د . صباح اليليا القس
هو احد شعراء الدولة الاموية , ويوصف بالدميم الاحمر , ولأنه شاعر معروف بشعره الغزلي لا سيما بعد انتشار غزلياته بـ ( عزّة ) التي كتب فيها ولها اجمل قصائد العشق ولاجل هذه الشهرة فقد وصفه المؤرخون بانه شديد التيه والكبر , معجب بنفسه وفي الوقت نفسه يقال انه أحمق مغفل وللناس فيما يقولون مذاهب فمنهم من يمدح ومنهم يهزأ ولسنا نستطيع الان ان نرفض او نثبت صحة تلك الروايات ..
هذا التشتت في صفته ربما جاء بسبب نسبه الذي يدعيه هو من كنانة قريش والنسابون والاخباريون يلحقونه بخزاعة ولكنه يأبى الا ان يكون من قريش للتباهي والتميز حتى على القريشيين انفسهم .. هذا الاشكال في نسبه وفي صفاته وحتى غفلته وحمقه ربما جاء بسبب دمامته حتى قيل انه كان بشع المنظر بحيث تنفر منه النفوس ..
استقبله قُوَّاد وخلفاء بني أُمية واحسنوا له الرفادة والعطاء حتى وصفوه بشاعر الامويين الذي يستطيب لهم وجوده في مجالسهم ذلك لانهم كانوا يبحثون عن شاعر له من السمعة والشاعرية ما يعني انتشار واتساع اشعاره فيهم وكان ان يقدموه طلبا للصيت والاعلان والشهرة ذلك ان الشاعر في ذلك الوقت كان يأخذ دور الاعلامي في زمننا الحاضر فما يقوله في المدح في الشام تجد صداه عبر القوافل في الامصار الاسلامية جميعا ينقله الرواة ويسعى الى اثباته المدونون .
اما في الغزل فهناك اراء في هذا الجانب فالشاعر كُثَّير وبحسب الصفات السابقة من الصعب على من تسمّى عزة ان تبادله الحب والعشق والغرام ..
ويروى انه كان يعاني اختلافات وخروقات عقلية منها انه تغزّل بـ ( بثينة ) بقوله فيها :
رمتني على عمد بثية بعدما تولّى شبابي وارجحن شبابها
حتى اذا حانت منه إلتفاتة الى الجانب رأى ( عزة ) فقال مستدركا :
ولكنما ترمين نفسا مريضة لعزةَ منها صفوها ولبابها
ويسود الاعتقاد بان هذين البيتين مصنوعان لما فيهما من تكلف لا يناسب شاعرية كثيّر .
لا بد من الاشارة ان الرأي السائد هو ان الشعراء سابقا وربما حاليا لا يصرحون باسماء الحبيبات خشية افتضاح امرهن ما يسبب احراجات ومشاكل قد تؤدي الى الاقتتال والحروب وإلا فليس من المعقول ان يتغزل امرئ القيس بأربع نساء في معلقته ..
هذا القول قد يعطينا تصوراً ان كُثيِّر نشر اسم عزة وغيّب اسم الحبيبة المقصودة لا سيما ما ابدعه من شعور جارف وحب عنيف وقلب متوجع وعاطفة فياضة يقول :
وقال خليلــــي مالها اذا لقيتهــــا غداة السنا فيها عليك وجــــوم
فقلتُ لهـــم ان المـــــودة بيننـــا على غير فحش والصفاء قديم
وإني وإن اعرضت عنها تجلّدا على العهد فيما بيننا مقيـــــــم
وإن زمانــا فرق الدهـــر بيننا وبينكم في صرفه لمشــــــــومُ
هذا القول اللاهب والحب الجارف قد يعطينا تصورا انه لم يتبادل الحب مع عشيقته وربما لم تكن هناك علاقة متبادلة اي حب من طرف واحد وهذا الامر هو الذي أجج العاطفة .
إن التمنّع والتجافي والحرمان هذه الصفات هي التي حفزت الشعراء العشاق على الحب والقول العاطفي والوجداني الذي يزدهي به الادب العربي .