أمينة خيري
التسول أشكال وألوان وفنون لا يخضع لقواعد ثابتة أو يتبع معايير جامدة، فيه قدر غير قليل من الفن والابتكار، يتوارثه البعض، ويقرر البعض الآخر أن يحترفه، تبقى أسبابه والعوامل التي أدت إليها مثار شد وجذب، وسبباً للاختلاف، بل وفرصة للانقضاض على الأنظمة السياسية والسياسات الاقتصادية، وفي كل الأحوال، فإن هدفه الأبرز ثابت لا يتزعزع على مر الأجيال وبمرور العقود والقرون، ووسيلته الأشهر أيضاً قلما تتغير، الهدف “حسنة قليلة” والوسيلة “تمنع بلاوي كثيرة”.
منظومة مطالبة الغرباء بـ”حسنة” أو قدر من المال، عبر مد اليد أو تخصيص علبة أو إناء، وذلك في مقابل “منع بلاوي كثيرة” من الحدوث لهم قديمة قدم الحضارة الإنسانية.
تاريخ التسول
بحسب دراسات موثقة عن تاريخ التسول، فإن أقدم سجلاته تعود إلى بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، في هاتين الحضارتين، كانت موجات من الفقر تضرب البعض بين الحين والآخر، إما بسبب كوارث طبيعية أو نشوب الحروب أو بسبب التسلسل الهرمي الاجتماعي.
واتخذ التسول شكلاً أكثر تنظيماً في اليونان القديمة، إذ ظهر المتسولون بصورة واضحة وصريحة، لدرجة أن أرسطو ناقش المسائل الأخلاقية المتعلقة بالتسول والمفاهيم المجتمعية المرتبطة بإعطاء المقتدر قدراً من المال للمتسول.
ويتطرق عديد من الدراسات والبحوث إلى شرح وسرد التطور التاريخي والديني لمنظومة العوز وسبل التعامل معها، سواء من منطلق برامج وأنظمة تضعها الدول لمساعدة الفقراء، أو من خلال مؤسسات دينية تتعامل مع العوز والفقر والتسول من منطلق يخلط المعتقد بالإنسانية يحث البشر على ترجمة التعاطف إلى فعل.
ومضت منظومة الفقر والعوز وارتباطها أحياناً بالتسول، وحدثت طفرة كبرى في طلب “حسنة قليلة” مع عصر الثورة الصناعية في القرن الـ19 وما صحبها من “تحضر” أو “تمدن” بمعنى التحول السكاني من المناطق الريفية إلى الحضرية، وهو ما نجم عنه تغيرات اقتصادية كبرى منها نمو سكان الحضر الفقراء. وتشير إلى أنه أصبح للمتسولين حضور واضح في المدن الصناعية المزدهرة، وهو أحد الأعراض الجانبية لازدهار المدن الصناعية الكبرى، وظهور الفروق والمشكلات الاقتصادية وكذلك الاضطرابات الاجتماعية.
القضاء على الفقر أو في الأقل تقليصه، يحتاج معالجة أبعاده العديدة، ويؤكد البنك الدولي أنه لا يمكن للدول أن تتصدى للفقر بصورة كافية دون تحسين رفاهة الناس بطريقة شاملة، لا سيما من خلال الحصول على خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية الأساسية والخدمات الأخرى، بما في ذلك الخدمات الرقمية، كما أن على واضعي السياسات تكثيف الجهود لتنمية الاقتصاد على نحو يخلق وظائف وفرص عمل لائقة، مع حماية الفئات الأكثر ضعفاً والأولى بالرعاية.
اضطرابات السويد
وعلى الرغم أن الاضطرابات الاجتماعية أو المشكلات الاقتصادية تشكل معضلة كبرى في السويد، وعلى رغم أن مدن السويد أحد عناوين الرفاه في العالم لا تئن تحت وطأة التسول والمتسولين، في الأقل مقارنة بدول أوروبية أخرى، فإن جهوداً رسمية يتم اتخاذها من أجل منع التسول ومناهضة المتسولين، إنها الجهود التي يسميها البعض على سبيل التفكه والسخرية “جهود تجريم الفقر”.
أسئلة عديدة مثل هل يتم القضاء على الفقر بتجريم التسول، وهل إزالة المتسولين من الشوارع والميادين يعني انتهاء الفقر، وهل يختفي الفقر باختفاء المتسولين؟ وغيرها تطرح نفسها منذ ندد حزب “الديمقراطيون السويديون” بـ”الأشخاص الذين يأتون الى السويد من دول أخرى في الاتحاد الأوروبي للتسول على أبواب المتاجر السويدية، وأن السويد لا يمكنها القيام بدور ضمير أوروبا”.
ما أعلنه الحزب في مؤتمر صحافي قبل أيام أتى على خلفية خطط “تجريم الفقر” التي تمضي على قدم وساق، وكان ائتلاف الأحزاب الحاكم، بالتعاون مع حزب “الديمقراطيون السويديون” (المصنف يمين متطرف) قد قدم خططاً لحظر التسول في أرجاء السويد قبل فترة، وتعتمد الخطط على تحقيق لمدة تسعة أشهر يجري خلالها حظر للتسول.
وقال الائتلاف اليميني الحاكم، إنه في حال نجاح الحظر التجريبي، فإن هذا يعني إمكانية تحوله إلى قانون، قانون حظر التسول، ويشار إلى أن “حظر التسول” هو أحد الوعود الانتخابية التي تضمنها برنامج “الديمقراطيون السويديون” اليميني.
رخصة متسول
في السويد يجد المتسولون أنفسهم مادة للخلاف السياسي ووعداً انتخابياً وساحة للصراع الأيديولوجي بين ليبراليين واشتراكيين وبشر عاديين يرون في تجريم التسول جريمة، وبين يمينيين بمختلف أطيافهم وآخرين يعتنقون نهجهم ممن يعدون التسول في شوارعهم صداعاً في الرؤوس وقبحاً في المدن وتصديراً لمشكلات الآخرين من دون وجه حق.
يذكر أن للسويد سابقة على صعيد مواجهة التسول عبر سبل شديدة الابتكار مثيرة لكثير من الجدل، ففي عام 2019، أصبحت مدينة إسكيلستونا (غرب ستوكهولم) أول مدينة سويدية تنص على الحصول على تصريح رسمي قبل التسول، على الراغب في التسول التقدم بطلب رسمي، مع سداد 250 كرونة (نحو 25 دولاراً أميركياً) للحصول على ترخيص.
فترة سريان ترخيص التسول ثلاثة أشهر، وتيسيراً على المتسولين، يمكنهم التقدم بالطلب عبر الإنترنت أو في مراكز الشرطة، شرط أن يكونوا حاملين لبطاقة هوية سارية، وهذا يعني بالضرورة أن المهاجرين غير الشرعيين والمقيمين من دون أوراق رسمية غير قادرين على إصدار “رخصة متسول”.
جانب من التسول في عدد من الدول الأوروبية أصبح مرتبطاً بمنظومة الهجرة، لا سيما غير النظامية أو غير الشرعية، وشهد العقد ونصف الماضيان زيادة ملحوظة في أعداد الدراسات والاستطلاعات التي تجري في دول المقصد، والتي تربط بين الهجرة والتسول، وعلى رغم أن جنسيات المتسولين في دول المقصد صارت أكثر تنوعاً مع ارتفاع موجات الهجرة غير النظامية، فإن مكون “الروما” أو الغجر القادمين من رومانيا يظل رئيساً في جموع المتسولين، لا سيما في الدول الإسكندنافية.
قصص المتسولين الذين يتركون ثروات طائلة، ويكتشف أمرها بعد وفاتهم أكثر من أن تعد أو تحصى، وبينها على سبيل المثال نزاع قضائي نشب بين أشقاء في مدينة الإسكندرية المصرية، وذلك بعد وفاة والدهم المتسول تاركاً مليوني جنيه مصري (نحو 41 ألف دولار) في حسابات مصرفية، و14 ميكروباصاً “سرفيس” و12 شقة سكنية يؤجرها مفروشة.
كلاسيكيات التسول
وبعيداً من أصل المتسول وجنسيته والمكان الذي يختاره للتسول، يبقى التسول منظومة لا تنقصها الإثارة أو تفتقد التجديد، الفقر والإعاقة ونقص الموارد والأمية والمرض والبطالة، إضافة إلى قائمة طويلة من العوامل الاجتماعية والنفسية مثل تدني مفاهيم الكرامة والاعتداد بالنفس وغيرهما هي الأسباب الكلاسيكية التي تدفع الشخص إلى التسول.
يعرف الأستاذ في كلية التجارة جامعة كفر الشيخ المصرية في بحث له عنوانه “الآثار الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة التسول في مصر” المتسول بأنه الشخص الذي يعتاد كسب المال باستجداء الناس، وذلك إما بالسؤال المباشر أو بجمع التبرعات والصدقات، ويوجد المتسول عادة حول الأماكن العامة مثل المدارس والجامعات ودور العبادة والمستشفيات والأسواق ومواقف المواصلات، ويستخدم المتسول عادة أساليب ووسائل احتيالية متنوعة بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المال.
ويصف التسول بأنه “إحدى الصناعات التي تمارس بكثافة من خلال قطاع الاقتصاد غير الرسمي في العالم، لا سيما في المدن حيث ينشط سوق العمل غير الرسمي، ويضيف أن البعض من المتسولين يرى أن التسول وسيلة عادلة يحصل من خلالها على نصيبه الذي يستحقه في مجتمع غير عادل لم يوفر له الحماية المناسبة ضد الفقر، ونظام لم يؤمن له العمل المناسب أو نظام تأمين اجتماعي يقيه العوز.
التسول شأنه شأن الأنشطة البشرية الأخرى ليس جامداً أو ثابتاً، وإذا كان الجوع والمرض والكوارث والمصائب تدفع البعض من البشر إلى التسول، فإن عوامل نفسية أخرى باتت تفرض نفسها في العصور الحديثة، وبعضها يخضع للقياس والدراسة والتحليل.
العوامل النفسية
تسرد أستاذة علم النفس التطبيقي في جامعة البنجاب في لاهور فايزة رسول قائمة من الأسباب النفسية التي تسهل عملية التسول، منها عدم احترام الذات والشعور بعدم الأهمية وافتقاد الأمان والشعور بالذنب والعار وعدم الرضا والدونية.
وتقول رسول في بحثها وعنوانه “العوامل النفسية في التسول”، إن البعض يتفنن في إظهار إعاقتهم أو التسول بصغارهم، وكذلك الدق على أوتار دينية يصل بعضها لحد الابتزاز العاطفي والتلويح بالعقاب الإلهي لمن يملك ولا يعطي.
في مصر القديمة وكذلك بلاد ما بين النهرين، ارتبط التسول بأولئك الذين لعنتهم الآلهة، أو أصابهم سحر السحرة، وهو ما يقول مؤرخون، إنه يفسر عدم مد يد العون لهم من قبل الحكام باعتبارهم ملعونين ويستحقون لعنتهم، ومن ثم فقرهم.
مواسم التسول… إعلانات بالملايين من أجل “حسنة قليلة”
لحسن الحظ فإن لعنات الآلهة لم تستمر طويلاً أو في الأقل لم تكن سمة منظومة التسول في كل مكان، كما لم يرثها المتسولون في العصر الحديث، وإن ورث البعض فكرة الوصمة، إذ تواجه أعراق وإثنيات بعينها رفضاً مجتمعياً في بعض الدول يحول دون حصولها على فرصة عمل تقيم شرور مد اليد طلباً للمال.
مد اليد طلباً للمال صارت عبارة رمزية، إذ لا تعني بالضرورة مد اليد، فقد تمتد اليد، ولكن للدق على الشاشات طلباً للمساعدة المالية والعينية التي يمكن تحويلها إلى حساب المتسول البنكي أو عبر أحد تطبيقات تحويل الأموال.
التسول أون لاين
وبعيداً من مدى حاجة المتسول الفعلية للمال أو انتمائه لعصابة تحترف النصب على الآخرين عبر دغدغة مشاعرهم وابتزاز أحاسيسهم، فإن عالم التسول اخترق الشبكة العنكبوتية من أوسع أبوابها، تدوينات وتغريدات وفيديوهات طلب المساعدة عبر منصات مثل “فيسبوك” و”إكس” و”إنستغرام” وغيرها، تدشين صفحات تحمل أسماء من شأنها أن تؤثر في أصحاب القلوب الرحيمة، مثل أمراض أو كوارث أو حروب مع قصص وصور لأشخاص يفترض أنهم أبطالها، والإعلان عن مؤسسات “افتراضية” تقول إنها تقوم بجمع المال من “أهل الخير” بالنيابة عن المحتاجين حافظاً على كرامتهم وصوناً لآدميتهم وغيرها كثير من نماذج التسول الإلكتروني فرضت نفسها فرضاً في عالم التسول.
حسابات وهمية، أرقام هواتف محمول تتغير كل بضعة أيام، صفحات تقوم على الوهم والخيال والادعاء والبعض منها يمزج بين أصالة التسول زمان ومعاصرته هذه الأيام، “حسنة قليلة” و”نداء إلى المحسنين والمحسنات” و”فاعلي الخير” وغيرها صفحات تظهر وتختفي على منصات الـ”سوشيال ميديا”، وتحمل قصصاً غير موثقة، وتبث حكايات لا يعرفها إلا مؤلفوها، تختفي اليوم لتظهر غداً باسم جديد مع أرقام هواتف لا يستدل عليها بعد مرور بضع ساعات.
من هو المتسول؟
سؤال صعب في زمن أصعب، في عالم مثالي خال من الكذب والادعاء، المتسول هو شخص أو أسرة تفتقد الموارد الاقتصادية اللازمة لضمان استمرار حياتهم وتوفير متطلباتهم الرئيسة بصورة شبه مستدامة، وتنعدم المساعدة أو البدائل المادية، فيضطر أحد أفرادها، وأحياناً كل الأسرة للخروج إلى الشارع، طلباً للمساعدة من المارة، وذلك بهدف توفير الحاجات الرئيسة، غالباً الطعام والشراب، وربما الدواء لليوم وليس الغد.
العودة إلى أرض الواقع تشير إلى أنه في وقت تظل فيه منظومة التسول مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفقر، إلا أنها تمددت وتوسعت لتشمل فروعاً عدة مثل اقتصاد التسول، وحيله وغرائبه، إضافة إلى الصراعات والحروب في العالم التي تدفع الملايين للهجرة غير النظامية والاضطرار للتسول، كذلك سياسات معالجة الفقر في الدول، والأوضاع الاقتصادية والكوارث الفجائية، وكذلك توارث المهنة أباً عن جد.
التسول في كل مكان
وعلى رغم قوائم عدة تحدد دولاً بعينها باعتبارها خالية من المتسولين، مثل سنغافورة والإمارات وفنلندا وكوريا الجنوبية والنرويج ونيوزيلندا واليابان، فإن واقع الحال يشير إلى أنه لا تخلو دولة من التسول والمتسولين، ولكن العبرة بالنسب والأعداد وأماكن الانتشار وسبل مواجهة الظاهرة.
مواجهة التسول في السويد مثلاً عبر “تجريم التسول” أو تقنينه عبر الحصول على رخصة يتم تجديدها كل بضعة أشهر مع سداد المصروفات اللازمة تظل مثيرة للجدل والشك في جدواها.
قدر البنك الدولي عدد الفقراء في العالم 2022 بنحو 712 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، بزيادة قدرها 23 مليون شخص مقارنة بعام 2019، وهؤلاء يعيشون على أقل من 2.15 دولار للفرد يومياً، هذا الفقر المدقع يتربص بكثيرين، لكن معظمهم يتركز في أجزاء من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، والمناطق الريفية، والمناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات، ونصيب المنطقة العربية في الأخيرة وفير.
القضاء على الفقر
ومعروف أن القضاء على الفقر أو في الأقل تقليصه، يحتاج معالجة أبعاده العديدة، ويؤكد البنك الدولي أنه لا يمكن للدول أن تتصدى للفقر بصورة كافية دون تحسين رفاهة الناس بطريقة شاملة، لا سيما من خلال الحصول على خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية الأساسية والخدمات الأخرى، بما في ذلك الخدمات الرقمية، كما أن على واضعي السياسات تكثيف الجهود لتنمية الاقتصاد على نحو يخلق وظائف وفرص عمل لائقة، مع حماية الفئات الأكثر ضعفاً والأولى بالرعاية.
جزء من دائرة الفقر المفرغة التي يتضمن جانب منها منظومة التسول والمتسولين، تستحق التأمل، فعلى رغم أن عدد الواقعين في براثن الفقر المدقع يقدر بـ712 مليون نسمة، فإن هذا العدد من الفقراء جداً لم يتجه إلى التسول كله، ليس هذا فحسب، بل إن آخرين غير مصنفين ضمن قوائم الفقراء أصلاً يجدون في التسول متنفساً ومهرباً.
المتسول الناجح
الطريف أن أحدهم خصص موقعاً عنكبوتياً ليقدم النصيحة والمشورة للمتسولين الجدد، “كيف أصبح متسولاً ناجحاً؟” سؤال يلقى عديداً من الإجابات المتأرجحة بين جدية النصائح ودعاية الساخرين، أبرز النصائح تدور حول اختيار المكان، فمثلاً الوقوف أمام “ستاربكس” أو “كوستا” أو غيرهما من المقاهي التي يتردد عليها أبناء الطبقة المتوسطة وما فوقها لاحتساء كوب من القهوة أو الماتشا وطلب المال من الشباب والشابات ممن يعملون في شركات كبرى تؤمن لهم رواتب مجزية أو طلاب الجامعات ممن يتقاضون من الأهل مصروفاً وفيراً أو أمام مطاعم الوجبات السريعة المعضدة بـ”لعبة” هدية للصغار مثل مكدونالدز والدق على وتر الطفل المدلل الذي يلتهم البرغر في مقابل الطفل الفقير الموشك على الوقوع في براثن الجفاف.
الطريف أن من بين الناصحين من قدم خطة عمل كاملة تضمن التسول الناجح بدءاً باختيار المكان المناسب مثل المطاعم الفارهة للدق على أوتار الأغنياء أو محطات القطارات وباصات السفر دقاً على أوتار رغبة المسافرين في السلامة، ومروراً بدراسة ديموغرافية المكان ونوعية الناس المرجو الدق على أوتار قلوبهم ومشاركة ما في جيوبهم، مع أهمية فهم نوع التعاطف الذي يمكن الدق على أوتاره في موقع العمل أي التسول، وانتهاء بسرد أو اختلاق قصة مقنعة ذات بناء درامي محكم تحوي حاجات محددة مثل الطعام والشراب والكساء والدواء وكذلك الحفاظ على حد أدنى من النظافة الشخصية حتى لا ينفر “أهل الخير”.
فريق من أهل الخير يشجع التسول من دون قصد، وذلك عبر إعطاء المتسولين الأموال، أملاً في مكسب دنيوي أو ربح في الآخرة، أو فقط استجابة للتعاطف البشري الفطري، وفريق رسمي يواجه الظاهرة تارة بإصدار القوانين المجرمة للتسول، وأخرى تغض الطرف عن المنظومة برمتها، وذلك إلى أن تقع جريمة أو يصعد يمين متطرف إلى الحكم فيعدهم ورماً يجب اجتثاثه بالتجريم أو الترخيص.
حوادث المتسولين
قبل أيام، اختلفت متسولتان محترفتان على الريع اليومي، فقامت الأولى بقتل طفلة الثانية، قبلها بأسابيع، تم الحكم على سيدة بالسجن ثلاثة أعوام لأنها تستخدم طفلتها في التسول، وفي شهر واحد في الصيف، تم تحرير 14 ألف محضر لمتسولين في مدن مصرية.
أما قصص المتسولين الذين يتركون ثروات طائلة، ويكتشف أمرها بعد وفاتهم، فأكثر من أن تعد أو تحصى، وبينها على سبيل المثال نزاع قضائي نشب بين أشقاء في مدينة الإسكندرية المصرية، وذلك بعد وفاة والدهم المتسول تاركاً مليوني جنيه (نحو 41 ألف دولار) في حسابات مصرفية، و14 ميكروباصاً “سرفيس” و12 شقة سكنية يؤجرها مفروشة.
تظل “الحسنة القليلة” قادرة على منع “البلاوي” ولكنها لا تمنع الفقر أو تعالج أسبابه.
الأنديبندنت