طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية
من بين القادة الذين قتلتهم إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة في لبنان عبر اختراقات أمنية أدت لاستهدافهم بغارات جوية دقيقة، ظهرت ثلاثة أسماء بارزة كان برنامج مكافآت من أجل العدالة الأميركي قد رصد 17 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تحدد مواقعهم، وهم فؤاد شكر، الرجل الثاني والقائد العسكري لـ “حزب الله”، وإبراهيم عقيل، عضو المجلس العسكري للحزب، وصالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مما يثير أسئلة حول الدور الذي ربما أسهم به البرنامج الأميركي لتوفير المعلومات للإسرائيليين الذين قاموا بالتنفيذ، بخاصة وأن البرنامج حقق نجاحات مماثلة في السابق، فما هو برنامج “مكافآت من أجل العدالة”؟ وكيف حقق نجاحات في السابق؟ وما طبيعة الأخطاء والانتقادات التي توجَه إليه؟
استهداف مبكر
بعد نحو أسبوعين تقريباً من عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة “حماس” داخل إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، خصص برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية 5 ملايين دولار لمَن يدلي بمعلومات عن صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، حيث اتهمه البرنامج في منشور على منصة “إكس” بأنه شارك في تأسيس الجناح العسكري لـ”حماس” وأنه يواصل توجيه العمليات العسكرية، وبعد 10 أسابيع فقط اغتالت إسرائيل العاروري في الثاني من يناير (كانون الثاني) الماضي بهجوم من طائرة مسيرة على مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقبل ذلك بعدة أشهر، وفي الذكرى الأربعين لتفجير السفارة الأميركية في بيروت، أعلن برنامج “مكافآت من أجل العدالة”، عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد هوية ومكان إبراهيم عقيل، أحد قادة “حزب الله” وعضو المجلس العسكري للجماعة، والذي اعتبرت الحكومة الأميركية أنه كان مسؤولاً رئيساً في خلية “حزب الله” (منظمة الجهاد الإسلامي) التي أعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات السفارة الأميركية في بيروت في أبريل (نيسان) 1983، وأسفرت عن مقتل 63 شخصاً، وثكنات مشاة البحرية الأميركية في أكتوبر 1983، والتي أسفرت عن مقتل 241 فرداً أميركياً.
وبحسب برنامج المكافآت الأميركي، أدار عقيل في الثمانينيات عملية اختطاف رهائن أميركيين وألمان في لبنان واحتجازهم هناك، وفي 10 سبتمبر (أيلول) 2019، صنفت وزارة الخارجية الأميركية عقيل كإرهابي عالمي.
وقبل نحو أسبوعين، أعلن “حزب الله” والجيش الإسرائيلي أن إبراهيم عقيل، تلقى ضربة إسرائيلية مستهدفة في منطقة الجاموس جنوب بيروت، مما أودى بحياته على الفور، ويبدو أن عقيل ورث منصبه كقائد للعمليات العسكرية لـ “حزب الله” من فؤاد شكر، القائد الكبير في الحزب الذي قُتل أيضاً بنفس الطريقة في غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو (تموز) الماضي، والذي كان برنامج المكافآت الأميركي قد عرض خمسة ملايين دولار في 10 أكتوبر 2017 مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد مكانه أو اعتقاله، بالتوازي مع عرض بقيمة 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن طلال حمية وهو قائد كبير آخر في “حزب الله”، ارتبط اسمه بالعديد من الهجمات الإرهابية وعمليات الخطف التي استهدفت مواطنين أميركيين، بحسب مدير المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب آنذاك، نيكولاس راسموسن.
قائمة قتل
وعلى رغم أن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” الأميركي لم يعترف بأي دور له في عمليات الاغتيال الإسرائيلية المكثفة لقادة “حزب الله” و”حماس” خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أنه لم ينف ذلك أيضاً، بخاصة وأن البرنامج ينقل المعلومات التي تصل إليه في نهاية المطاف إلى نظام الاستخبارات الأميركي، حيث “من المرجح أن تتمكن وكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأميركي والوكالات الأخرى من المساعدة في استهداف وقتل قادة الإرهابيين”، وفقاً للخبير البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن بيل روغيو.
وإذا كان برنامج مكافآت العدالة التابع لوزارة الخارجية الأميركية ليس “قائمة قتل” من الناحية الرسمية، بل قائمة للقبض على الإرهابيين ومحاكمتهم، إلا أنه ليس من السهل القبض على مثل هذه العناصر، التي تعيش وتعمل في مناطق محظورة، وغالباً ما تكون مناطق تسيطر عليها الجماعات المتشددة التي ينتمون إليها أو حلفاؤها، لذلك من الصعب للغاية، حتى لو كان بإمكانهم تحديد مكان وجود شخص ما، الدخول إليه واعتقاله.
و”حتى لو لم يكن هدف برنامج وزارة الخارجية هو قتل أولئك الذين تحددهم، فإن الواقع هو أنها تبدو كـقائمة قتل من منظور وكالة الاستخبارات المركزية وقوات العمليات الخاصة في الجيش الأميركي”، بحسب روغيو.
ووفقاً لتقارير غربية متعددة، تعاونت كل من الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية في الأشهر والأعوام الماضية ضد “حزب الله”، إذ يعتقد خبراء أمنيون أميركيون أن نمو قوة الحزب، وبخاصة بعد عام 2012 عندما نشر قواته في سوريا لمساعدة رئيس النظام بشار الأسد في قمع انتفاضة مسلحة، أعطى ذلك إسرائيل والولايات المتحدة فرصة ذهبية في تشكيل صورة استخباراتية واسعة ودقيقة حول كثير من قيادات الجماعة، ومعرفة من كان مسؤولاً عن عمليات الحزب.
برنامج نشط
منذ هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، كثف برنامج “مكافآت من أجل العدالة” نشاطه بطريقة ملحوظة وبخاصة ضد “حماس” و”حزب الله” اللذين تصنفهما الولايات المتحدة كجماعتين إرهابيتين منذ عام 1997، فبعد أسبوعين فقط من هذا الهجوم، نشر البرنامج على موقعه وعبر وسائل التواصل الاجتماعي منشورات رصد فيها مكافآت مالية ضخمة، منها على سبيل المثال رصد 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن حادث تفجير ثكنات جنود حفظ السلام الأميركيين في لبنان عام 1983 والتي يؤكد أن “حزب الله” هو المسؤول عن الهجوم بدعم وتمويل من إيران.
وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) 2023، أعلن البرنامج عن مكافآت تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تعطيل الشبكة المالية لحركة “حماس”، وسط حربها المستمرة مع إسرائيل، وحدد خمسة وسطاء ماليين يساعدون في إدارة محافظ مالية سرية لـ”حماس” تُولِّد مبالغ هائلة من الإيرادات تُستخدم في تمويل هجماتها على إسرائيل، وهم عامر كمال شريف الشوا، وأحمد سدو جلهب، ووليد محمد مصطفى جاد الله، وعبد الباسط حمزة الحسن محمد خير، ومحمد أحمد عبد الدايم نصرالله.
وفي 2 مايو (أيار) الماضي، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على ممولي “حزب الله”، وقدم برنامج “مكافآت من أجل العدالة” مكافآت تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن محمد قاسم البزال ومحمد جعفر قصير، وهما ممولان رئيسيان للحزب، من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني للمساعدة في تمويل الحزب من خلال التهريب وعمليات إجرامية أخرى، وكان البرنامج الأميركي خصص 15 مليون دولار في 28 سبتمبر (أيلول) 2023 كمكافأة لمن يدلي بمعلومات عن الشبكة المالية للحرس الثوري وفرعه “فيلق القدس” الذي يستخدم آليات متنوعة لتمويل أنشطته، بما في ذلك الشركات الوهمية والكيانات التي تساعده على تجاوز العقوبات الأميركية والدولية.
وفي 18 يوليو الماضي، عرض البرنامج الأميركي مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن سلمان رؤوف سلمان المعروف باسم “صموئيل سلمان الرضا”، وهو قيادي في منظمة الأمن الخارجي التابعة لـ “حزب الله” ويوجه أنشطتها في الأميركيتين. ويتهم البرنامج سلمان بالمسؤولية عن تفجير المركز الثقافي اليهودي بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس في عام 1994 والذي أسفر عن مقتل 85 شخصاً.
وفي 26 سبتمبر 2023 عرض برنامج مكافآت العدالة، مكافأة تصل إلى 20 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال وإدانة شهرام بورصافي، المعروف أيضاً باسم شاهين بورباخش، وهو عضو رسمي في “الحرس الثوري” والذي يُعتقد أنه رتّب نيابةً عن “فيلق القدس” عمليةً دولية لقتل مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون باستئجار قاتل دولي محترف مقابل 300 ألف دولار. وصنّفت وزارة الخزانة الأميركية بورصافي كـ “إرهابي عالمي”.
“داعش” و”القاعدة”
غير أن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” لا يقتصر على “حماس” و”حزب الله” و”فيلق القدس”، بل يشمل ومنذ زمن بعيد الفصائل المتطرفة مثل تنظيمَي “داعش” و”القاعدة”، حيث عرض مكافأة تصل إلى 6 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن سعد بن عاطف العولقي وهو عضو في مجلس شورى تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” (أعلى هيئة حاكمة للجماعة) والذي دعا علناً إلى شن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
وفي 26 مارس (آذار) الماضي عرض البرنامج 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن ممولَي تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” عباس حمدان وسبيت بن الحارث، وهما من كبار القادة والممولين للتنظيم الذي أعلن عن مسؤوليته عن هجمات مميتة عدة، كما عرض البرنامج 10 ملايين دولار أخرى لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تعطيل الشبكات المالية لـ “القاعدة” التي تعتمد بحسب البرنامج، “على الابتزاز وتهريب النفط والاتجار بالبشر والخطف للحصول على فدى، إضافة إلى التبرعات من الخارج.
كذلك، عرض البرنامج 10 ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تعطيل شبكات “داعش” المالية والتي يقول البرنامج أنها تولّد أموالاً عبر عمليات نهب وخطف وطلب تبرعات وابتزاز مدنيين وتحويل الأموال عبر شبكات الحوالة إلى فروع “داعش” في مختلف أنحاء العالم، ثم تدعم بهذه الأموال الهجمات الإرهابية التي أدت إلى قتل آلاف الأبرياء.
ويقدم برنامج “المكافآت من أجل العدالة” مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى إعاقة الآليات المالية لتنظيم “داعش بولاية خراسان” المتمركز في أفغانستان، والذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري في مطار كابول الدولي والذي أسفر عن مقتل 13 جندياً أميركياً أثناء الانسحاب الأميركي من أفغانستان في سبتمبر 2022. كما خصص البرنامج عدة ملايين من الدولارات لمن يقدم معلومات عن قيادات “حركة الشباب” الصومالية.
ماهية وتاريخ البرنامج
تأسس برنامج “المكافآت من أجل العدالة” وهو برنامج مكافآت الأمن القومي التابع لوزارة الخارجية الأميركية، في عام 1984 بموجب قانون لمكافحة الإرهاب الدولي تحت إدارة مكتب الأمن الدبلوماسي بوزارة الخارجية وفقاً لصفحة البرنامج على الإنترنت. ويهدف البرنامج إلى صرف مكافآت مقابل الإدلاء بمعلومات تحمي أرواح الأميركيين والمصالح الأميركية بما يعزز الأمن القومي للولايات المتحدة.
ووسّع الكونغرس السلطات القانونية لبرنامج “مكافآت من أجل العدالة” ليشمل أربع فئات واسعة، أولها وأهمها “مكافحة الإرهاب” من خلال عرض ملايين الدولارات مقابل الإدلاء بمعلومات من شأنها أن تؤدي إلى اعتقال أو إدانة أي شخص يخطط لارتكاب أعمال إرهابية دولية ضد أشخاص أميركيين أو ممتلكات أميركية، بما يمنع حدوث مثل هذه الأعمال في المقام الأول، أو يحدد هوية أو موقع أي زعيم إرهابي بارز، أو يعطل الآليات المالية لمنظمات إرهابية أجنبية ويشمل ذلك تعطيل شبكات الاختطاف وحوادث الخطف التي تدعم هذه المنظمات مالياً.
وتشمل الفئات الأخرى، تقديم أموال لمن يدلي بمعلومات عن التدخل الأجنبي في الانتخابات بما يؤدي إلى تحديد هوية أو موقع أي شخص أجنبي شارك عن علم أو يشارك في تدخل أجنبي في الانتخابات، وكذلك تقديم أموال لمن يدلي بمعلومات عن النشاط السيبراني المشبوه بما يحدد هوية أو موقع أي فرد يتصرف بناءً على توجيهات إحدى الحكومات الأجنبية أو تحت سيطرتها أو يساعد أو يحرض على انتهاك قانون الاحتيال والانتهاك الحاسوبي.
ويقدم البرنامج أموالاً لمن يدلي بمعلومات من شأنها أن تعطل الآليات المالية للأفراد أو الجهات المشاركة في أنشطة معينة تدعم النظام الحاكم في كوريا الشمالية أو تحدد هوية أو موقع أي فرد يتصرف بناءً على توجيهات حكومة كوريا الشمالية أو تحت سيطرتها أو يساعد أو يحرض على انتهاك قانون الاحتيال والانتهاك الحاسوبي.
كيف يعمل البرنامج؟
توجه إعلانات برنامج “المكافآت من أجل العدالة” الأفراد بإرسال ما لديهم من معلومات في شكل رسائل نصية إلى خطوط المعلومات السرية باللغة الخاصة ببرنامج المكافآت عبر العديد من تطبيقات المراسلة المشفرة والمتاحة على نطاق واسع التي تتضمن “سيغنال” و”تيليغرام” و”واتساب”، كما يمكن للأفراد الإدلاء بما لديهم من معلومات عبر البريد الإلكتروني وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد ذلك يكشف برنامج المكافآت لوكالات الحكومة الأميركية الأخرى عن المعلومات السرية الملائمة، لفحصها والتأكد من صدقيتها. وبمجرد أن يأذن وزير الخارجية بعرض المكافأة، يعلن عنها برنامج المكافآت ويتفاعل مع الجماهير المستهدفة باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات التي تشمل وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة الاجتماعية ووسائل الإعلام التقليدية.
ويقول موقع البرنامج على الإنترنت إن كل ترشيح للحصول على المكافأة يمر عبر وكالة تحقيق أميركية، والتي تقوم بتقييم المعلومات، ثم ترشح شخصاً للمكافأة، ويتعين على وزير الخارجية بعد ذلك الموافقة على المكافأة، وحتى الآن دفع البرنامج 250 مليون دولار لأكثر من 125 شخصاً قدموا معلومات عن المطلوبين بعدما قدم هؤلاء معلومات قابلة للتنفيذ أدت إلى وضع الإرهابيين خلف القضبان أو منع أعمال الإرهاب.
ووفقاً لموقع البرنامج على الإنترنت، فإن أكبر مبلغ تم دفعه حتى الآن كان 30 مليون دولار، تم دفعه إلى فرد واحد قدم معلومات أدت إلى العثور على عدي وقصي، نجلي الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث قُتل الشقيقان في عام 2003 في تبادل لإطلاق النار مع القوات الخاصة الأميركية.
نجاحات عدة
يعتبر المشرفون على برنامج مكافحة الإرهاب الذي تديره وزارة الخارجية أنه حقق نجاحاً كبيراً على مدى أربعين عاماً، باعتباره أحدح أهم الأدوات التي تمتلكها الحكومة الأميركية في مكافحة الإرهاب، وأن الأمر الأكثر أهمية من العثور على أولئك الذين يقتلون الأميركيين وتقديمهم للعدالة هو حقيقة أن البرنامج قادر على إنقاذ الأرواح.
ومن بين أمثلة النجاح التي يشير إليها البرنامج، دفع 30 مليون دولار مقابل معلومات أدت إلى العثور على ابني صدام حسين، عدي وقصي بسرعة غير مسبوقة، وكذلك القبض في عام 1997 بباكستان على مير أيمال كانسي، الذي وقف أمام بوابة الدخول إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في عام 1993 وقتل موظفين في طريقهم إلى العمل، وقد حدث ذلك لأن أحد الأشخاص هناك رأى غلاف علبة أعواد ثقاب وهي وسيلة إعلانية قياسية للبرنامج تحمل معلومات عن كانسي، ما أدى إلى الإبلاغ عنه وتلقى المخبر مكافأته.
كما كان الإعلان على غلاف علبة أعواد ثقاب أداة للحصول على معلومات أساسية عن رمزي أحمد يوسف، أحد المسؤولين عن تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، وكما حدث مع كانسي، تم القبض على يوسف في باكستان، وتسليمه بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، وحوكم وأدين لدوره في التفجير.
وصرف البرنامج مكافأة قيمتها 3 ملايين دولار أميركي لشخص أدلى بمعلومات أدت إلى اعتقال وإدانة أحمد أبو ختالة العقل المدبر لهجوم 2012 الذي شنه إرهابيون على مرفق البعثة الخاصة للولايات المتحدة في بنغازي بليبيا والذي أسفر عن مقتل أربعة أميركيين من بينهم السفير كريس ستيفنز.
كما صرف البرنامج مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لعدة أشخاص أدلوا بمعلومات عن قذافي جنجلاني، أمير جماعة “أبو سياف”، ومقرها الفيليبين حيث كان جنجلاني مسؤولاً عن اختطاف وقتل مواطنين فيليبينيين وأميركيين. كما دبر جنجلاني ونفذ هجمات عدة ضد المصالح الأميركية من بينها سفارة الولايات المتحدة في مانيلا.
انتقادات وأخطاء
على رغم أن عمليات القتل والقبض على المطلوبين تتم نتيجة لمعلومات استخباراتية، فإن برنامج “المكافآت من أجل العدالة” له منتقدون، إذ يقول البعض إن البرنامج يشجع على بحث الأشخاص بشكل متهور عن المكافآت، كما أعرب البعض عن مخاوفهم بشأن صدقية المعلومات التي يتلقونها، وعلى سبيل المثال، يؤدي دفع المكافآت للناس في المناطق الفقيرة إلى الإبلاغ عن جيران أبرياء حتى يتمكنوا من الحصول على أموال المكافأة، وفي إحدى الحالات في الفيليبين، وزع الجنود الأميركيون كتيبات تحتوي على صور لمشتبه فيهم مطلوبين في قضايا الإرهاب، لكن إحدى الصور كانت لزعيم ديني غير منتمٍ لأي جماعة إرهابية.
ويتساءل آخرون عما إذا كان أي مبلغ من المال قادراً على التغلب على الولاءات العرقية العميقة الجذور في أماكن مثل أفغانستان، فيما يثير البعض تساؤلات عن تفضيل الولايات المتحدة قتل المشتبه فيهم من الإسلاميين المتشددين باستخدام الصواريخ والقنابل الموجهة بدقة، مشيرين إلى أن التفجيرات ربما تضر بجهود مكافحة التمرد، والتي تقوم على كسب الثقة والتعاون في البلدان الإسلامية.
وكثيراً ما هاجم المنتقدون الإعلانات والمواد الترويجية الأخرى للبرنامج، بخاصة خلال حكم الرئيس السابق جورج دبليو بوش، لافتقارها إلى الحساسية الثقافية حيث انتقدت الجماعات ذات الميول اليسارية، إعلانات تعتمد على عبارات مبتذلة والصور النمطية الثقافية التبسيطية.
وعلى رغم أن إقناع الناس بالحصول على المال لتسليم أقرانهم يعد تكتيكاً مستخدَماً منذ العصور القديمة، إلا أن كثيرين يرون أن البرنامج يشكل وسيلة لمحاربة الإرهاب بالرأسمالية.
وإضافة إلى ذلك، زعمت مقالات صحافية أن الحكومة الأميركية تجد بانتظام طرقاً للتملص من دفع المكافآت، وأن بعض المخبرين يتم تجاهلهم ومن بينهم اثنان من مدربي الطيران في قضية زكريا الموسوي المتهم بالضلوع في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 شعروا بالخداع عندما اختارت وزارة الخارجية مدرباً ثالثاً لتلقي مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار.
انتهاكات حقوقية
في الوقت نفسه، اعتبر خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة إن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” ينتهك حقوق الإنسان لبعض الأفراد الذين يستهدفهم، لأن حكومة الولايات المتحدة تصنفهم على أنهم مرتبطون بالإرهاب، ولكن لم توجه إليهم أي اتهامات بارتكاب أي جرائم، كما يقدم البرنامج أموالاً للأفراد الأجانب الذين يزعم أنهم متورطون في الإرهاب إذا تعاونوا مع السلطات الأميركية.
وأشارت ألينا دوهان، المقررة السابقة المعنية بالتأثير السلبي للتدابير القسرية الأحادية الجانب على التمتع بحقوق الإنسان، إلى أن “العديد من الأشخاص المستهدفين ببرنامج مكافآت من أجل العدالة حُرموا من حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة التي تتضمن افتراض البراءة والمحاكمة العادلة”، وأن الولايات المتحدة ملزمة بموجب القانون الدولي باحترامها.
الأنديبندنت