الأدب والصحافة، تذكرة ذهاب وإياب

 

حسن الوزاني

إن العلاقة بين الأدب والصحافة قديمة وعريقة، حيث كلاهما يكمّل الآخر، فلطالما ساهم الأدب ونشر القصص والمقالات الأدبية والفنية في انتشار الصحف، بينما ساهمت الصحف بدورها وما زالت تساهم، شأنها شأن منابر أخرى، في دعم الساحة الثقافية .

قد لا يبدو غريبا أن تظل العلاقة بين الصحافة والأدب محاطة بكثير من التماهي، إذ لا يمكن تصور وجود أحدهما دون الآخر ، كما يندر أن نجد كاتبا يُقدم على نشر كتبه دون المرور عبر الصحافة، سواء عبر كتابة مقالات عابرة، أو عبر نشر نصوص إبداعية، أو عبر حوارات، أو على الأقل عبر ما يُكتب عنه. كما يندر أن تقفل الصحيفة الباب أمام أركانها الثقافية ، جانب من هذه العلاقة يعود إلى لحظة “الزواج الكبير” بين الصحافة والأدب المتزامنة مع حلول القرن التاسع عشر. إذ ستشكل الصحافة بإيقاعها الخاص والمختلف مصدر إغراء لكثير من الأدباء الباحثين عن فضاءات أوسع على مستوى تداول أفكارهم وعن قراء جدد، مع ضمان مصدر مالي قار، لم يكن ليوفره نشر عشرات الكتب .

وسيكون ذلك وراء التماهي بين مفهومي الأديب والصحافي إلى درجة أن عددا من قواميس اللغة الصادرة خلال منتصف القرن التاسع عشر كانت تُعَرّف الأديب بالصحافي والصحافي بالأديب. وذلك قبل أن تصير للصحافة مهنتها ومدارسها ومؤسساتها الخاصة .

في الواجهة الأخرى، كانت الصحافة، سواء اليومية منها أو الأسبوعية أو الشهرية، في حاجة إلى البحث عن قراء جدد، من باب الرفع من مبيعاتها وتطوير قدرتها الاقتصادية. وذلك في سياق التنافس بين العناوين التي تتقاسم نفس السوق .

وكان ذلك يقتضي العمل على تنويع منتوجها، بعد أن استنفدت أخبارُ الحوادث قوة إغرائها. وكانت وصفة اللجوء إلى الأدب والأدباء هي الأفضل، حيث صارت الروايات المتسلسلة، على سبيل المثال، الضيف المدلل الذي يشغل الصفحات الأساسية للكثير من الصحف. بل إن كثيرا من الجرائد، ومنها على سبيل المثال جريدة الفيغارو الفرنسية، كانت تحرص على إغراق جدران مدينة باريس وغيرها من المدن الفرنسية بملصقات خاصة بالإعلان عن مواعيد نشر رواية متسلسلة ما، باعتبار ذلك حدثا ينتظره الجميع، كما تكشف عن ذلك الملصقات المرقمنة التي يتيحها موقع غاليكا التابع للمكتبة الوطنية الفرنسية .

قد يعجبك ايضا