ابراهيم خليل العلاف
ليس كمثل الأستاذ الدكتور عبد الإله احمد (1940ـ2007)، الكاتب والناقد، والاديب، والاستاذ الجامعي الذي رحل عن دنيانا في السادس عشر من مايس 2007، من وثق للأدب القصصي في العراق المعاصر. وبالرغم من عظم انجازاته، وابداعاته في مجال الكتابة والنقد، الا انه كشأن زملائه وأقرانه الادباء والمفكرين، والشعراء والأساتذة، والأكاديميين لم يحظ بما يستحقه من اهتمام، وقد عاش ومات كما قال احد تلاميذه: ((الصمت والعزلة)) .
لقد خسرت الحركة الادبية والثقافية في العراق والبلدان العربية، بحق واحدا من نقادها وباحثيها البارزين، كانت له يد طولى في الكثير من البحوث والدراسات والاطروحات الجامعية التي نجم عنها عدد كبير من الباحثين والاساتذة والدارسين الذين رفدوا جامعاتنا والجامعات العربية بالكثير من العطاء سواء في مجال البحث او التأليف او التدريس. وكان لعبد الاله احمد، كما جاء في بيان نعيه الذي اصدره الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ((فضل الريادة في توثيق الحركة القصصية)) وخاصة في كتابيه الشهيرين: ((نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 ـ1939)) و ((الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية)) . ومما يزيد من قيمة هذين العملين الرائدين ان الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد ((لم ينهج نهج المؤرخ المكتفي بالتوثيق بل نهج منهج الناقد المحلل.. فاستطاع ان يعكس تطورات القصة العراقية، وان يرصد رصدا دقيقا تياراتها الفنية وتنوعاتها وقيمها الفكرية والجمالية)). وقد امتلك، رحمه الله ((حضورا بينا في الاوساط الادبية))، وكان ((لآرائه وقع كبير في محافل تلك الاوساط وانشطتها لما اتسمت به من الجرأة والقوة)). وما تركه الدكتور احمد يعد جهدا رائعا لم يظهر مثله في ((كتاب او دراسة اكاديمية تناقش وترصد تطورات هذا الفن وتحيط باساليبه المختلفة)). وقد ظل الدكتور احمد بعيدا عن السلطة السياسية في بلاده، فمزاجه الحاد ونفوره من الخطأ والمعايب، وحرصه على قول الكلمة الصادقة حال دون ان ينال في حياته من التكريم والاشادة والتشجيع الا في مرات قليلة جدا، لكن هذا لم يمنع من ان يظل استاذا متمكنا، وباحثا جادا، ومحاورا حقيقيا، وقبل هذا انسانا طيبا وكريما.
ولقد قومه احد زملائه في التدريس وهو الاستاذ الدكتور محمد حسين آل ياسين بموضوعية عالية حين قال ان الدكتور عبد الاله احمد كان يتمتع بإمكانات علمية عالية وحسناته ومزاياه في ((المنظور العلمي الجامعي او الانساني، كثيرة ومهمة، اولها موضوعيته في النظر الى الاشياء التي تخضع للدرس، فهو لا ينحاز فيها الا الى الابداع الذي يبحث عنه في النص، قصة كانت او رواية، دون ان يميل ميل المصلحة الخاصة او التعصب او الدخول في الرأي الشائع المشهور عن العمل الذي لا يستحق الشهرة، وقد طبعت هذه الموضوعية العلمية اعماله المنشورة وشهد له بها اساتذته في بغداد والقاهرة وزملائه وطلابه، وتلمسها قراؤه ومتابعوه. كما امتازت جهوده في البحث بالمنهجية الاكاديمية الدالة على العقل العلمي المنظم، والثقافة الجامعية العميقة)) ويقينا انه في هذا قد تأثر بأستاذه ومثله الاعلى الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر رحمه الله ، والذي كان يزرع اسس المنهج العلمي ، والروح المنهجية في نفوس وعقول طلابه في كل خطوة من خطوات البحث في الدرس الاولي والجامعي.
وبشأن تعامله مع مادة دراسته، وهي القصة والادب القصصي العراقي، فان الدكتور عبد الاله احمد، تبنى توجه استاذه الطاهر فاقبل على دراسة الظواهر الادبية الحية، والشخصيات الموجودة على قيد الحياة ولم يكن هذا التوجه في حينه، أي في اواخر الستينات واوائل السبيعينات من القرن الماضي مستساغا في اقسام اللغة العربية بالجامعات العراقية، خوفا من ان ينعكس ذلك سلبا على الناحية الموضوعية، لكن عبد الاله احمد اقتحم الميدان مسلحا بنصائح ودعوات استاذه الطاهر.
ويقف الدكتور عبد الاله احمد عند المحاولات البدائية العراقية في مجال كتابة القصة ، ويؤرخ لمجهودات سليمان فيضي ، وعطا امين، ويناقش القصة بين الحربين ويتناول (الاتجاه العاطفي) في القصة المتمثل في قصص يوسف متي وشالوم درويش و(الاتجاه الاجتماعي) المتمثل بقصص ذو النون ايوب و(الاتجاه الفردي) الذاتي وابرز كتابه عبدالوهاب الامين و (الاتجاه الرمزي) المتمثل بما كتبه نديم الاطرقجي، و(الاتجاه الرمزي) المتمثل بما تركه خلف شوقي الداودي، و(الاتجاه التاريخي) المتمثل بقصص سليمان صايغ. اما الرواد من القصاصين الكبار في رأيه فهم كل من محمود احمد السيد، وانور شاؤول، وذو النون ايوب، وعبد الحق فاضل.
ويتوج عبد الاله احمد أعماله باصداره ((فهرست القصة العراقية)) بـ( 329) صفحة من القطع الكبير، وهو جهد وثائقي مهم جدا للباحثين والمهتمين بهذا اللون من الوان الثقافة العراقية المعاصرة وقد صدر الفهرست ببـغداد سنة 1973 .
ولعبد الاله احمد كتب ودراسات اخرى مهمة منها على سبيل المثال نشره للمجموعة الكاملة لأعمال القاص الرائد المبدع محمود احمد السيد (بغداد 1978) وكتابه (في الادب القصصي ونقده) (بغداد، 1993) ، ودراسته ( النقد القصصي في العراق: دراسة في نشأته وتطوره).
يكفي الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد، ان قدم للمكتبة العراقية، من خلال كتبه ودراساته وفهرسه، ما ساعد على فهم جوانب مهمة من تراثنا القصصي المعاصر، ولا شك في ان المؤرخ يفيد من اعماله في تسجيل صفحات مهمة من التاريخ الثقافي العراقي المعاصر.