الشاعرٌ العراقيٌ عبد الإله الياسري و مسار القافلة الجريحة والجرح لم يندمل

أجرى الحوار: د. توفيق رفيق التونچي

حملتُ شـراعَ الموتِ في صمتِ آلامي
وأَرضعتُ من ثدي التباريـحِ أَعوامـي
*
حملتُ دمـوعَ الأَرضِ في جفنِ لوعتي
وخضَّبتُ في جـرحِ الملايينِ أنغامي
*
انا القمح والنخل العراقي انحني، يبوسا
واهوى جانب الشاطئ، الطامي
*
انا القرية الخضراء قحط أذلني
فاطفات فانوسي وأخفيت إكرامي
*
تعال وخذ يا جوع قمحك من دمي
ودعني أمت وحدي على رمح ألامي
*
وخل عراق الحزن يبتل رمله
وتبتل باليوم المذهب، أحلامي
*
انا المغرم الهيمان، شعبي حبيتي
وأنفاسه لحني وعيناه إلهامي
(مقتطفات من قصيدة قافلة الأحزن)

الشاعرٌ العراقيٌ عبد الإله الياسري وُلِد في في قرية (طُبَر سيـد نور) في ناحية المشخاب التابعة لمحافظة النجف الشريفِ، تلك المدينة المقدسة بيت الشهداء الإبرار والتي ارفدوا الحركة الأدبية في العراق بعشرات من الأدباء والعلماء والشعراء والسياسيين العظام.
ولد شاعرنا في هذه الربوع المقدسة عام 1950 وانهى دراسته الابتدائية، المتوسطة و الإعدادية فيها وتركها للدراسة الجامعية في كلية الآداب بجامعة بغداد وتخرج عام 1972 وبعد أدائه الخدمة العسكرية الإلزامية عمل عدد من السنين في سلك التدريس منتقلا بين قرى ريف الجنوب قبل ان يترك قلبه في ذلك الوطن الجريح مرغما ويهاجر. ذلك بعد أن قررت سلطة الحزب الحاكم تبعيث المؤسسة التعليمية في العراق. فاضطر مكرهاً إلى ترك الوطن في صيف 1979 وتوجة الى أقصى شمال افريقا الى المغرب العربي وحل فيها قرابة عقد من الزمان. لم يتمكن الشاعر قط من مدح الظالم او حتى السير بخطى افكار نظام قومي سلبي دكتاتوري. اما في المملكة المغربية فقد عمل خلال عقدا من السنين ونيف في تدريس اللغة العربية وتزوج فيها. مرة اخرى اضطر لشد الرحال هذه المرة بعيدا وما وراء البحار الى كندا ولم يكن وحيدا بل مع عائلته وأبناءه الثلاث. لينتقل الى منفاه الطوعي ليطلب اللجوء من اجل كرامة الإنسان وذلك عام 1989. استمر في كندا في نشاطه الأدبي وشارك في الحياة الثقافية فيها. ألتقي به اليوم وهو القليل الحديث عن نفسه وعن إعماله الى درجة الانزواء والتصوف. التقيت به في أمسية أندلسية جمعتنا عند صديقنا المشترك ” ابوعلي” الأعزاء ونحن نجلس حول طاولة كبيرة مع وجبه عشاء شهية من المطبخ العراقي وحوار شيق في الأدب واللغة العربية ومفرداتها الأعجازية الجميلة والتي وصلتنا عبر دهر من الزمن من خلال نصوص الذكر الحكيم وصولا الى ما أبدعه القريحة الشعرية لشعراء العراق والنجف بصورة خاصة. حيث علاقاته الشخصية المتعددة مع العديد بمحي بلاد الرافدين..
كتاباته في الشعر العمودي والشعر الحر وتفتيته للعديد من الأفكار المطلقة والسلبية السائدة في المجتمع العراقي ونظرته الى الانفتاح خاصة فيما يخص بدور المرأة في المجتمعات الشرقية وتمكنه من اللغة العربية كان دافعا وحافزا له وهو على مقاعد الدراسة في جامعة بغداد الى اقتراض الشعر فأبدع أي إبداع.
* حدثنا عن اول مهرجان شعري شارك فيه وبحضور الوزير العراقي الأديب صالح مهدي عماش في عام ١٩٧١ ومدى إعجاب الوزير بشعره في حين كان يضرب بكلماته بمطرقة حديدية أسس الفكرية لبناء عنصر الشر القومي السلبي في جميع الأنظمة السياسية.
يقول الشاعر:
تعود ذاكرتي بظروف كتابة هذه القصيدة إلى مقالة نشر عام 1971 في “جريدة الثورة” الناطقة باسم حزب البعث الحاكم الذي كان قد أطاح بحكم المرحوم عبد الرحمن عارف في انقلاب عسكري اسماه ب (الثورة البيضاء) وذلك قبل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ وبات الحزب القوة الوحيدة والمطلقة في حكم العراق. عنوان المقالة كانت “الشعر يحتضر في كلية الآداب بجامعة بغداد” الكلية العريقة والتي كانت تسمى سابقا دار المعلمين العالية الذي تخرج منه خيرة شعراء العراق أمثال بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي و لميعة عباس عمارة ودرست فيها الشاعرة المبدعة نازك الملائكة بعد تخرجها من ” جامعة ويسكونسن” الأمريكية:
( University of Wisconsin–Madison)
وحصولها على الماجستير في الأدب المقارن وآخرون من خيرة أدباء العراق وشعراءه .
اعتبر كاتب المقالة بان القصيدة موجه بصورة خاصة ضد (الاتحاد الوطني لطلبة العراق) الفرع الطلابي التابع لحزب البعث الحاكم.
يروي الشاعر مستمرا في حديثة:
انه في الحقيقة بانه قبل الأمسية الشعرية في الجامعة وصلتني دعوة للمشاركة في هذا المهرجان الشعري لكني طلبت ان لا يشترطوا علي بأي شرط او تقيد، لقبول المشاركة في الأمسية، وكان لي ذلك.
كان الرئيس العراقي احمد حسن البكر قد دعي لحضور هذه الأمسية ولكنه أناب عنه الوزير الأديب صالح مهدي العماش لحضور الأمسية. صفق الوزير طويلا مشجعا عند سماعه القصيدة.
كنت اضن انه من باب الدبلوماسية يصفق.
كانت القصيدة تترجم الظروف الصعبة التي كانت سائدة في العراق في تلك الأيام .
اما عميد الكلية الأستاذ محمود غناوي فكان متجهما وصعد خشبة المسرح مباشرة بعد انتهائي من تلاوة القصيدة ليقرر في كلمة مقتضبة ويصدر حكمه علي قائلا:
– بان الشاعر واهم ومغرر به مضيفا، بان العراق يعيش في ضل الثورة بخير وازدهار وسعادة.
اما الوزير الأديب فقال
قصيدة دون اي إساءة –
تلك الأمسية التاريخية كانت شرارة أوقدت في نفسي رفض الظلم والبقاء صادقا لأفكاري رافضا التنازل للفكر القومي السلبي وأساليبه الإجرامية.
طوبى لشعب ما برح غايته النضال من ” اجل كرامة الإنسان”.

قد يعجبك ايضا