المدرّسون الخصوصيون في العراق… شهرة الإنترنت مفتاح الربح

 

آدم محمود

أصبح الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسية للمدرسين الخصوصيين في العراق من أجل الوصول إلى جمهور واسع من الطلاب، وبناء سمعتهم بطريقة مستقلة عن الوسائل التقليدية.

ويستفيد هؤلاء من تحوّل التدريس الخصوصي إلى عنصر أساسي لنجاح الطلاب الذين بات يندر عدم اعتمادهم على مدرّسين خصوصيين. وهذه الظاهرة تنتشر في شكل واسع منذ نحو عقدين من الزمن، وتترافق مع لجوء المعلمين المتخصصين أنفسهم إلى أساليب النشر الإلكتروني والترويج عبر مواقع التواصل، ويستعينون بفنيين ومصورين لتنفيذ مقاطع إعلانية وصور ترويجية جذابة.

اتقول منى الحسني، وهي مدرّسة منذ أكثر من 26 عاماً: “أنا على أبواب التقاعد، ولم أعد أرى أوجه تشابه بين التدريس اليوم والحال قبل عقدين”.

وتصف الحسني نفسها بأنها “من مدرّسي الجيل القديم الذي يرفض التدريس الخصوصي، ويعطي خلاصة ما عنده خلال حصص التعليم في المدرسة”. وتُبدي أسفها لعدم بقاء إلا قليلين من مدرّسي الجيل القديم، مشيرة إلى أن معلمين يتنافسون في شكل شديد اليوم للحصول على أكبر عدد من الطلاب من أجل إعطائهم دروساً خصوصية، وهم يبتكرون طرقاً عدة لفعل ذلك، ويستغلّون التكنولوجيا الحديثة لتحقيق غايتهم”.

ورغم أن التدريس الخصوصي يساهم في نجاح طلاب، ترى الحسني أن “هذه الوسيلة تخرج من سياق التعليم الرصين، وتقلل أهمية وشخصية المدرّس داخل المدرسة، وتلغي الدور الحقيقي للمدرسة في تربية وتعليم وبناء الأجيال”.

ويتضمن نظام الدروس الخصوصية أسلوب التعليم الحضوري أو عن بعد. ويشمل التعليم الحضوري وجود الطلاب مع آخرين في قاعة ضمن مركز للتدريس الخصوصي. أما التعليم عن بعد فيحصل عبر إعطاء مجموعة من الطلاب حصة دراسية في وقت محدد عبر تطبيق “تلغرام”.

وقد تمتد المحاضرة نحو ساعتين في نظامي التدريس الحضوري وعن بعد، وتعطى 3 مرات أسبوعياً.

وعموماً توفر الدروس الخصوصية مداخيل مالية كبيرة تعتمد على شهرة المدرّس وتحقيق طلابه نسب نجاح عالية. ويعني ذلك أن “المدرّسين يجب أن يملكوا ثلاثية الشهرة والتمكن والقدرة”.

بحسب ما يقول المدرّس المتخصص في مادة الرياضيات عماد الكروي لـ”العربي الجديد ” و الذي يقدّم دروساً خصوصية حضورية وعن بعد، ويتقاضى 600 ألف دينار (450 دولاراً) لتدريس طالب واحد في العام الدراسي الذي يستمر من حزيران إلى نيسان، علماً أنّ عدد الطلاب الذين يدرّسهم سنوياً قد يصل إلى 150 سنوياً.

ويوضح أنّ “المدرّس يجب أن يملك كفاءة عالية، ويملك القدرة على إيصال المعلومات للطلاب بأسهل الطرق وأبسطها، وأيضاً الشهرة التي تتقدّم اليوم عن الكفاءة والقدرة على توصيل المعلومات”. لكنّ مدرّسين آخرين تحدثوا لـ”العربي الجديد” عن أن “ثلاثية الشهرة والتمكن والقدرة لم تعد الأساس في شهرة المدرّسين، وبالتالي نيلهم عدداً كبيراً من الطلاب ما يحقق لهم مكاسب جيدة. وتذكّر شيماء الحديثي التي تدرّس مادة الفيزياء أنّ معلمين كثيرين يفتقرون إلى الكفاءة لكنهم نالوا سمعة جيدة بين الطلاب من الترويج الإلكتروني”.

تضيف: “يجب أن يخصص المدرّس رأسمال للترويج، ويستمر في الترويج لنفسه على مدار العام باعتماد أساليب متجددة ومبتكرة، لذا يلجأ كثيرون إلى إعلاميين ومتخصصين في الترويج وخبراء في الإعلام الحديث ومصورين محترفين كي يكسبوا شهرة. وقد نجح بعض هؤلاء المدرّسين في استقطاب أعداد كبيرة من الطلاب من خلال هذه الطرق، وحققوا مكاسب مالية بعد أن زاد عدد الطلاب الذين يدرسونهم، علماً أن بعضهم لديهم أكثر من 500 طالب وطالبة”.

وفيما يطرح السؤال نفسه في شأن كيف يمكن أن يستمر نجاح مدرّس حقق شهرة من خلال الترويج من دون أن يملك الكفاءة والقدرة على إيصال المعلومات للطلاب؟ تجيب ريم أحمد، وهي مدرّسة لمادة التاريخ، أنها تكتفي بالتدريس العام داخل المدرسة، وترفض أن تكون جزءاً مما تصفه بأنه “ظاهرة التخريب عبر التدريس الخصوصي”.

وتوضح أنّ “المدرسين الذين يبنون شهرتهم على الترويج يعتمدون على قدراتهم الشخصية في إيصال انطباع للطلاب بأنهم يملكون كفاءة عالية، وتوجيه الكلام الرقيق والمظهر الحسن وحس الفكاهة. إنهم خبراء في كيفية التعامل النفسي مع الطلاب الذين يحببونهم بالمواد رغم أنهم يقدمون شرحاً عادياً، علماً أن ما تحتاجه أي مادة دراسية من الطالب هو الانتباه على المدرّس داخل المدرسة والمراجعة الجادة في المنزل، لكنّ الطلاب لا يطبقون ذلك اليوم منهم، لذا يلجؤون للدروس الخصوصية”.

وتنتشر في مختلف مناطق العراق اليوم مراكز خاصة للتدريس الخصوصي يديرها أشخاص غالبيتهم مدرّسون يعتمدون في شكل كبير على أساليب الترويج الحديثة.

ويتحدث طلاب لـ”العربي الجديد” عن أنهم لا يستطيعون النجاح من دون الحصول على دروس خصوصية “لأن المناهج الدراسية صعبة، ولا وقت كافياً لاستيعاب المواد، في حين أن الكوادر التدريسية ضعيفة، لذا نبحث دائماً عن مدرسين من أصحاب الكفاءة الذين يعطون دروساً خصوصية”.

ويقول أسامة موسى (16 عاماً) إنه يكتفي بالمحاضرات الخصوصية ومختصرات المواد الدراسية. أما زميله زيد طارق (17 عاماً) فيسأل: “كيف يمكن أن ندرس في يوم واحد خمس أو أربع مواد علمية، ونحفظ المواضيع المطلوبة منا. ربما المدرّسون يتعمدون عدم إيصال المعلومات بشكل صحيح كي نلجأ إلى الدروس الخصوصية”.

قد يعجبك ايضا