جليل إبراهيم المندلاوي
في خطوة مفاجئة هزت الأوساط السياسية في إسرائيل وأثارت تساؤلات حول دلالاتها الإقليمية والدولية، أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت، في وقت حساس للغاية يعصف بالمنطقة بأحداث متسارعة، ورغم أن هذه الخطوة يمكن أن تبدو في ظاهرها مجرد تعديل داخلي في الحكومة الإسرائيلية، إلا أن توقيتها وطبيعتها تحمل في طياتها رسائل أوسع تتجاوز السياسة الإسرائيلية المحلية، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول العلاقة المحتملة بين هذه الإقالة وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية 2024، فهل تكون إقالة غالانت جزءاً من إعادة ترتيب الأوراق في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة في عهد ترامب؟ وهل هناك علاقة بين هذه الخطوة والتحولات في السياسات الأمريكية في المنطقة؟
تعتبر إقالة يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، جزءاً من التوترات الداخلية بين نتنياهو وحكومته التي تضم أطرافاً متباينة في المواقف السياسية، حيث جاء قرار الإقالة في وقت حساس بعد أن عبر غالانت عن معارضته لبعض السياسات الداخلية لحكومة نتنياهو، خاصة فيما يتعلق بالإصلاحات القضائية المثيرة للجدل، التي أدت إلى احتجاجات واسعة في إسرائيل، ورغم أن غالانت كان قد شغل منصب وزير الدفاع منذ عام 2022 وكان له دور بارز في ملفات الأمن والسياسة الدفاعية، إلا أن معارضته للسياسات الداخلية لنتنياهو جعلت مكانه في الحكومة غير مستقر، وهناك ما هو أبعد من الخلافات الداخلية، إذ أن توقيت إقالة غالانت جاء بالتزامن مع توترات أمنية متصاعدة في المنطقة، خاصة في ظل التصعيد غير المسبوق بين إسرائيل وإيران وأذرعها في المنطقة، خصوصا في سوريا ولبنان، إضافة إلى الاحتقان المستمر في قطاع غزة، في هذا السياق، قد تكون الإقالة خطوة تكتيكية من نتنياهو لترتيب أوراقه مع القوى الدولية والإقليمية، وهو ما يمكن أن يفسر جزئيا العلاقة المحتملة بين هذه الخطوة وفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية المقبلة.
فمع فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، فإن هذا سيكون له تأثير بالغ على سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة في العلاقة مع إسرائيل، فترامب، الذي كان قد تولى الرئاسة بين 2016 و2020، تبنى سياسة دعم غير مسبوق لإسرائيل، وأعلن عن خطوات هامة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، والدعم المطلق للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، فإقالة غالانت قد تكون، في سياق هذه التحولات المحتملة، وخطوة متماشية مع إعادة ترتيب الحكومة الإسرائيلية استعداداً لتقوية العلاقة مع واشنطن في ظل قيادة ترامب، وبالنظر إلى سياسات ترامب المؤيدة بشكل علني لإسرائيل، فقد يسعى نتنياهو إلى ضمان استمرار الدعم الأمريكي القوي من خلال تعزيز العلاقة مع القوى اليمينية داخل حكومته وتوضيح التوجهات الاستراتيجية للمرحلة المقبلة، فقد تكون إقالة غالانت، بمثابة حلقة في سلسلة من التوترات السياسية بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع وإشارة إلى أن نتنياهو يفضل وجود حكومة أكثر تطرفاً يمكنها مواجهة التحديات الإقليمية بشكل حازم، وهي سياسة قد تتماشى مع توجهات ترامب الذي كان يميل إلى اتخاذ مواقف حاسمة ضد إيران والسلطة الفلسطينية، كما دعم بقوة الجناح اليميني في السياسة الإسرائيلية، لذلك سيشكل فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، فرصة لإسرائيل للعودة إلى التحالف الوثيق الذي جمعها مع الإدارة الأمريكية خلال فترة رئاسة ترامب، لكن هذا التحالف قد يفرض على إسرائيل بعض التحديات، حيث سيكون من الضروري بالنسبة لها أن تتكيف مع الضغوط الأمريكية التي قد تأتي مع بعض السياسات الأكثر تشدداً تجاه إيران وتجاه قضايا الشرق الأوسط بشكل عام.
كما إن إسرائيل قد تجد في فوز ترامب فرصة للضغط أكثر على الدول العربية المعتدلة للمضي قدماً في عملية التطبيع والتعاون الإقليمي، وهو ما كان ترامب قد نجح فيه عبر “اتفاقات إبراهام”. لكن، في المقابل، ستكون هناك ضغوط متزايدة داخل المجتمع الأمريكي بشأن قضايا حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين، وهو ما قد يثير تحديات للحكومة الإسرائيلية إذا حاولت المضي قدماً في سياسات أحادية الجانب.
بالنظر إلى هذه السياسات، فإن إقالة غالانت قد تكون جزءًا من محاولة لتهيئة الحكومة الإسرائيلية في المستقبل لتقوية علاقتها مع إدارة ترامب القادمة، غالانت كان يعد أحد الشخصيات العسكرية المعتدلة التي قد تتبنى سياسات أكثر توازنًا في التعامل مع إيران والجناح اليميني الفلسطيني. بينما يعتبر نتنياهو أكثر توافقًا مع الجناح اليميني في السياسة الإسرائيلية، والذي قد يراه ملائمًا أكثر لمواجهة التحديات الإقليمية في حال استمرار الدعم الأمريكي القوي، فإقالة غالانت لا تقتصر على تغيير في الشخصية العسكرية الإسرائيلية، بل قد تكون بداية لتحولات أوسع في السياسة الأمنية الإسرائيلية، خاصة في ظل التطورات المتسارعة في الملف الإيراني. تحت حكم ترامب، قد تتبنى إسرائيل سياسة أكثر هجومية ضد إيران وأذرعها في المنطقة، وهو ما يتطلب استراتيجيات عسكرية مرنة واستعدادات غير مسبوقة لمواجهة تهديدات قد تكون أكثر شدة.
من جهة أخرى، هناك إمكانية لظهور سياسة أمريكية أكثر عزلة أو أكثر توافقاً مع القوى الإقليمية الأخرى، مثل روسيا أو الصين، في حال تغيرت التوجهات السياسية في الولايات المتحدة. ومع صعود ترامب، الذي أظهر ميلاً نحو العمل بمفرده، قد يجد نتنياهو نفسه مضطراً للتعامل مع تقلبات السياسات الأمريكية، بينما يسعى إلى تحقيق مصالح إسرائيل الأمنية في المنطقة، وفي الوقت ذاته، تواجه إسرائيل تحديات معقدة في تعاملها مع ملفات حساسة مثل إيران وفلسطين، التي ستظل محورية في سياساتها، من هنا، فإن إقالة غالانت قد تكون مجرد بداية لتحولات أوسع في السياسة الأمنية والدفاعية الإسرائيلية، مع تزايد دور أمريكا في صياغة المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط.