٢٦/ ٥/ ١٩٧٦
الجزء الرابع عشر
تأليف: أسعد عدو
ترجمة: بلند داوود
تقديم: د. عبد الفتاح علي البوتاني
تحرير صحفي: سالم بخشي
ملحمة بيّلمبيرىّ
منذ فترة وأنا متعطش لتدوين وتوثيق تأريخ بدايات ثورة كَولان، التي اسميتها في كتابي باسم امتداد ثورة أيلول، والتي دقت جرس الإنذار في كوردستان بتاريخ (26/5/1976).
ولهذه الغاية زرت زاخو، لكي أقوم عن قرب بفك بعض الشفرات المفقودة لتلك الأيام على لسان هؤلاء الأشخاص الذين شاركوا في بداية انطلاق الثورة! وزرت في مقدمتهم عائلة المناضل المعروف في المنطقة الشهيد (حاجي قادوّ) وأريد أن اوضح لقرائي ومؤيدي نهج البارزاني الخالد بشجاعة أولئك الأبطال الذين كرسوا حياتهم للنضال القومي في تلك الظروف البالغة الصعوبة، وازالوا غبار الانتكاسة عن أكتاف ابناء شعبنا، وخضبوا جبال ووديان كوردستان بدمائهم الزكية.
وبهذه المناسبة سأذكر للجيلين الحالي والقادم حقيقة ملحمة (بيّلمبيرىّ)المعروفة، وقصة نمر كَرافيا المعروف (حاجي قادوّ) في أيام النضال السري، قام مجموعة من شباب زاخو لفترة زمنية محدودة بالتمرد على النظام! وبعودة البارزاني الخالد من الاتحاد السوفييتي، انتهى ذلك الوضع القاسي في زاخو أيضاً.
حجي قادوّ والذين من جيله من أهل زاخو وضواحيها، مثل علي هلوّ وعمر لعلي ومحمد خالد بوصلّي وآخرين غيرهم، حملوا سلاح الثورة منذ كانون الأول من عام 1961، وبالنتيجة أصبح حاجي قادوّ قائداً للحرس في قوات زاخو، وفي 1968، منح رتبة آمر سرية في الكتيبة الثانية في زاخو، وفي 1973 اختير نائباً للكتيبة الرابعة، والتي كان آمرها حينذاك (سيد عبوش سليّفاني) وفي عام (1974) منح رتبة آمر الكتيبة الرابعة، وكان مقره في (جياي سبي) إلى أن توقفت الثورة. ثم يتراجع مع بيشمركته نحو (جلكا كَولي)، ومن ثم إلى (خنوكا)، بالقرب من قرية (آروش قشوري باكور) ومن ثم ينسحبون بمساعدة المرشد (هجري خمي) إلى (كوّماته، بيرمان، قزوانوك، دوّلي حاجي صادق) ومن هناك يصلون بمساعدة زعيم كَرافيان المحامي (عبد الخالق سعيد آغا) وكذلك بمساعدة (محمد أمين جلكي) ويمكثون عند (جيهانكير آغا دري) في قرية (سيروّ) ومن هناك يجتازون الحدود نحو كوردستان إيران، وفي آيار 1975، يصلون إلى مدينة (نغدة) عند (أسعد خوّشوي).
عادل حجي قادو: قبل ان تبدأ ثورة كولان في (26/5/1976) هاجم الاخ حميد هجر كرافي مع بيشمركة ايلول القدامي مخفر الشرطة وتمكنوا من الاستيلاء على (21) بندقية سمينوف
بعد مكوث لمدة شهرين في إيران، يعود (حاجي قادوّ) لوحده إلى قرية (خيزوي حسن طيب) على الحدود من أجل اصطحاب عائلته وأولاده، عند وصوله إلى إيران يتم اعتقالهم جميعاً ويسلمون للنظام العراقي عن طريق منطقة (خانىّ) الحدودية، ثم تم الإفراج عنهم بعد مضي شهرين، ويتجه نحو الشمال إلى أن يصل قرية (دولي حاجي صادق) التي كانت بمثابة مركزاً للإعداد لثورة كَولان.
ومن أجل الاطلاع على التفاصيل الأولية والتحضير للعودة النهائية إلى كوردستان باعتبارها القاعدة الأساسية للنضال، تحدثنا هذه المرة مع بيشمركَة مفرزة كَولان الاولى (عادل حجي قادوّ)، الذي قال: بعد اعتقال والدي وعائلتنا وتسليمهم إلى العراق، كنا نعيش أنا وإثنين من أشقائي في بيت خالي هاشم رمضان (أبو عنتر) في مهاباد، وإن لم أكن مخطئاً أنا وشقيقي نادر مع أبو عنتر، وعبد الله رمضان (أبو نوال) وصهرهم سيد حسن وزوجته وطفليه الصغيرين (أبنته شونم، وابنه دلوّ) جئنا إلى نغدة، في الفترة ما بين شهري آب وأيلول! وبعد لقاء القائد إدريس بارزاني، واستلام عدة رسائل موجهة إلى تركيا، إلى (محمد أمينبايىّ ،حاجي صادق دولىّ، عبدالخالق سعيد آغا زعيم كَرفان، مام يوسف بيّرمان)، وفي الليلة التالية ذهبنا إلى قرية طاهر خان باتجاه (كافالانكىّ) إلى أن وصلنا إلى دار (محمد أمين بايىّ) وهناك ألتقينا (حميد شريف، عمر لعلي)،وعدد آخر كانوا متجهين الى إيران)، ومن هناك عادوا معنا إلى قرية (مليسا)، إلى بيت ابن مام يوسف بيرمان ومن ثم الى قرية (دولى) بيت حاجي صادق وحينذاك كان ابو عنتر هو مسؤولنا مع انه كان شخصاً قروياً، فمثلاً انا وشقيقي نادر تم تكليفنا بـالتوجه الى (هكاري)، وجماعة حميد شريف بمنطقة (كوييان) ابو عنتر والآخرون الى (بيرمان)، اي ان كل من يأتي من ايران او من العراق ليزور احد تلك الأماكن، كان لابد له ان يمر بمجموعة ابو عنتر الذي كان له الدور الرئيس في ايصالهم الى المكان المطلوب، وتسهيل الطريق للمسؤولين القادمين الى المنطقة.
بعد اعتقال والدي وعائلتنا وتسليمهم إلى العراق، كنا نعيش أنا وإثنين من أشقائي في بيت خالي هاشم رمضان (أبو عنتر) في مهاباد
في شهر كانون الاول عام (1976) اُبلغنا بان كل من سليم سوراني (جوهر نامق) وحسن سنجاري (كريم سنجاري)، قد وصلا الى قرية (سنى) بالقرب من شيرناخ، بوصول هذين القياديين الى كوردستان تركيا عن طريق الحزب الديمقراطي الكوردستاني تركيا والموالين لعائلة البارزاني، وصلا الى بيت مام يوسف في (بيرمان) عندئذ بدأت مرحلة الحركة والتواصل واللقاءات مع اهالي المنطقة والتنظيمات الحزبية وفي النهاية توزيع الذين وصلوا الى المنطقة على شكل مفارز صغيرة، وكذلك تقرر دخول البيشمركة الى جنوب كوردستان، وفي ذاك المساء وتعبيراً عن فرحتهم بالقرار، قام البيشمركة بتنظيم احتفالية صغيرة تخللتها اغاني ودبكات كوردية جميلة على الحان مزمار (اسماعيل بامرني) قام والدي (حجي قادو) مع بيشمركته الذين حسبما اتذكرهم هم: (سليمان ريتو، اسماعيل بامرني، عثمان قاسم، عمر لعلي، عبد الرحمن صالح، عبد الله صالح، جبار هروري، محمد ميرزا، عبد الكريم فرعو، محو كه وده) بالتوجه نحو (كوفك) الى مفرزة (احمد شانه) ومن هناك الى (بيلمبيرى) والى حميد شريف وجماعته والى منطقة (سندي، كوييان).
وتابع عادل حجي قادو حديثه وكأنه تذكر شيئاً وقال: صدقوني قبل ان يبدأ إطلاق رصاصة بدء ثورة كولان في (26/5/1976) هاجم الاخ حميد هجر كرافي شقيق الشهيد حسن كرافي في قرية (هوركى) مع بيشمركة ايلول القدامي مخفر الشرطة وتمكنوا من الاستيلاء على (21) بندقية سمينوف!
والاخ حميد هجر كرافي كان يخرج كآمر مفرزة ويقوم بجولة في الشوارع برفقة والدي.
مع انتشار اخبار نشاطات البيشمركَة في وسائل الإعلام العالمي، بدأ بيشمركَة أيلول القدامى بالالتحاق بصفوف الثورة، ولكثرة اعداد مقاتلي البيشمركة، تقرر تقسيم القطاع الأول (بادينان)إلى قطاعين، وتم اختيار عبد الرحمن بيدّاوي (الملازم سربست) مسؤولاً للقطاع الثاني في هركي وبيّداو.
يقول عادل حاجي قادو حول ملحمة (بيّلمبيرىّ) مايلي: كنت في مقر الأخ جوهر نامق والأخ كريم سنجاري، وكان هناك كل من (صبري علي حيدر) مسؤول حماية الأخ جوهر وأبو حديد سنجاري، زهير بامرني وشقيقه، تتو مام يوسف بيّرمان، وكان جوهر يكتب منشوراً بمناسبة الذكرى السنوية للثورة، ونحن كنا نطبعه على الرونيو، وعندما عاد رعاة (بيّرمان) إلى القرية أخبروا جوهر عن سماعهم أصوات انفجارات وقصف المروحيات، وبعد الساعة الواحدة ليلاً وصلت إلى المقر رسالة من (الملازم محمد)! وترك جوهر الطباعة، وذهبنا معاً إلى منطقة القتال، وبعد ساعة ونصف جاء الأخ عثمان قاسم وشقيقه سراً باتجاه بيّرمان، وأخبروا الأخ جوهر بنبأ استشهاد حجي قادوّ!، وفي الليلة الثانية من المعركة، وصلنا إلى المكان المنشود، فحفرنا (11) قبراً للشهداء تحت شجرة الزيزفون وقام المضمد (سرهنك) بمعالجة الجرحى والذين وصل عددهم (21) جريحاً، وكان جوهر والملازم محمد ومحمد خالد بوصلّي يتحدثون بسرية، وأخبروني بهدوء وحزن خبر استشهاد والدي، ولكن عدم ظهور والدي بيننا عند وصولنا جعلني اشعر في داخلي بأنه قد استشهد!
عندما جلسنا، قال أحد رفاق والدي: ليلة أمس كان حجي قادوّ جالساً على تلك الصخرة، تحت شجرة التفاح، وكان يقول: لقد حدثتني والدتي وقالت بأنه قبل اندلاع الصراع بين الحكومتين التركية والعراقية بعدة ايام، لم يسمحوا لنا اخذ ماشيتنا إلى المصايف الجبلية، ولذلك بقينا في وادي (خنوكا) وتحت الشجرة نفسها اعطتني التوت! واضاف قائلاً: المعجزة لا تكمن اين ولد حجي قادوّ، وأنما المعجزة أين دفن؟!
مع انتشار اخبار نشاطات البيشمركَة في وسائل الإعلام العالمي، بدأ بيشمركَة أيلول القدامى بالالتحاق بصفوف الثورة من جديد وتوسعت قطاعات المقاتلين
وفي ذاك الحين وعندما كان ابن اخت حميد ميراني الذي كان يعرف بـ (الطير الحر) ينظف سلاحه اصاب خالد بسبعة اطلاقات! ولكن المضمد (سرهنك) وضع رجليه في مياه النهر ومن ثم بدأ يخيط له جروحه!
جدير بالذكر ان ابو عنتر اعلن إن يوم (25/5/1977) كان موعد انطلاق ملحمة (بيلمبيرى) ،لكن الاخ عادل يقول: بتقديري كان يوم (23/5/1977) لأننا قبل حلول الذكرى كنا منشغلين بإصدار المنشور، وبشأن معركة (كوماته) يقول عادل: في ذكرى الثورة في 1977 عندما كان الاخ غازي زيباري لوحده مسؤولاً في المنطقة كنا نعد انفسنا لتنظيم حفل غنائي وتقديم مسرحية بعنوان (ريبر) ولكن الجيش قام بهجوم واسع على مقراتنا في (كوماته) في الوقت الذي كان (16) مقاتلاً من البيشمركة فقط يمتلكون سلاحاً في حين كان هناك (50- 60) شخص وصلوا مقرنا لحمل السلاح ومقاتلة العدو.
كنا نرى قوات الجيش يتحركون نحو جبل (كيسته) وهم يصعدون سيراً على الاقدام نحو (اشكفته رش) واسلحتنا كانت عبارة عن:
– دوشكه ايشو.
-هاون من دون قاعدة كان البيشمركة طاهر حجي عبد الله قد صنع له قاعدة من قطعة حجرية ومعه ثلاث قذائف فقط!
دوشكة سعيد دمبو
– أربع قطع رشاش الـ (بي. كي. سي) وكان جمال زاويتي يشرف عليها.
-جهازي لاسلكي صغيرين واحد لدي لأنني كنت مع الاخ غازي زيباري، والآخر كان لدى جمال زاويتي.
بالمقابل كانت هناك (11) طائرة سمتية تتجه نحونا من الحدود التركية.
مع بدأ المعركة، لحقت بنا مفرزة عثمان قاسم، وكذلك التحق بنا العديد من المقاتلين الكورد من تركيا، وكان هناك أيضاً اشخاص من دون أسلحة كانوا يمدوننا بجلب المياه ونقل الذخيرة، وتعبئة شرائط اطلاقات الرشاشات ومخازن الأسلحة، لحسن الحظ لم يستشهد ولم يصاب أحد منا، لكن قوات الجيش تكبدت خسائر بالأرواح، حيث قتل (64) منهم بين ضابط وجندي وجرح عدد اخر، جلهم قتلوا نتيجة قذائف الهاون الثلاثة التي أطلقها المقاتل طاهر بهاونه المتهرئ.
في المساء تقرر أن نخلي المقر، وننقل أسلحتنا إلى (بيّرمان)، وعندما أوصلنا ذخائرنا ومعداتنا إلى المكان المحدد، وصل عبد الرحمن كَوندكي حاملاً إلينا على ظهر (20) دابة، كمية من الأسلحة والأجهزة الضرورية للأذاعة، بعد استلام الاسلحة والعتاد عدنا في اليوم الرابع إلى مقرنا في (كوّماته).