نزيف الكلمات-القسم الثامن

دلزار اسماعيل رسول

العزلة…كم هي أليمة في بعض الاوقات ، لانها ضد كينونتنا البشرية التي تحب من يوائمها و تجالس من يؤانسها ، ولكن للذين تعرضوا للصدمات تكون علاجا و ترياقا لجروحهم المتقرحة…و دوائا لقلوبهم المتهالكة، و بلسماً شافياً لاوجاعهم الدفينة…فيما مضى لم اكن اريد ان اخرج من عزلتي الى غيرك، فهذه العزلة قد فجرت كينونتي و كانت وراء تراءي كلماتي…فانت كنت نارا مستعرة تحتي ، تثير في بركانا هائلا من الكلمات ، و بك فقط كانت تتفجر حممي أناشيد و شعراً…
كلما انظر لنفسي في المرآة ماذا أرى…ملامح وجه شوهته خيبات الامل ، و أحلام وءدت في مهدها ، و رغبات لم ترى النور ، عبارات رقيقة لم يفسح لها المجال لكي تخرج الى حيز الوجود، و آمال قد طال المنى لها و سيقت الى الموت رغما عنها…
كنا فيما مضى كان الموت اخر ما نفكر فيه…لان عنفوان الحياة كان يلفنا من جميع الجهات…ولكن بعد ان تساقط احباؤنا الواحد تلو الآخر…اصبح هاجسنا و ظلنا الذي يسير معنا…خاصة بعد أن تكالبت علينا خيبات الامل…فبتنا نراه كل ليلة فاغرا فاه لكي يبتلعنا ولكن يمنعه موعد أجلنا ، ولكن يوما او بعد غد سيأتينا و يبتلعنا كما ابتلع احبائنا الواحد تلو الاخر ، و ندفن في صدورنا كل الحسرات و الزفرات و التناهيد المستعرة …فلن يطفئها الا حفنة من التراب على وجوهنا….
لقد دق ناقوس الخطر مرة اخرى و بدأت تنتابني نوبات القلب مرة اخرى ولا ضير في ذلك …فقد استسلمت اخيرا ، بعد أن كنت اقاومه بشتى الطرق و الوسائل …لقد اكتفيت و بت أرى نهايتي بعد ان كانت مسدل الستار عنها ، لا أراه ، و يلوح بعيدا عني ، ولكن هذه المرة اصبح قريبا يلوح لي بين الفينة و الاخرى…
الضربات تلو الضربات قصمت ظهري ، ولم يسمح لها الوقت للتماثل للشفاء ، فقد كانت متتالية ، ما أن أتلقى واحدة حتى تلحقها بأخرى …صحيح ان الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك…ولكن كسُرَ ظهري فما بت أتحمله…
أعرف أنك تعاتبيني و أرى اثار عذلك من ظلال ملامح وجهك…ولكني أتعامل مع شخصين غريبين في كينونتك …أنت تخفين وراء سحنتك السمراء شبح رجل و امراءة …بينهما صراع مرير ، احيانا ينقلب كفة احداهما على الاخرى ، فلا هذا يسيطر عليك ، ولا الاخرى يبسط سلطانه على روحك …يجب أن تعيدي صياغة نفسك من جديد ، و تعيدي كتابة ابجديات وجدانك ، فاذا خسرت انا ، فليكن الفلاح من نصيبك ، لكي لا يخرج كلانا بخفين فارغين …فانا استسلمت ، ولكن استمري أنت في مشوار الحياة ، عسى أن يحالفك الحظ في أيامك المقبلة…
لقد ضربتني في مقتل …و قضت على آخر رمق حب يتلهف للحياة، بأصرارها على الباطل، و تزييف التهم ، و نكران الحق …لذلك بت كمن يتدفق الدم من كل اركان جسمه، فلا يعرف يطيب أيهما ، و يداوي ماذا ، فاصبح الاستسلام و الركود ديدنه…
يجب أن يعترف الانسان بالخسارة أخيراً ، ولا يدافع عن هزائمه المتكررة، فليس من النبل أن تروي ما ليس فيك، و تتباهى به، لقد خسرت، و سأقضي بقية عمري خاسراً، ولن أحاول مرة اخرى للانتصار ، ولن أعود للفخر و المباهاة…

قد يعجبك ايضا