسات أخرى عن بقية اللهجات الكوردية وبشكل أساسي الكرمانجية والسورانية، لكن الأمر مختلف بالنسبة للهجات الكوردية الجنوبية التي لم تُدرَّس من قبل. وتحتل هذه اللهجات منطقة جغرافيةـ لغوية كبيرة جداً يصل طولها حوالي 500 كلم، يقع قسمها الأكبر بين كامياران شمالاً إلى مدينة آبدانان شمال مدينة دزفول، فضلاً عن أكثرية محافظة بيجار الشمالية التي تقع في القسم الأوسط من كوردستان. ويمكن القول إن الجانب العراقي لهذه المناطق يبدأ من شمال مدينة خانقين وأطرافها باتجاه مندلي ثم مناطق زرباطية، ويستمر هذا الشريط الحدودي باتجاه الشيخ سعد وعلي الغربي وعلي الشرقي حيث توجد مجاميع كبيرة من الكورد الفيلية الذين تمتد مناطقهم إلى العمارة حتى أطراف البصرة ودائماً على الشريط الحدودي الفاصل بين العراق وإيران. وقد تعرض الكثير من هذه المناطق إلى عملية تطهير عرقي أو تبديل عرقي من قبل النظام العراقي في أطراف خانقين وأجزاء كبيرة من مندلي وأجزاء أخرى من زرباطية وعلي الغربي والشيخ سعد حيث تعرضت كلها لما سُمِّيَ بسياسة التعريب، حيث تم تهجير أكثرهم إلى إيران أو أرغموا على ترك أراضيهم والهجرة داخل العراق. هذا إلى جانب تعرض مناطق أخرى كوردية غير جنوبية إلى هذه السياسة العنصرية مثل سنجار وكركوك. وقد حصل هذا الأمر عملياً منذ وصول حزب البعث العراقي إلى السلطة أي منذ عام 1968. وفي فترات زمنية محددة زادت حدة هذه السياسة العنصرية ( سياسة التعريب)، وفيها تسارع عمل السلطات في نقل وتهجير السكان الكورد من مناطق إقامتهم إلى مناطق نائية داخل العراق أو إلى إيران وإحلال سكان عرب في مكانهم. وذلك منذ معاهدة آذار سنة 1970 بالذات حيث تسارعت وتيرة عملية التعريب بشكل هائل في مناطق الموصل وأكثر منها في كركوك حيث أنها مناطق كوردية بشكل أساسي مع وجود جزء تركماني مهم فيها، لكن النظام في العراق جعل منها إحدى الإشكاليات العويصة وأصرّ على تعريبها بأي ثمن. وكذلك طُبقت سياسة التعريب على قرى خانقين حيث أجبر القرويون الكورد على الرحيل وتوطين قرويين عرب في أماكنهم [ تجدر الاشارة الى ان القرى التي كانت تتبع قضاء مندلي قد تعرضت لنفس المسألة ألا وهي التهجير والممارسات نفسها التي اتخذت في خانقين… عدنان رحمن]. إن مسألة التعريب العنصرية التي تعرض لها ما يُقارب المليون كوردي وتركماني عراقي تشكل إحدى المآسي الكبرى التي طالت الشعب الكوردي والشعب التركماني في ظل النظام السابق.
س: ما عدد المُتحدثين بهذه اللهجات الجنوبية؟.
ج- يتراوح عددهم بين 3 إلى 4 ملايين نسمة في العراق وإيران ويتمركز القسم الأكبر منهم في إيران لكن هذه أرقام تظل تقريبية. س: هل من قبيل المصادفة أن تختلف لهجة الكورد الفيلية عن لهجات الكورد الآخرين، إذ أن الفيليين شيعة بينما الآخرون سُنّة في غالبيتهم. فهل لذلك التوزع المذهبي تأثير على التنوع اللهجي؟. ج: هذا سؤال معقد ويدخلنا في متاهات طويلة لا مجال للخوض فيها الآن، ولكن يمكن القول إن جماعات ترتبط مذهبياً قد تتجه أحياناً مع الزمن إلى تبني واستخدام لهجة مميزة عن الآخرين كأنما تتطلب الهوية المذهبية بعض العلامات الفارقة قد تتعلق بمظهر الوجه ( إطلاق الشنب واللحية مثلاً) أو قد تتصف بأزياء مميزة خاصة بها كالطقوس أو بعمارة خاصة في البناء، ويكون هذا التمايز واضحاً أو كتوماً حسب الظروف لكنه تمايز تدريجي لا يحصل دفعة واحدة وبتعمد أو بقرار فوقي. لا أريد هنا الولوج في التفصيلات، وقد أخصص دراسة خاصة لذلك فيما بعد. لو أخذنا المسيحيين في الشرق نجدهم يستخدمون مجموعة من المفردات العربية الخاصة بالديانة المسيحية تختلف عن مفردات المسلمين، حتى أحياناً في طرق أو وتاثر استعمالها، فمثلاً كلمة “الرب ” يستعملها المسلمون أقل من كلمة الله بينما يستعملها المسيحيون أكثر من العرب المسلمين. وهذا نوع من المؤشرات التمييزية يمكن ملاحظاتها أحياناً في سياق الكلام. أما بخصوص لهجات كورد الجنوب فإن التخصص اللهجي تكوّن على مدى زمني طويل ولم يكن دائماً بمعزل عن الانتماء المذهبي لهم، لكنه لم يكن عاملاً منفرداً في هذا التميّز.
س: كتابك باللغة الفرنسية والآن أنت بصدد ترجمته إلى اللغة العربية. هل هناك احتمال أن تظهر له ترجمة باللغة الكوردية أو بإحدى اللهجات الكوردية لتعم فائدته لا سيما وإن عدد الكورد في العالم يقدر بين 30 إلى40 مليون نسمة؟
ج: يمكن أن تظهر له ترجمة كوردية بعد ظهور الترجمة العربية للكتاب على يد مُترجمين كورد يتقنون اللغتين العربية والكوردية الوسطى والشمالية والكورانية- الزازائية. وربما ستظهر له ترجمة للإنجليزية لأن الكثير من أبناء الجالية الكوردية في الغرب يحتاجون للكتاب بنصه الانجليزي.
س: سؤال مهم يتعلق بالأبجدية الكردية هناك حروف عربية وحروف لاتينية في كتابة اللغة الكوردية، فهل لك أن توضح لنا ذلك؟
ج: كتابة اللغة الكوردية في مناطق كوردستان العراق وإيران تتم بالحروف العربية المعدّلة، وقد حصل إجراء التعديل على الأحرف العربية المُستخدمة في الكوردية منذ سنة 1929، وأضيفت إليها أساليب وحروف خاصة باللغة الكوردية ككتابة الحركات أو الصوائت. وفي إيران تكتب اللغة الكوردية بشكل عام ايضاً بالأحرف العربية المعدلة، ولكن في تركيا تكتب اللغة الكوردية الكرمانجية بالحروف اللاتينية، لأن غالبية الكورد الكرمانجيين موجودون ضمن الدولة التركية ويتعاملون باللغة التركية التي تكتب بالحروف اللاتينية، وذلك بعد قرار أتاتورك الشهير سنة 1928بتبني لتننة الكتابة التركية. وبعد فقد الكورد ممارسة الكتابة بالحروف العربية أعتادوا على الحروف اللاتينية. وهناك القسم الكوردي الموجود في الاتحاد السوفيتي سابقاً، فقد تبنى منذ أكثر من 70 سنة الكتابة باللغة الكوردية بالحروف السيريلية. وأنا أشجع الكورد عموماً على عدم التخلي عن الكتابة بالحروف العربية المعدلّة.
س: لكنك لم تستخدم الحروف العربية في كتابة الكلمات والعبارات والنصوص الكوردية في كتابك؟.
ج: لأسباب تقنية بحتة ولأن الكتاب مكتوب باللغة الفرنسية اضطررت إلى كتابة الحروف الكوردية بحروف لاتينية لضرورات البحث لكن يوجد لها مقابل بالعربية سأضعه في ترجمتي العربية للكتاب”.
[1] – ” ولد في بغداد عام ١٩٥١ واكمل فيها دراسته الثانوية، وهو مقيم في پاریس منذ ۱۹۷۱ حاز عام ۱۹۸۸على دكتوراه الدولة في علم اللغات من جامعة باريس السابعة عبر اطروحته عن اللهجات الكوردية الجنوبية، وذلك بعد حصوله بالتعاقب على الليسانس ( البكالوريوس) في الادب الفرنسي مع شهادة ثانية في التاريخ من جامعة نانت الفرنسية سنة ١٩٧٦، وعلى شهادة المتريز عام ۱۹۷۸ في اللسانيات من جامعة السوربون الجديدة حول اللهجة الكوردية الفيلية، ثم دبلوم الدراسات المعمقة استكمالاً لدراسة الكوردية الفيلية من جامعة باريس السابعة. وقد تركزت ابحاث المؤلف الجامعية وكذلك كتاباته كباحث اكاديمي منذ ما يقارب الاربعين سنة على دراسة وكشف المجموعة اللهجية للهجات الكوردية الجنوبية بشكل علمي ومنهجي خدمة للشريحة الكوردية الكبيرة الناطقة بها. ويمكن الاشارة ايضاً الى تناوله لموضوعات حساسة اخرى تتعلق بهوية بعض الشرائح الكوردية مثل اللك والگوران والزازا، اسهاماً منه في تطوير الدراسات الكوردية والعراقية عموماً. ويغطي هذا الكتاب اكثر من ثلاثة اضعاف المناطق المدروسة في اطروحته للدكتوراه، ويُعدّ العمل الاكبر له سواءً بنسخته الفرنسية الاصلية الصادرة في ۲۰۰۱ أو بترجمته المُزيدة والمنقحة هنا. لقد تضافر التزام المؤلف لموضوع اكاديمي جوهري وحسّاس بأهمية المجموعة اللهجية الكوردية الجنوبية مع التزامه السياسي الدؤوب منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين كأحد أهم الشخصيات العراقية والكوردية المعارضة في فرنسا للنظام السابق ( 1968- 2003)”. هذا ما ورد في الكتاب كسيرة ذاتية عن الكاتب.