د. مؤيد عبد الستار
لم يكن العود منتشرا في جنوب العراق خلال الحضارة السومرية ، ولكنه انتتشر فيما بعد خلال العصر الاكدي ، ويذهب بعض الباحثين الى أنه جاء من القوقاز أو من الشعوب السامية الغربية ( سوريا )، ولكننا لانجد منحوتات لموسيقيين في التماثيل التي تعود للعصر البرونزي في سوريا.
إن ما اكتشف من آثار في مدينة سوسة عاصمة المملكة العيلامية وهي العاصمة التاريخية لبلاد الكرد ( لورستان) كما تعرف، كشف لنا موطن العود الاصلي، فقد عثر على أشكال منقوشة للعود على التماثيل المصنوعة من الطين، ومنها عود بيضوي الشكل له رقبة فيها ثقبان، والظاهر أنه لعازف مرموق .
عود آخر عثر عليه في لورستان أيضا، مصنوع من البرونز – النحاس – له صندوق دائري يشبه البطن، وهذا النوع نراه أيضا على دمية عرض تعود للعصر البارثي.(1)
ولدينا إناء فضي محفوظ في المتحف البريطاني عثر عليه في ايران ، يعود للعصر الساساني ، نقش عليه عود في مشهد سمر ( انظر صورة الاناء الفضي المرفقة مع المقال).*
وتبين لنا النقوش المرسومة على الاواني والادوات التي عثر عليها في عيلام شيوع آلة العود في تلك العصور القديمة ، وان أشهر عازف عود في العصر الساساني كان يدعى باربد Barbad الذي تروى الكثير من الروايات عن مهاراته في العزف، ويعتقد أن تسمية العود (بربط) مقتبسة من اسم هذا العازف الشهير، عكس التفسير الذي يذهب الى أن بربط مقتبسة من شكل البط الذي يشبه العود.
وفي الحكايات القديمة كان لدى خسرو برويز- كسرى – الملك الساساني حصان يحبه جدا يدعى شه ب دز ( سارق الليل ) وعندما مات الحصان ، لم يجرؤ أحد على إخبار كسرى بالامر، فطلبوا من العازف الشهير باربد اخباره بموت الحصان ، فعزف لحنا موسيقيا على آلة العود ما أن سمعه خسرو برويز حتى صاح : لقد مات شه ب دز.
نجد العود في الحضارة الفرعونية أيضا، وتشير الدراسات الى نوعين من العود، الاول له رقبة قصيرة ، يشبه العود المعروف حاليا، يعزف عليه بواسطة ريشة من الخشب مربوطة بالة العود ، والنوع الثاني له رقبة طويلة يشبه السيتار وله صندوق بيضوي.
يذكر المؤرخ الاغريقي الشهير هيرودوتس ان المصريين يعزفون الموسيقى في الزوارق وهي تجري في نهر النيل.
يعتقد بعض الباحثين إن آلة العود انتقلت من الاغريق الى الشرق، والبعض ينسب اختراع العود الى افلاطون، ومن خلال جيوش وحروب الاسكندر المقدوني انتقل الى آسيا ومصر وشمال افريقية، ولكن الشواهد التاريخية تدل على أن العود كان موجودا في الحضارة المصرية قبل وصول جيوش الاسكندر الى مصر .
وفي الاغريقية يسمى العود باربيتوسBarbitos أو باربيتون Barbitonوكان يستخدم في الاحتفالات الدينية وغير الدينية.
و لكن من خلال الشواهد التاريخية التي عثرعليها في المملكة العيلامية وحضارة السومريين جنوب العراق يظهر لنا أن العود آلة موسيقية أصيلة في تلك المنطقة وتؤكد نسبته الى المملكة العيلامية الاثار التي اكتشفت في مدينة سوسة والتي تعود لاكثر من الف عام قبل الميلاد ومنها منحوتات للعود على الاواني والادوات الفخارية والمعدنية .
واذا أخذنا بنظر الاعتبار أن العمود الفقري للحضارة الايرانية هي حضارة المملكة العيلامية – بلاد الكورد – وأن الفرس أشقاء الكورد في اللغة والثقافة والموطن، فان ما يدعى بالحضارة الا يرانية أو الفارسية هي في الحقيقة الحضارة الكوردية التي نشأت منذ عهود ضاربة في القدم في عيلام – لورستان- ومدنها الشهيرة سوسة وبرسي بولس ، والعاصمة الكوردية الاقدم انشان التي تقع قرب مدينة سوسة وأقدم منها تاريخا، ويرجح أن عيلام تسمية أطلقتها الاقوام السامية المجاورة لبلاد الكورد – وأن الكورد في عيلام كانوا يطلقون على أنفسهم تسمية (آري )، ومنها جاء اسم الاقوام الارية ، التي شملت الفرس أيضا، وتسمية آري تعنى الاحرار ، وأفسر ذلك باشتقاق الاسم من اختراعهم المحراث الذي يسمى في العيلامية والسومرية ( آر )، كذلك وردت تسمية كاردو و ماد أو الشعب الميدي اسما للكورد في الاثار المنقوشة في الكتابات السومرية والعيلامية والاشورية.
كانت الزرادشتية الديانة الرسمية في المملكة العيلامية خلال العهد الساساني و كانت مملكتهم تشمل رقعة جغرافية واسعة من البلدان تمتد من الشام وفلسطين ومصر حتى خراسان وافغانستان، وان أشهر المدن في العصر الساساني كانت سوسة وبرسي بولس و تيسفون ( تقع قرب بغداد، سميت المدائن بعد الفتوحات الاسلامية ، وسلمان باك فيما بعد ، تيمنا باسم الصحابي سلمان الفارسي الذي ارسله الخليفة عمر بن الخطاب قاضيا للمدينة ) ، واختلطت تسمية الساسانيين على العرب فاعتبروهم فرسا- لعدم التمييز بين الكورد والفرس لتشابه اللغتين والثقافة – والحقيقة هم كورد حسب الدراسات الايرانية ولذلك نجد أشهر مدنهم تقع في بلاد الكورد – لورستان – وسهل دجلة على الخط الممتمد من كركوك الى بغداد مرورا بجلولاء وخانقين وبدرة وزرباطية والعمارة حتى البصرة – وان آخر مدينة كردية – ساسانية – سقطت في الفتوحات الاسلامية هي نهاوند وتقع في محافظة ديالي ، وتم فتح بلاد الكرد وايران أمام المسلمين، ليبدأ عصر جديد حرّمت فيه الموسيقى والاناشيد والاعياد الزرداشتية شيئا فشيئا وحيثما تمكن المسلمون من إحكام قبضتهم على المدن المفتوحة .
إن أقدم تأليف موسيقي كردي / ايراني محفوظ حتى الوقت الحاضر هو الاناشيد الزرادشتية – غاتا- ومن هذه الكلمة اشتقت كلمة غيت التي تعني أغنية في الكردية والفارسية والهندية ، وهي الاشعار التي لها ايقاع خاص، مؤلفة بطريقة موسيقية يسهل تذكرها وحفظها، الاناشيد التي كانت تروى شفاها لاجيال وقرون قبل أن تدون للمرة الاولى .
الى جانب هذه الاناشيد نجد العديد من الالات الموسيقية التي صنعت في المملكة العيلامية وخاصة في مدينة سوسة وما جاورها قبل الميلاد بقرون عديدة، وانتقلت لاجزاء مختلفة من ايران والممالك الاخرى، وقسم منها احتفظ باسمه أو باثر من اسمه الكردي / الايراني القديم حتى الوقت الحاضر، فمثلا – تار – التي تعني وتر في الكردية والفارسية والهندية ، ظلت محافظة على التسمية في الالة الموسيقية الشهيرة تار، وظلت الكلمة شاهدا على أصلها في العديد من الالات الاخرى مثل جي تار ، دو تار ، سي تار ، دو تار تعني آلة ذات وترين ، وسي تار الة ذات ثلاثة اوتار .
وبسبب اهتمام الشعوب الكردية / الايرانية بالموسيقى، أسسوا لها نظاما ورتبوا لها قوانين ومواصفات ، ومع عدم امتلاكنا معلومات كافية عن العصور الموسيقية الاولى في كردستان / ايران / لورستان ، لكننا نجد لدى الساسانيين موسيقيين مشهورين مثل باربد ، ناكيسا ، و رامتين، وهم أعلام معروفة في الروايات التاريخية، ويعد باربد أشهر هؤلاء الموسيقيين العظام وهو الذي ألف نظاما موسيقيا يشمل سبعة مقامات ملكية تسمى هفت خسرواني ، وثلاثين لحنا وثلاثمائة وستين (قصة، حكاية)، وهو أقدم نظام موسيقي في الشرق الاوسط مازالت آثاره حاضرة في الموسيقى حتى الوقت الحاضر.
ومن أسماء بعض مؤلفاته : كين ي ايرج ،أي انتقام ايرج، وتخت أردشير أي عرش أردشير. وقد تكون هذه المؤلفات ملاحم غنائية .
اما مؤلفاته المعروفة باسم باغي شهريار أي حديقة شهريار، و هفت كَـنج أي الكنوزالسبعة، و ماه ، هور، كويهان (القمر ، الغيوم ، والجبال) فلا نعرف عنها شيئا أكثر من أسمائها التي ذكرها المؤرخون، وقد تكون أتلفت بعد الفتوحات الاسلامية إذ حرمت الموسيقى في بلاد الكورد التي دخلت تحت سلطة الدين الجديد – الاسلام -، وعدّت ممارسة مفسدة ، الا انها انتعشت فيما بعد في بلاط الخلافة العباسية من جديد وانتشر الموسيقيون والمغنون الكورد والفرس في البلاد الاسلامية وبدأوا يؤلفون ويغنون بالعربية .
ومن بين مشاهير الموسيقيين أبو نصر الفارابي الذي ألف كتاب الموسيقى الكبير ووضع أسس الموسيقى في العالم الاسلامي، وصفي الدين الاورموي الذي وضع اللحن في (12) جزءً و( 6 ) مقطوعات غنائية، وهو من معاصري الفارابي.
علما ان الدين الاسلامي لايشجع على انتشار الموسيقى، فاينما قويت شوكة الدين الجديد وارتفعت راية الاسلام ، اختفت الموسيقى واندست تحت الارض، ولكنها كانت تبرز الى السطح حين تحصل على فرصة للظهور .
منصور زلزل و اسحق الموصلي
منصور زلزل من أشهر العازفين الموسيقيين في العصر العباسي ويعرف باسم زلزل ، و زلزول ، هو عازف شهير وعـم ومعلم اسحق الموصلي ، الموصلي هو اسحق بن ابراهيم بن ماهان .
كان منصور زلزل اكبر موسيقي في بلاط هارون الرشيد ومهدي الهادي ، وكان زلزل يتعاون في الموسيقى مع ابراهيم بن ماهان .
كان خبيرا بالموسيقى وماهرا في العزف على الالات الموسيقية ، فابتكر نوتات جديدة وغير بعض النوتات القديمة .ابتكر نوتة ثالثة واضاف للنوتات الايرانية الشهيرة وعزفت هذه النوتات بلحن زلزل ، وهو لايتفق مع تقسيم اللحن الى اجزاء صغرى وكبرى ، كما صمم عودا سمي – الشبوط – لشبهه بسمكة الشبوط وأصبحت تسمية عود الشبوط شائعة في عصره.
يقول أحد الباحثين عن مهارة زلزل إن أصابعه هبة من الله وهو حين يعزف على العود ينهض الاحنف ليرقص ، دلالة على مهارته ، وكان كريما يوزع ما يملك من أموال على الفقراء وصرف معظم ثروته على الاعمال الخيرية وشيد بئرا ببغداد سمي باسمه .
سُجن منصور زلزل بامر من الخليفة هارون الرشيد عشر سنوات وحين خرج من السجن كان ضعيفا أبيض الشعر وتؤرخ وفاته بعام 791 ميلادية – 175 هـ – ولكن كتاب تاريخ الموسيقى الايرانية يؤرخ وفاته بعام 200 هجرية.
اما ابراهيم بن ماهان والد اسحق الموصلي فكان نديما للخليفة واشهر مغن في بلاط الخلافة العباسية وكان أشهر مغن بالعربية ايضا ، والده ماهان من أسرة رفيعة ، ولد في ارجان في منطقة شيراز ، ولكن بسبب ظلم الحكم الاموي الذي سيطر على البلاد هاجر ماهان الى الكوفة ، فولد له ابراهيم هناك عام 125هجرية.
ماهان … الموصلي
هاجر ابراهيم من الكوفة الى الموصل وعاش فيها لمدة عام تعلم فيها العود ولذلك سمي الموصلي ، لاحقا تعلم فن الغناء والعزف في خوزستان والبصرة ومناطق اخرى في ايران والعراق، وتعلم فنون الموسيقى والغناء من الموسيقيين الايرانيين، وكان ابراهيم بن ماهان – ابراهيم الموصلي – شاعرا ومغنيا وموسيقيا ، وهو أحد أعمدة الموسيقى العربية والايرانية.
خلط ابراهيم الاشعار الفارسية / الكردية مع العربية وصنع انواعا جديدة من الموسيقى العربية والف أغان ومقطوعات واشعارا أصبحت شائعة في الثقافة العربية ، وغير في شكل الاغنية العربية – شعر الاغاني – .
كان في البصرة حين دعاه الخليفة المهدي للقدوم الى بغداد فانتقل اليها ، ولكنه لم ينسجم مع البلاط ، كان يشرب الخمر فحبسه الخليفة وفي السجن تعلم القراءة والكتابة . حصل ابراهيم على مكانة كبيرة في خلافة الهادي الذي كان يغدق عليه الاموال والهديا، وزادت مكانته وعلت في خلافة هارون الرشيد ليصبح مغن وشاعر وموسيقي البلاط العباسي ونديم الخليفة ، وكان الرشيد يحبه حبا جما ، فحصل على ثروة كبيرة من الصلات والهدايا التي كان يغدقها عليه الرشيد والبرامكة (يحيى البرمكي واولاده الفضل وجعفر ومحمود).
ورد ذكره في كتاب الاغاني والفت عنه الكتب ، وهو الذي فتح مدرسة لتعليم الموسيقى في داره ، وعلم الفتيات عزف العود ، وكانت الاسر البغدادية ترسل بناتها اليه ليعلمهن الموسيقى والعزف على العود ، كما كان يشتري الجواري ويعلمهن فنون الغناء والموسيقى .
اصطحبه الخليفة هارون الرشيد برحلة معه الى دمشق ولكنه مرض هناك فعاد به الخليفة الى بغداد ، ومات فيها عام 188 هجرية فكلف الرشيد ابنه المامون الصلاة عليه وتولي دفنه ، وأمر باعطاء كافة القابه الى ابنه اسحق ووصل أسرته.
بعد وفاته أكمل ابنه اسحق رسالته وسار على نهج ابيه .
اما زرياب فهو تلميذ اسحق ورسول الموسيقى الى الاندلس وهو الذي نقل اسلوب استاذه اسحق الى المغرب العربي والاندلس واسمه يعني في الكردية / الفارسية ماء الذهب : زَر = ذهب ، آب = ماء .
وفي رأي الاستاذ جواد ملكشاهي رئيس تحرير التأخي : الباحث عن الذهب
آثار الفنون الموسيقية
نعرض أدناه بعض الاواني المعدنية والتحف الجميلة المحفوظة في المتاحف العالمية والتي تدل على شيوع الغناء والرقص في العهد الساساني في بلاد الكورد الفيليين- عيلام / لورستان – ووسط وجنوب العراق .
1- لوح لعازف الهارب – متحف اللوفر ، باريس
في حضارة بلاد الرافدين ظهرت منحوتات من الطين والفخار للحيوانات والبشر منذ اواخر الالف الثالثة قبل الميلاد .
هذا اللوح لعازف الهارب يعود لحوالي 2000 عام قبل الميلاد، أي صنع قبل أربعة الاف عام .
كان للموسيقى دور كبير في الحياة الاجتماعية والطقوس الدينية والعبادة في بلاد الرافدين، وقد عثر على بعض النصوص التي تدل على التاليف الموسيقى ولكن القليل من اللقى تدل على الالات الموسيقية ولذلك لهذا اللوح اهمية كبيرة ، ونلاحظ ان هذا الهارب مصنوع على شكل زورق ، كان منتشرا في بلاد اشور وايران ايضا، واستمر أحد أنواعه المتطورة مستخدما في تركيا حتى القرن السابع عشر الميلادي .
يعود هذا اللوح الفخاري لحضارة اور / اشنونا
– طوله حوالي 8 سم وعرضه حوالي 9 سم
– محفوظ في متحف اللوفر قسم الشرق الاوسط تحت رقم AO 12454
2- امرأة تعزف الهارب – متحف اللوفر ، باريس
قطعة فنية منقوشة من المرمر والسيراميك لامرأة تعزف الهارب.
تعود هذه القطعة الفنية للقرن الثاني الميلادي وهي منتزعة من ارضية ايوان قصر شاهبور الاو ل ( حكم 241 – 272 م ) ثاني ملوك الامبراطورية الساسانية الذي
شيد قصره في مدينة بيشابور التي شيدها لتكون عاصمته الجديدة بمناسبة انتصاره على روما .
تقع بيشابور بين مدينتي سوسة ( ايلام ) وتيسفون ( تيسفون سماها العرب بعد الفتح المدائن وتسمى سلمان باك ايضا في الوقت الحاضر، تقع جنوب بغداد وهي عاصمة الاكاسرة التاريخية وفيها اشهر بناء له اكبر طاق حينذاك : ايوان كسرى و طاق كسرى وكان يدعى القصر الابيض ) .
عرض اللوحة 5 .8 سم وطولها 6.5 سم
متحف اللوفر AO 26169
Near Eastern Antiquities
3- الاناء الفضي وآلة العود
هذا الاناء الفضي محفوظ في المتحف البريطاني بلندن ، صنع في طبرستان جنوب بحر قزوين في القرن الثامن الميلادي ، أي قبل اكثر من الف عام ، يصور مجلس أنس وطرب مقتبس من العهد الساساني .
اشتهرت طبرستان في صناعة الاواني الفضية وزخرفتها مستلهمة حياة الملوك الساسانيين، كما استمرت صناعتها على هذه الشاكلة بعد الفتح الاسلامي للعراق وعيلام وايران .
كانت هذه الاواني ترسل من طبرستان الى بلاط الخلفاء في دمشق حين كانت عاصمة الدولة الاموية هناك وفيما بعد الى بغداد حين انتقلت الخلافة العباسية اليها .
تميزت الصناعات الفضية في العهد الساساني بدقة صنعها وتقنيتها المتطورة التي كانت تشكل الشخوص والاشكال وتضيفها الى المصنوعات الفضية ، واسلوب صناعتها يوجب صنع الاشكال على صفحة رقيقة من الفضة اولا ومن ثم قطعها ولصقها على وجه الاناء.
حازت هذه الصناعة الساسانية الانيقة والجميلة شهرة كبيرة فانتشرت في الاصقاع شرقا وغربا فقلدتها الصين خلال حكم أسرة تانغ وأخذت اسلوبها ومواضيعها وطريقة صنعها من ايران.
في هذا الاناء يظهر الامبراطور الساساني بالزي الملكي مستلقيا على عرش يحيط به الندامى والمغنيات، وحوله لوازم الانس والطرب من طعام وشراب في جلسة حميمة في بستان تدل عليه دالية العنب وعناقيدها التي تتدلى فوق الرؤوس.
كما نشاهد إنائين ملونين للنبيذ في ثلاجة للتبريد موضوعة الى جانب قربة الماء الكبيرة ، وفي الجانب الاخر من القربة موقد نار ربما دلالة على عبادة النار في الديانة الزرادشتية التي كانت الديانة الرسمية للساسانيين .
نشير الى المرأة التي تحمل آلة العود ، ونلاحظ حملها العود بشكل يختلف عن طريقة حمله في العصر الحديث، ورجل ينفخ في آلة البوق الذي كان آلة مشهورة لدى الملوك الساسانيين تعلن عن حضورهم .ومن المعروف ان الساسانيين من الكورد كما توثق ذلك المصادر الايرانية التاريخية، وان (ارد شير) بن ساسان مؤسس الامبراطورية الساسانية، لم ينحدر من أسرة ملكية، بل كان من عامة الناس .
قطر الاناء : حوالي 20 سم
رقم الا ناء ME OA 1963.12-10.3 المتحف البريطاني- لندن/ قاعة رقم34
النظام الموسيقي السباعي …هفت خسرواني
النظام الموسيقى السباعي ، وضعه الموسيقي الشهير باربد ، مغني وموسيقي بلاط خسرو برويز الثاني (حكم 628 – 590 م ). كانت هذه الالحان تغنى في الحفلات الملكية ، وقد ورد ذكرها في العديد من المصادر فذكرها ابو منصور الثعالبي . واطلق عليها المسعود ي في كتابه مروج الذهب الطرق الملوكية المؤلفة من قبل الفرس ، ويصفها نقلا عن ابن خرداذبة الذي فصل في ذكر الاغاني والالحان المؤلفة من قبل الفرس . ومن اسماء هذه الالحان :
اللحن الاول : سُكافه : ويعني المضراب ، والاسم له علاقة بالريشة التي يعزف بها على الة العود.
اللحن الثاني : غير مذكور
اللحن الثالث : امراش ، ولربما هو نفس اللحن ابرينا الذي ذكره ابن خرداذبة .
اللحن الرابع : مدار وسنان او مادرو وسبان ، وله علاقة باسم مدينة مادرو وسبان وهي مدينة قرب حلوان على طريق خراسان .
اللحن الخامس : سايقات ، ولربما هي تحريف لكلمة شايجان – شاي جان – وتعني قصر في الفارسية / البهلوية والكردية وهي في الاساس شاهي جا اي مكان الملك او شاهي جان .
اللحن السادس : سي سم والاسم كما يبدو تحريف لكلمة شه شم في الكردية والفارسية اي السادس.
اللحن السابع : جباران او حران
اما ابن خرداذبة فيعطي هذه الالحان الاسماء التالية :
اللحن الاول : بند ستان
اللحن الثاني : بهار وهو أكثر الالحان سرورا
اللحن الثالث : ابرين وفي بعض المصادر أفرين ، وارجح هذه التسمية لان كلمة آفرين في الزرادشتية تعني الشكر ، ويعزف هذا اللحن على وتر عالي النغمة
اللحن الرابع : ابرينا
اللحن الخامس : مادرو وسبان ، ومن ميزات هذا اللحن الانتقال من لحن الى آخر والعودة اليه مرة اخرى .
اللحن السادس : سيسم وهو تحريف من شه شم – اي السادس – ويعزف باصابع قوية
اللحن السابع : القبة وقد تكون تحريف للتسمية الكردية / الفارسية غونباد اي صراخ الغضب
وبالامكان الرجوع الى كتاب اللهو والملاهي لابن خرداذبة ، ط بيروت 1964 .
ومازالت بعض المقامات في العراق تحمل الاسماء الكردية / الفارسية مثل السيكاه اي الثالث
والجاركاه اي الرابع والبنجكاه اي الخامس ، والنهاوند نسبة الى مدينة نهاوند الكردية في محافظة ديالي ، وبعض الاسماء المتعلقة بالالات الموسيقية والالحان والاغاني مثل الدنبك وهو الة الدربكة او الطبلة و البستة بمعنى اللازمة ، وكلمة بست تعني ربط او شد او غلق ومصدرها بستن ، والميانه : وهي من ميان بمعنى الوسط ، واسطة العقد . فالمقام يبدأ بالتحرير ثم الميانة ثم البستة .
الاستيلاء على التراث الموسيقي الكردي
لا أحد من المختصين في الموسيقى يجهل الاستيلاء على التراث الموسيقي الكوردي من قبل الشعوب المحيطة بمملكة عيلام وتغيير بعض الاسماء الكردية في الموسيقى، وشهد جيلنا القرارات التي اصدرها نظام الطاغية صدام بتغيير الاسماء الكردية اينما وجدت الى اسماء عربية.
ومن أشهر الامثلة السطو على مقام الزند الكردي المستعار اسمه من قبيلة الزند الكردية، ومنها كريم خان زند الذي حكم بغداد واشتهر بالحاكم العادل ، استولت عليه العائلة القاجارية التي حكمت ايران واطلقت عليه اسم بيات ترك واصبح لاحقا مقام البيات.
وفضح الموسیقی والشاعر عارف قزویني ت 1934م وهو من أعلام الموسیقی والاغنیه الفارسیه، شغل وظيفة منشد البلاط القاجاری ،دوّن عارف قزوینی فی مذکراته مايلي ” المقام الذی یعرف ب”بیات” هو نفس مقام ال”زند” و زور اسم هذا المقام بامر أحد شاهات القاجار، وغـیّـر من “زند” الی “بیات ترك” لاسباب أهمها، حقد القاجار الترك ومعاداتهم للکرد الزند، ولان القاجار کانوا لا یملکون ثقافه توازي ثقافة الشعب الایراني”وبهذا سجل هذا المقام الکردی باسم الترك ، وشاع هذا التزوير في کتب کبار المولفین والمؤرخین العرب والفرس والترك وغیرهم، الذين نقلوا ونسخوا معلوماتهم عن بعضهم البعض من دون بحث او تدقیق!
ومن الشواهد المضحكة في تصرفات الانظمة الشوفينية انها منعت بعض المصطلحات والعبارات في الغناء العراقي التي قد تشير الى الكوردية او الفارسية ، فمن المعروف ان عبارة علي جان ترد في المقامات العراقية وعلى الاخص مقام الدشت كلازمة للمقطع الموسيقي ، وتعني في الكوردية والفارسية ، يا روحي علي او حبيبي علي ، فاضطر اغلب المطربين والمطربات الى تجنبها في الغناء.. . وشر البلية ما يضحك .
(1) الامبراطورية البارثية دامت حوالي 5 قرون ( 247 ق. م – 224 ب . م ).. كان البارثيون يتكلمون اللغة البهلوية (البارثية) وكان للملوك البارثيين الجدد ثلاث عواصم يقيمون فيها في فصول السنة المختلفة
هي :
أ- هيكاتومبيلس Hecatompylus في بارثيا والاسم هيكاتومبيلس من اليونانية يعني – مائة – وكانت عاصمة سلوقيا 200 ق .م وتقع في ايران قرب دامغان
ب – اكبتانا ( همذان) في ميديا
ج – تيسفون ( Ctesiphon ) .( المدائن أو سلمان باك قرب بغداد . م .ع )
*القاجار : قبیله مغولیه هاجرت مع زحف المغول الی شمال ایران، وحکمت ایران بعد سقوط حكومة الزند الکردية 1789-1925م