التآخي – وكالات
تتعالى انتقادات قادة مصر والأردن والإمارات، للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان، بيد أن الانتقادات لم تعرقل التجارة مع الدولة العبرية؛ إذ استمر التعاون الاقتصادي مع إسرائيل كالمعتاد، لكن ماذا لو تفاقم الصراع؟
قبل السابع من تشرين الأول العام الماضي وهجوم حماس الذي استهدف جنوب إسرائيل، دأب مجلس الاعمال الإماراتي-الإسرائيلي على نشر منشورات شبه يومية على منصات التواصل الاجتماعي للإشادة بحجم التعاون التجاري بين البلدين في أعقاب توقيع اتفاقيات أبراهام عام 2020.
بيد أن الأمر قد تغير عقب السابع من تشرين الأول 2023 يوم هجوم حماس على اسرائيل؛ إذ تعود آخر معلومات نشرها المجلس ومقره تل أبيب، إلى الثامن من الشهر ذاته، ولم يرد المجلس على استفسارات لوكالة الأنباء الالمانية بشأن سبب التوقف عن الاحتفاء بتحسن العلاقات مع إسرائيل، بيد أنه وبرغم ذلك، فإن العلاقات التجارية بين البلدين ظلت قوية بشكل نسبي.
ولطالما وجه قادة الدول العربية التي تقيم علاقات تجارية مع إسرائيل مثل الإمارات والأردن ومصر، انتقادات حيال العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.
وتعد دول عدة منظمة حماس الفلسطينية “إرهابية” كما تعد دول عدة ايضا حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة “إرهابية”. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ “منظمة إرهابية”.
ومع تزايد حصيلة القتلى، تصاعدت وتيرة تصريحات القادة العرب وأصبحت أكثر حدة. فعلى سبيل المثال، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في لندن قبل أيام “إن هناك تطهيرا عرقيا يجري” في شمال قطاع غزة.
ويوضح الصفدي إن “الوضع الإنساني صعب حقا. عندما ننظر إلى شمال غزة نرى تطهيرا عرقيا، وهو ما يجب أن يتوقف”. وتنفي إسرائيل مثل هذه الاتهامات، قائلة إنها تعمل على فصل المدنيين عن مسلحي حماس ونقلهم إلى مناطق أكثر أمنا، على حد وصفها.
ومؤخرا وفي الاتصال الهاتفي مع نظيرته الفنلندية، أدان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي “التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان، وارتكابها لانتهاكات صارخة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وتجاوزاتها ضد وكالة الأونروا وقوات اليونيفيل”.
وفي الإمارات، يشدد مسؤولوها على ضرورة إقامة دولة فلسطينية لتمهيد الطريق أمام إنهاء الصراع الدائر وتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط.
وشددت السعودية على القول؛ ألا تطبيع مع إسرائيل من دون مسار لإقامة دولة فلسطينية.
ورغم الكم الكبير من الانتقادات، إلا أن العلاقات التجارية بين هذه الدول وإسرائيل لم تتوقف؛ إذ جاءت الإمارات في المرتبة الأول في حجم التجارة مع إسرائيل تليها الأردن ومصر والجزائر والمغرب والبحرين.
وأفادت البيانات الشهرية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل، بأن حجم الصادرات والواردات بين إسرائيل وهذه الدول ظل إيجابيا إلى حد ما على مدى العام الجاري.
وأشارت البيانات إلى أن حجم التجارة بين إسرائيل والأردن في آب الماضي كان متساويا بشكل كبير مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي حيث بلغ الانخفاض نسبة واحد بالمئة فقط.
في المقابل، نمت حركة التجارة بين مصر وإسرائيل في شهر تشرين الاول ٢٠٢٤ بنسبة أكثر من 30 بالمئة في تكرار لنمو التجارة بين إسرائيل والمغرب والبحرين على مدار العام. وكانت البحرين قد أعلنت في تشرين الثاني العام الماضي وقف العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
أما فيما يتعلق بالإمارات، فقد بلغ حجم إجمالي التجارة بينها وبين إسرائيل نحو 2.9 مليار دولار في العام الماضي مع توقعات بارتفاع النسبة العام الجاري؛ إذ على مدار الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بلغ إجمالي التجارة بين البلدين 1.922 مليار دولار بالفعل.
وفي حال استمرار الوضع على المنوال نفسه، فقد يصل إجمالي التجارة بين الإمارات وإسرائيل إلى 3.3 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري. بيد أن خبراء يشيرون إلى صعوبة التنبؤ بمستقبل العلاقات التجارية البينية خاصة وأن الزخم الذي أوجدته اتفاقيات أبراهام تباطأ في ضوء انخفاض حركة السياحة والتعاون اللوجستي.
في المقابل، قال رجال أعمال عرب وإسرائيليون للصحفيين إن الصفقات التجارية مازالت قائمة، لكن عددها قد انخفض فضلا عن عدم الرغبة في مناقشتها علنا. وفي مقابلة، تقول دينا اسفندياري، المستشارة البارزة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن الأعمال التجارية “توسعت في بعض الحالات”.
وأضافت “هناك أعمال تجارية بين إسرائيليين وشركات مملوكة للحكومة الإماراتية التي تشكل الغالبية ثم تأتي في المرتبة الثانية الأعمال التجارية بين شركات إسرائيلية وشركات القطاع الخاص الإماراتية. وقد توقف كل هذا تقريبا لأن القطاع الخاص أصبح متوترا للغاية بشأن المضي قدما في إبرام الصفقات التجارية مع إسرائيل”.
وقالت إن “المسألة تتعلق بمخاوف تعرض سمعتهم للخطر، حيث أن الشركات المملوكة للدولة لا يساورها مثل هذه المخاوف،” مشيرة إلى أن بعض الشخصيات الإماراتية لم تعد تدعم اتفاقيات أبراهام على خلاف موقفها السابقة.
واستشهدت في ذلك بموقف ضاحي خلفان، نائب قائد شرطة دبي، الذي يتابعه 3.1 مليون شخص على منصة أكس. وكتب خلفان “فعلا العرب أرادوا السلام لكن قادة إسرائيل لا يستحقوا الاحترام.”
من جانبه، يقول روبرت موجيلنيكي، الباحث المقيم لدى معهد دول الخليج العربي في واشنطن، إن رجال أعمال عرب “يستخدمون حسابات مختلفة للوقوف على حجم المخاطر والمكافآت المرتبطة بإتمام العلاقات التجارية مع إسرائيل، لكن العلاقات الاقتصادية والتجارية يمكن أن تظل لزجة للغاية وسط تصاعد التوترات الدبلوماسية والأزمات الإقليمية الأخرى”.
اما إسفاندياري فتقول، أن الإمارات قد ترى في مرحلة ما أن تقليص العلاقات التجارية مع إسرائيل قد يكون بمثابة وسيلة للضغط عليها للمضي قدما في إبرام هدنة في غزة في ظل ما تعانيه إسرائيل من صعوبات اقتصادية متزايدة بسبب الصراع.
وقالت في مقابلة، إن الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهام من غير المرجح “أن تغير خططها بشكل جذري. عندما تتحدث إلى مسؤولين إماراتيين، فإنهم غالبا ما يسلطون الضوء على أن علاقتهم بإسرائيل هي التي سمحت للإمارات بتوجيه المزيد من المساعدات إلى غزة أكثر من أي دولة أخرى”.
وأضافت أن الأمر “ليس منحصرا في ذلك. الإماراتيون لا يريدون التراجع عن العلاقة مع إسرائيل لأنها تصب في مصلحتهم. قد تكون العلاقات الاقتصادية بمثابة وسيلة لتحفيز عملية صنع القرار الإسرائيلية في المستقبل، لكن في الوقت الحالي، أعتقد أن احتمالات اتخاذ الحكومات العربية خطوات مباشرة لقطع جميع الروابط الاقتصادية القائمة (مع إسرائيل) ضئيلة”.
ويتفق في هذا الرأي خالد الجندي، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، قائلا: “استبعد قطع العلاقات التجارية لأنه مر أكثر من عام على الحرب في غزة، وبرغم تصاعد نبرة الخطاب السياسي، إلا أني أعتقد أنه إذا كانوا سيقطعون العلاقات، فكان يتعين عليهم فعل ذلك منذ وقت”.
وأضاف “أعتقد أن الفظائع التي ارتكبت على مدار العام أثرت بشكل عميق على الرأي العام.. سيكون من الصعب على إسرائيل تحسين صورتها في جميع أنحاء العالم العربي”.