كوردستان .. إرادة الحياة في مواجهة إرث الألغام .. ثمن حروب الطغاة

 

 

 

 

د. محمد العرب

إنّ الألغام ومخلفات الحروب غير المنفجرة تشكل تحدياً مستمراً في العراق، حيث تهدد أمن المواطنين، خصوصاً في المناطق التي تعرضت للنزاعات والاستهداف الممتدة لعقود ، إقليم كردستان الذي واجه صعوبات لا حصر لها، لم يكن بمنأى عن هذا التهديد ، فرغم الحروب والظلم التاريخي الذي وقع على الكرد ، أظهرت حكومة إقليم كردستان إرادة حقيقية لمواجهة هذه الأزمة، ساعية لتوفير حياة آمنة ومستقرة لمواطنيها، ومستعينة بخطط مدروسة وجهود كبيرة لمكافحة مخلفات الحروب من ألغام وعبوات ناسفة وذخائر غير منفجرة…

 

تاريخ كردستان يذكرنا بالظلم الكبير الذي تعرض له الكرد من القمع إلى الإبادة، ومن الحصار إلى محاولات طمس الهوية ، أضف إلى ذلك مخلفات الحروب التي ألقت بظلالها على أراضيهم، لتبقى الألغام رموزاً صامتة لهذا الظلم ، هذه الألغام ليست مجرد متفجرات غير مرئية تحت الأرض، بل هي تذكرة يومية بالألم والمعاناة التي عاناها الكرد على مر السنين ، ومع ذلك لم تجعل هذه التحديات حكومة كردستان تتراجع عن خططها، بل زادتها إصراراً على تطهير أراضيها من هذا الإرث الثقيل.

 

جهود حكومة كردستان في إزالة الألغام جديرة بالإشادة، إذ تلتزم المؤسسة العامة لشؤون الألغام في كردستان بعمليات مكثفة لتنظيف الأرض، حتى تعود صالحة للعيش الآمن والزراعة والسياحة. تشير التقارير إلى تطهير 5 ملايين متر مربع من الأراضي خلال الأعوام الأخيرة، وهو إنجاز يعكس التزام حكومة الإقليم بتطهير مناطقها من الألغام ومخلفات الحروب. وتواصل هذه الجهود بلا توقف رغم الظروف الصعبة والتحديات التي تعيق التقدم السريع في هذا المجال.

 

وحتى الآن، وبحسب آخر إحصائيات، تم تنظيف نحو 500 كيلومتر مربع من الأراضي في الإقليم، مع بقاء حوالي 200 كيلومتر مربع تحتاج للتطهير. يثبت هذا الرقم حجم العمل الذي قدمته حكومة كردستان بالتعاون مع المنظمات الدولية، ليثبتوا للعالم أن إرادة الحياة أقوى من كل معوقات الموت والصعوبات.

 

لا يقتصر عمل حكومة كردستان على مجرد إزالة الألغام، بل يشمل أيضاً توفير برامج توعوية للسكان، وخاصة في المناطق الريفية. إذ يتم تعليم الأهالي، خصوصاً الأطفال، كيفية التعرف على الألغام والإبلاغ عنها، مما يقلل من احتمالية وقوع ضحايا جدد. إن هذه الجهود التوعوية تمثل رؤية شاملة لحكومة كردستان في التعامل مع أزمة الألغام، ليس فقط من خلال الحلول التقنية، بل أيضًا من خلال الاستثمار في الوعي المجتمعي.

 

من زاوية أخرى، تعكس هذه الجهود إيمان حكومة كردستان بأهمية استثمار الأراضي في التنمية الاقتصادية، فعندما تكون الأرض آمنة، يمكن للمزارعين العودة لزراعة أراضيهم، ويمكن للسياح التوافد لزيارة المناطق الخلابة، ويمكن للعائلات العيش دون خوف. إن حكومة كردستان تدرك جيداً أن تنمية الاقتصاد لا يمكن أن تتم بوجود هذا الخطر الصامت، ولهذا تسعى بكل طاقاتها لفتح أبواب الاستقرار والازدهار.

 

وفي ظل هذا العمل الدؤوب، نجد أن العالم بحاجة إلى التذكير بحجم الظلم التاريخي الذي وقع على الكرد ، حيث لم يكونوا طرفاً في معظم الحروب التي تركت هذه الألغام، ولكنهم هم من دفعوا الثمن الباهظ، على شكل أراضٍ غير صالحة، وأرواح بريئة. ورغم ذلك، نجد أن حكومة كردستان لا تكتفي بالانتظار أو التذمر من الموروث الصعب، بل تواجهه بتصميم وعزيمة، وتبحث عن شركاء دوليين لمساندتها في هذه المهمة الشاقة.

 

التعاون الدولي هو عنصر أساسي في نجاح هذه الجهود، خاصة في ظل الإمكانيات المحدودة التي قد تعيق التقدم السريع في بعض المناطق. ومع ذلك، تستمر حكومة كردستان بفتح قنوات التعاون مع الدول والمنظمات الدولية، لتطوير خطط مشتركة تضمن حياة أكثر أماناً لشعبها، وتفتح أفقاً جديداً للاستثمار والتنمية في مناطقها.

 

ختاماً، يحق لشعب كردستان أن يشعر بالفخر تجاه حكومته التي لم تتوانَ عن العمل بجدية ومسؤولية لمواجهة تحديات الماضي. ووسط تلك الجبال والوديان، ومع تحديات الجغرافيا والصراعات، تنبض كردستان بأمل كبير لمستقبل خالٍ من الألغام. إقليم كردستان يظهر لنا اليوم نموذجاً على أن الشعوب التي تعرضت للظلم يمكنها أن تصنع مستقبلاً مشرقاً، وأن إرادة الحياة والتقدم تتفوق على أي إرث ثقيل.

قد يعجبك ايضا