الفكر الإنساني واهتماماته بالظاهرة السكانية

أ.د. نزار الربيعي

نظراً لأهمية المشكلة السكانية وما نتج عن الكتابات التي تركها المفكرين القدماء من امثال كونفوشيوس في الصين، علما انه لم يكن عالما مختصا من له اراء متعددة في ما يخص واجب الحكومة (انتقال الاماكن المكتظة إلى المناطق الأقل اكتظاظ، الناس يتميزون فيما بينهم من خلال التربية (توفير الغذاء) الثقة في الحاكم، التوزيع العادل للثروات، وأن العوامل المؤثرة في العمليات السكانية هي النقص في الغذاء والحرب.

أما أفلاطون وأرسطوا، فقد اهتما أيضاً بموضوع الحجم السكاني الأمثل للسكان الذي يعني عندهما الحد الذي يصل فيه الفرد إلى أقصى حد من الظهور ملكاته وامكانياته، والذي يستثمر فيه مواهب أبدع استثمار ليصل إلى أقصى سعادة ممكنة أو إلى الخير الكامل، فالحياة الخيرة هي الحياة الرغد الأمنة وهذا ما يبقيه مواطننا ونحن في القرن الحادي والعشرين فلا بد إذن ان يكون السكان من الكثرة بحيث يستطيعون ان يصلوا إلى حد الاكتفاء اقتصاديا ويستطيعون ان يدافعوا عن انفسهم ويحمون وطنهم من العدوان، كيف وان نسبة الفقر حاليا في العراق تجاوزت 17% حسب أخر احصائية إذا لم تكن أكثر؟

أما أرسطو الذي تلقى العلم على يد افلاطون حيث ضعف السكان على ثلاث أسس (وحدات المجتمع، المهن، العمر والجنس) حذر ارسطو من النمو غير المتماسك بين طبقات المدنية لما يترتب عن ذلك من ثروات واحتجاجات ومشاكل اجتماعية.

نعم فلاسفة اليونان كانوا ينشدون التناسب والانسجام والتوازن وكل تجاوز للحدود المتناسبة من الناحية الجمالية أو المنطقية هو شيء قبيح يدل على التأخر والتقدم بل العكس.

أما الاسلام اعطى قيمة عليا للمجتمعات السكانية ولأسباب دينية واقتصادية ونفسية، فهو ينظر إلى الأطفال باعتبارهم هبة من الله تعالى ونعمة في تربيتهم.
يرى ابن خلدون ان كثرة السكان تعني ازدياد العمران وازدياد الانتاج، ويمكن القول ان هناك علاقة بين التدهور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنهوض بالسياسة السكانية، أي أن هناك علاقة وطيدة بين عدد السكان ومستوى الحضارة لأن عدد السكان هو عامل مهم في تقسيم العمل والنمو
.
ولو اخذنا بشكل بسط عن نظرة القرآن الكريم والسنة النبوية بالظاهرة السكانية، لوجدنا العديد من نصوص القرآن الكريم تحث على الكثرة وتعتبرها اسباب القوة والمنعة كما ورد النهي عن قتل الاولاد بسبب الفقر والخشية منه.

ففي سورة الاعراف الآية 86 ((وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ)).
وفي سورة الانفال الآية 26 ((وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)).

هنا اقول وهل يكون من الدين أو العقل أو الحكمة أن نرد هذه النعمة ونقوضها ونعتبرها مصدراً للبلاء والضعف.
وعن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) (رواه أبو داود والنسائي) وأنني أرى من ان الحقائق الثابتة هي أن السلوك الايجابي (زيادة السكان) في أي مجتمع من المجتمعات هو استجابة للظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة في أي مجتمع، سيما وأن هذه الظروف ترتبط ارتباطا مباشرا لحياة الفرد وطرق معيشته وعقائده والافكار التي تهيمن عليه والآراء التي ورثها في الماضي، إضافة إلى جوانب أخرى متعددة.

لذا فان الفكر السكاني كان يفرض نفسه على غير إرادة الكتب احيانا، وان هذا الفكر جزء لا يتجزأ من الكيان العام للظروف التي تعيش فيها المجتمعات السكانية ومهما كانت الظروف فان المشكلة السكانية (زيادة السكان) تبقى واقع ملموس، وذلك لاستقرار مفهومها وابعادها واثارها في شتى المجالات.

قد يعجبك ايضا