صراع العمالقة في إفريقيا: كيف تواجه القارة ضغوط التنافس بين أمريكا والصين بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية؟
نبيل خالد مخلف – باحث سياسي
يُشكل التنافس الاستراتيجي المتزايد بين الصين والولايات المتحدة عاملاً حاسماً في إعادة رسم البيئة الجيوسياسية للقارة الإفريقية، إذ تلعب الصين اليوم دوراً اقتصادياً متنامياً من خلال مشروعات استثمارية ضخمة في مجالات البنية التحتية، والاتصالات، والطاقة، والتعدين، والزراعة، والصناعة، وهو ما يجعل من إفريقيا ساحة للتنافس بين القوتين، في حين تجد الدول الإفريقية نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات صعبة بشأن الشراكات الاستثمارية التي تلبي مصالحها دون الانحياز لطرف معين أو جعل الأرض الأفريقية ساحة لتصفية الحسابات من أجل ضمان مصالح هذه الدول في إفريقيا.
المشهد الأول: احتمالية فوز دونالد ترامب
في حال أن الجماهير الأمريكية أُعيدت انتخاب دونالد ترامب، فمن المتوقع أن تتشدد سياسته تجاه الصين، مما قد يعمق الانقسامات الجيوسياسية ويعقّد علاقات إفريقيا مع البلدين، خاصةً وإن إدارة ترامب السابقة اتسمت بموقف صارم من النفوذ الصيني، وفرضت ضغوطًا على العديد من الدول الإفريقية للابتعاد عن التقنيات الصينية، خاصة في مجالات الاتصالات وتقنيات الجيل الخامس (5G)، مبررة ذلك بمخاطر أمنية متعلقة بشركات مثل “هواوي”، حيث أثرت هذه الضغوط بشكل مباشر على دول مثل كينيا وغانا، التي تجد صعوبة في تلبية احتياجاتها التكنولوجية دون الإضرار بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، كما أن سياستهُ ارتكزت وبشكل كبير على فرض التعريفات الجمركية والعقوبات التجارية على الصين وهي ما كانت ورقة ضغط مؤثرة اسهمت في تعقيد العلاقات بين إفريقيا والصين، لاسيما بالنسبة للدول الإفريقية التي تعتمد بدرجة كبيرة على الاستثمارات الصينية في مشاريع البنية التحتية.
وبذلك، تسعى الصين من جانبها، إلى تعزيز وجودها في القارة الإفريقية من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، التي تقوم بتمويل مشاريع بنى تحتية كبرى مثل ميناء مومباسا في كينيا وخطوط السكك الحديدية في إثيوبيا، وبالرغم من أهمية هذه المشاريع للتنمية الاقتصادية على القارة ككل، إلا أنها تضع الدول الإفريقية أمام خيارات صعبة؛ إما الاستمرار في الاستفادة من الدعم الصيني والمخاطرة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، أو الانحياز لواشنطن والتخلي عن الاستثمارات الاستراتيجية التي تكاد أن تكون فرصة كبيرة للتنمية الإفريقية وتغيير الاوضاع.
المشهد الثاني: احتمالية فوز كمالا هاريس
أما في حال أن الجماهير الأمريكية اختارت فوز كمالا هاريس بالرئاسة في انتخابات 5 نوفمبر 2024، فإنها ومن المحتمل أن تعتمد على سياسة أكثر توازناً وتعددية في التعامل مع النفوذ الصيني، مما قد يمنح الدول الإفريقية مساحة أكبر للمناورة، إذ يتميز الديمقراطيون عادةً بسياسة متوازنة تسعى لتعزيز التعاون دون فرض ضغوط كبيرة على الدول الأخرى للانحياز في التنافس بين القوى، هذا النهج من السياسة يتيح لإفريقيا تحقيق الفائدة من الشركات الاستثمارية دون وجود ضغوطات، ومن جانب أخر من الممكن أن تدعم إدارة هاريس مشاريع تنموية شفافة ومستدامة مثل مبادرة “ازدهار إفريقيا”، التي تهدف إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز العلاقات التجارية مع إفريقيا بشكل متكامل، مما يتيح للدول الإفريقية الاستفادة من استثمارات كلا الطرفين دون الدخول في صراع على المصالح.
في ظل هذه المشاهد المتشابكة، نجد أن إفريقيا نفسها أمام ضرورة عاجلة وهي بناء علاقات متوازنة مع الصين والولايات المتحدة، والاستفادة من الفرص التي يقدمها كل طرف دون التضحية باستقلالية قراراتها، وسيكون التحدي الوحيد أمام القارة هو الحفاظ على استقلالها والسعي لتطوير نموذج للتعاون الإقليمي والدولي الذي يحقق أهداف التنمية المستدامة، ويعزز من استقرارها السياسي والاقتصادي.