متابعة ـ التآخي
نظرا لاستمرار انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي في دفع درجات الحرارة العالمية إلى الارتفاع، فان الأفراد والمنظمات في جميع أنحاء العالم يكثفون تركيزهم على التخفيف من آثار تغير المناخ ويسعون بشكل عاجل إلى إيجاد حلول للحد من انبعاثات الكربون.
واكتشف علماء من جامعة كاليفورنيا في إيرفين تقنية فريدة لتخزين الكربون في أعماق المحيط، التي تقدم استراتيجيات جديدة لمكافحة أزمة المناخ.
واستعمل الباحثون طريقة مبتكرة لمراقبة دورة الجزيئات العضوية المعقدة التي تنتجها البكتيريا البحرية في مياه البحر؛ وقد اكتشفوا كيف تسهم هذه الجزيئات في تخزين الكربون في أعماق البحار.
ويقول المؤلف الرئيس للدراسة بريت ووكر “إن تقنيتنا الجديدة رائعة لأنها تمكنك من النظر إلى تركيب جميع الجزيئات العضوية في مياه البحر ومعرفة كيفية دورانها”، ونُشرت الدراسة في مجلة Nature Communications.
وأشار الخبراء إلى أن فهم طبيعة ودورة المادة العضوية المذابة له أهمية قصوى لتقييد دورة الكربون البحري.
وأجرى ووكر وفريقه عملاً ميدانياً في خليج بافن، وهي منطقة تقع بين كندا وجرينلاند، وقاموا بمراقبة تركيزات الجزيئات الأليفاتية الحلقية الغنية بالكربوكسيل (CRAM) في مياه البحر.
وتشير النتائج إلى أن تخزين المحيطات العميقة يفضل بعض الجزيئات العضوية فيما يعيد تدوير الجزيئات الأخرى إلى السطح.
كما أوضح ووكر “في أعماق المحيط، نجد أن ربع إلى نصف المادة الكيميائية العضوية تختفي، والطريقة الوحيدة التي يمكن بها إزالة هذه المادة هي بيولوجيًا، من خلال تناول البكتيريا غير المتجانسة لهذه المادة كمصدر للطاقة”.
واعتقد الفريق في البداية أن المواد العضوية في أعماق المحيط تتراكم، إلا أن البيانات التي تم جمعها من خليج بافن قدمت صورة متناقضة.
ولاحظ الباحثون وجود كمية كبيرة من التراكم على سطح المحيط، والتي تم استهلاكها في العمق.
وقال ووكر “إذا كان من الممكن تخزين المزيد من مواد التراكم في أعماق المحيط، فمن المفترض أن يكون لديها القدرة على التخفيف من تغير المناخ الجوي على مدى فترات زمنية تصل إلى مائة عام”.
إذا كان نصف التراكم خاملًا ومخزنًا في أعماق المحيط، فيمكن للبكتيريا تخزين الكربون المشتق من ثاني أكسيد الكربون السطحي على مدى فترات زمنية كبيرة.
ويسعى الباحثون إلى اكتشاف أساليب لتعزيز مدى مخزون بكتيريا التراكم في أعماق المحيط.
وقال ووكر “الهدف هو استكشاف ما إذا كانت هناك عملية طبيعية يمكن من خلالها تعزيز الإنتاج الطبيعي لهذه المركبات الخاملة في العمق باستغلال مجموعات بكتيرية أصلية”.
وحتى التحسن الطفيف في معدل تخزين الكربون في أعماق المحيطات قد يرفع بشكل كبير من سعة تخزين الكربون على مدى آلاف السنين، ويخطط ووكر وفريقه للتحقيق فيما إذا كانت نفس العملية الكيميائية الحيوية نشطة في مياه المحيطات في جميع أنحاء العالم.
كما يخططون لتقويم معدلات إنتاج أو فقدان المتراكمات بالتزامن مع تكوين المياه العميقة ودورة المحيطات.
وفي مواجهة تحديات تغير المناخ الهائلة، فإن الاكتشافات المبتكرة مثل هذه تقدم بريقاً من التفاؤل.
وبفضل التطورات مثل تلك التي حققها فريق جامعة كاليفورنيا في إيرفين، أصبح بإمكان الأفراد والمنظمات في جميع أنحاء العالم الوصول إلى استراتيجيات جديدة لمكافحة تغير المناخ.
ان اكتشاف الجزيئات الأليفاتية الحلقية الغنية بالكربوكسيل (CRAM) كسبب رئيس في تخزين الكربون في أعماق المحيطات يفتح الباب أمام فرص بحثية مستقبلية كما إن فهم دور هذه الجزيئات في إدارة الغازات المسببة للاحتباس الحراري على المدى الطويل قد يلهم تقنيات جديدة لعزل الكربون تحاكي العمليات الطبيعية أو تعززها.
ومع تسابق المجتمع العالمي للتخفيف من آثار تغير المناخ، يتزايد الاهتمام بكيفية عمل النظم البيئية البحرية كمصارف للكربون.
ويقترح ووكر وفريقه أن تركز الجهود المستقبلية على توسيع نطاق النتائج على مستوى العالم.
وعن طريق فحص مناطق وظروف أخرى في أعماق المحيطات، يهدف الباحثون إلى تحسين فهمهم لمساهمة منطقة التراكم في تخزين الكربون.
وقد تكون هذه المعرفة ذات أهمية حيوية لصناع السياسات والمخططين البيئيين الذين يتبنون حلولاً مبتكرة تعتمد على الطبيعة لمعالجة مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المتزايدة.
ويثير هذا الطريق البحثي الجديد تساؤلات بشأن تأثير استكشاف أعماق البحار والتدخل فيها على النظم البيئية البحرية.
ومع سعي العلماء إلى فهم أعمق لتخزين الكربون في المحيطات، لا بد من دراسة المخاطر المحتملة والاعتبارات الأخلاقية المحيطة بالأنشطة في أعماق البحار بعناية لضمان التقدم المستدام والمسؤول.
يشار الى ان مساحة الجليد البحري في القطب الجنوبي تسجل مستويات قياسية منخفضة للمرة الثانية في غضون عامين، وسط قلق العلماء من أن انحسار رقعة الجليد إشارة واضحة إلى مدى تأثير تغيُّر المناخ في هذه المنطقة الشاسعة والمعقّدة والمعزولة. ومثل شهر شباط في عامي 2022 و2023 المدة الوحيدة التي انخفضت فيها مساحة الجليد البحري في القطب الجنوبي إلى أقل من مليوني كيلومتر مربع منذ بدأت الأقمار الاصطناعية في الرصد.
ويترك ذوبان جليد أنتاركتيكا أثره على الحياة البريّة، بما فيها الكائنات الحيّة الدقيقة والطحالب التي تدعم السلاسل الغذائية، مثل قشريات الكريل التي تغذي بدورها الحيتان في المنطقة. كما تعتمد طيور البطريق والفقمات على الجليد البحري من أجل التغذية والراحة.