الباحث : سردار علي سنجاري
عندما نتحدث عن الإدراك نعني به ادراك أهمية الموجودات التي حولنا . الإدراك هو عملية تثبيت تلك الموجودات فان كانت إيجابية وتخدم البشرية والمجتمع علينا العمل على تعزيزها . وان كانت سلبية علينا العمل على التخلص منها .. الإدراك هو تحديد نمط الشخصية وتطويرها .. ومن المهام المهمة في حياتنا اليومية هو التركيز على كيفية التفكير في الأشياء التي يجب أن نتعامل معها بشكل أفضل من خلال القيام في البحث عن حلول مناسبة لحياتنا الشخصية مثل العمل الجاد في تطوير الذات والمجتمع بشكل يتيح الفرصة للآخرين لتحقيق المزيد من التقدم والتطور والازدهار . فالمجتمع بحاجة إلى تكاتف جميع الجهود سواء كانت فردية او جماعية رسمية ام خاصة ولا يمكننا القول بأن هناك جهود صغيرة لا نحتاج اليها والتركيز على الجهود الكبيرة. فالمجتمع الصحيح يدار بطاقاته المتكاملة من دون استثناء أو تهميش اي فئة.
ربما كانت مفاهيم الإدراك وبالأخص الإدراك الاجتماعي في مجتمعاتنا الشرقية لم تصل إلى المستوى المطلوب في الوصول إلى الحلول التي يمكن أن تؤثر في سلوك الأفراد في المجتمع . فما زلنا في تلك المجتمعات نعاني من ضعف الوعي العام في التعامل الاجتماعي بين الأفراد والمجتمع . الأفراد يكسبون معرفة وفهم الآخرين من خلال الإدراك الاجتماعي وهذا يعني ان هناك تصورات مترابطة في الاشخاص والمجموعات في موقف اجتماعي لفهمهم لبعض . ويعود سبب ذلك الإضعاف إلى ضيّق الرؤية الثقافية في فهم وتقبل الأفكار الأخرى التي بطبيعيتها وجدت لتكون مختلفة من حيث الشكل وربما المضمون في العديد من الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية وهذا لا يعني بالضرورة أن هناك خلاف بين تلك الفئات وإنما هي مجرد عدم ادراك أهداف الطرف الآخر. وكثيرا ما نرى في مجتمعاتنا الشرقية انحيازا واضحا وخاطئا للأفراد الذين يحتلون مكانة اجتماعية ، سياسية او اقتصادية والمراكز الرفيعة والثروة . وهذا يعود إلى فقدان التوازن الاجتماعي والمساواة بالمجتمع . فإذا أخذنا على سبيل المثال المجتمعات الغربية التي ادركت قيمة المساواة في تحقيق التنمية الاجتماعية والإزدهار نجد تلك الانحيازات الاجتماعية الخاطئة التي أدت إلى تاخير مجتمعاتنا الشرقية في تحقيق العدالة كانت سببا أساسيا في تغيير الواقع الاجتماعي الذي نعيشه اليوم واحد أسباب الهيمنة الغربية على المجتمعات الشرقية.
لا يتحقق الإدراك الاجتماعي إلى بتحقيق المساواة التي هي اهم ما تضمنته قوانين حقوق الإنسان التي اقرتها الامم المتحدة وسعت إلى تحقيقه ولكن واجهت الكثير من التحديات التي أدت إلى تراجع تحقيقه وبالأخص في المجتمعات الشرقية والأفريقية بسبب عدم ادراك المواطن لحقوقه من جهة وهيمنة الدولة على قرارت الفرد في تلك المجتمعات من جهة اخرى . وهذا خلق نوعا من التمييز تجاه فئات مختلفة من المجتمع وبالأخص الأقليات القومية والدينية والإثنية .
لا احد يختلف معنا ان مجتمعاتنا الشرقية قائمة على الطبقية حيث يشمل الامتياز الطبقي تصرفات وسلوكيات الفرد من خلال طبقته الاجتماعية او السياسية والاقتصادية مما أدى إلى عدم المساواة بين المواطنين في المجتمع. فالمجتمع القائم على أساس الطبقية سوف يبقى أسيرا لثقافات ضيقة لا تمكنه من الاتساع في فضاء اعمق وأوسع . وليس من السهولة الهروب من حواجز الطبقية في مجتمعاتنا طالما هناك عدم مساواة في الدخل مما يقودنا إلى وجود ازمات في عدم قدرة الأفراد من الطبقات الفقيرة او المتوسطة في التحرك الصحيح في المجتمع وهذا يشكل نوعا من انعدام الاستقرار الاجتماعي في المجتمع حيث يؤدي ذلك الى استقطاب الفرص والتعليم والصحة الذي يتلقاه الأفراد وبالأخص الأطفال مما يجعل التنقل الاجتماعي والاقتصادي صعبا وهذا يؤدي بدوره إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء . وهنا ايقنت الدول الغربية مخاطر هذه الظاهرة على المدى البعيد وعليه ألغت كل الوسائل التي تساعد في توسيع رقعة الطبقية ووحدت المدارس والجامعات والمستشفيات على اساس عام وشامل لكافة أفراد المجتمع من دون تمييز .
واليوم هناك مجتمعات حديثة الولادة في المجتمع الشرقي كاقليم كوردستان العراق مثلا الذي إذا ما عمل بشكل جاد على بناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية و وفر لأفراد المجتمع فرص العمل والتعليم في مختلف المجالات وأقام نظام مؤسساتي متكامل ونظم حياة كريمة تقام على أساس القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تجعل المجتمع أكثر قوة وأكثر استدامة من حيث المساواة والعدالة ويكون نموذجا فريدا بين دول مازالت قائمة على الطبقية وعدم المساواة بين أفراد المجتمع.
والبنية التحتية لإقليم كوردستان خصبة من حيث الحريات والحقوق الاجتماعية وبالأخص بما يتعلق بحقوق المرأة حيث تتمتع المرأة الكوردية بفضاء أوسع من الحريات والاستقلالية عن زميلاتها في المجتمعات المحيطة بإقليم كوردستان وان كانت ماتزال تواجه بعض الصعوبات في تحقيق طموحها إلا أن هذه الصعوبات يمكن العمل عليها بالشكل الذي يضمن لها تحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية . وهذا يجعلنا نخطو خطوات مهمة نحو تحقيق مجتمع مدني جديد تتحقق فيه المساواة والعدالة بين كافة فئات المجتمع .