الباحث/احمد الحمد المندلاوي
# لنا وقفة على ساحل الموسوعي د.زاهد محمد زهدي صادق الفيلي الحياوي،
و هو من عشيرة “ملكشاه الكردية الأصيلة”.
ربما لم يعرفه كثير من الاجيال الجديدة رغم شهرته عراقيا وعربيا وعالميا.
فقد كان شاعرا مبدعا،باللغة العربية “العامية والفصحى” رغم كونه كوردياً فيلياً ، ومناضلا معروفا، إتكأ على أرصفة الموانئ وعرفته مطارات الدنيا، وساح مع قطارات العالم ، مسافر زاده الألم و الفراق ، وبوصلته قضية الوطن التي يحملها عشقا ، وتدفعه شوقا الى ارض الرافدين ، يجتز ٱلامه وجراحه الخاصة بعيدا عن مشاعر محبيه ، فيبدو ضاحكا متهللا في الوقت الذي تتوقد جمرات الألم والحزن بجنبات نفسه وتعصف رياح الأسى بواقع حياته اليومي.
ولد مبدعنا الاصيل عام 1930م بمدينة الحي – محافظة واسط “الكوت”،وأكمل فيها دراسته الأولية ، ثم واصل دراسته الثانوية في كلية الملك فيصل الاول ببغداد؛ والتي لا تقبل الا الطلبة المتفوقين من خريجي المدارس الابتدائية في عموم العراق .
ثم فيها تفتحت قريحته الشعرية الوطنية والسياسية ؛في عام 1947م،قد تم فصله من كلية الفيصل خلال موجة تصاعد الحركة الوطنية ومشاركته في الإضراب المشهور للطلبة ، والذي جرّ اليه كل ثانويات بغداد . وعندما سدّت المنافذ الدراسية بوجهه بادر للعمل كاتبا في السكك الحديد وبعد إعلان الاحكام العرفية في اعقاب حرب فلسطين عام 1948م زج به في سجن الكوت مع العشرات من الوطنيين.
ثم نقل الى سجن نگرة السلمان حتى عام 1955م، وخلال فترة السجن التي امتدت سبع سنوات متصلة انصرف كليآ لكتابة الشعر وكتابة الأغنيات الوطنية.
ويشكو الدكتور زاهد من لسانه الذي سبب له الكثير من المشاكل، فيقول:
آه لو صح لــه خلع فقد
لزم الصدق وبالضيق رماني
لا يسمي الشيء الا بأسمه
وهو المنكر في هذا الزمان
و هو كاتب غزير الإنتاج ،له مؤلفات في الاقتصاديات النفطية وشؤون التنمية وعدد من الأبحاث الاقتصادية
وله دراسة في الشعر حول الملا عبود الكرخي الذي تأثر بشعره، كما تأثر بالشاعر الكبير معروف عبد الغني الرصافي والمعروف بوطنيته.
أما د.زاهد في مجال الشعر فله دواوين شعرية عديدة منها:
– أفراح تموز 1960م
– شعاع في الليل 1962م
– حصاد الغربة 1993, 1994.
– مرافئ الشوق.
– الجواهري صنّاجة الشعر العربي في القرن العشرين.
– الاخوانيات.
وقد غنى قصائده كبار المطربين العراقيين مثل : ناظم الغزالي، ومائدة نزهت، ووحيدة خليل، وقارئة المقام العراقي فريدة، واحمد الخليل في أغنيته الشهيرة (ههربژی كورد وعرب ..رمز النضال) مع انبثاق ثورة
14/تموز/1958م.
يقول الدكتور زاهد ان بداياته كانت مع الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي رحمه الله ، وتأثر بخاله الشاعر حبيب الشيخ ظاهر الذي كان من أبرز شعراء مدينة الحي ، وكان من شعراء الشعر الحسيني الذي يتركز على مدح آل الرسول وتصوير مأساة استشهاد الامام الحسين “ع” في كربلاء.
كما تأثر الشاعر بوالدته التي كانت تحفظ الشعر شفاهاٌ وعفو الخاطر وهي التي ألقت الشعر على أصدقائه المسجونين معه في سجن نگرة السلمان أثناء زيارتها له.
هلا بابني اليشيل الراس طاريه
لأجل عين الشعب عايـف أهاليه
لاجل عين الشعب صامد لكل سجان
يذكر يوم قيس وحازم و شمران
أريدنك تذلها لــ ( نگرة السلمان )
ما انت ابني لو انك تخلف النيه
هلا بابني اليشيل الراس طاريه
ولم يتوقف الدكتور زاهد عن نشاطه المعارض من أجل تحقيق المزيد من الإصلاحات في الوضع العراقي وكان ينشر في الصحف بشكل سري في الخمسينيات بتوقيع (أبو ذكريات) بعد خروجه من السجن.
ويذكر زاهد محمد دائما فضل مدير الإذاعة العراقية، عام 1959، سليم الفخري عليه الذي حرص على الاستفادة من مواهبه، وفعلا كان سريع البديهة في مواجهة مذيع إذاعة صوت العرب الشهير أحمد سعيد، أيام الحرب الكلامية بين القاهرة وبغداد بعد وئام لم يدم سوى أسابيع من اندلاع الثورة العراقية 1958م المجيدة.
من برامجه الشعبية الشهيرة، كان برنامج «غيدة وحمد»، الذي ظل يذاع عبر الإذاعة العراقية لعدة سنوات، حتى بعد النقمة على صاحبه، وربما شجع هذا البرنامج الكثير من العائلات الفلاحية على شراء جهاز المذياع.
شخصيتان لا تزالان، منذ نهاية الخمسينات وحتى الآن، تحتلان مكاناً في ذاكرة العراقيين عبر الإذاعة، هما: زاهد محمد زهدي ببرامجه المتنوعة، وأبو كاطع (شمران الياسري) ببرنامجه الشهير آنذاك «بصراحة أبي كاطع».
بعد 1963 أستقر في لندن بعد ان حصل فيها على شهادة الدكتوراه للتدريس الجامعي ،
وحصل على دكتوراه الجامعة, ودكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية عام 1973م من تشيكوسلوفاكيا.
بعدها عاد للعراق وعمل في وزارة التخطيط العراقية باحثاً اقتصادياً
وفي وزارة النقل ببغداد حتى عام 1980م.
وما لبثت ان بدأت جرائم النظام السابق ترتكب بحق الكورد الفيلية حتى تم تهجير عشرات الآلاف منهم وإعدام الآلاف فغادر العراق عام 1982م ونال جوازي السفر الأردني والسعودي تكريما له؛ كما نال الاقامة الدائمة في بريطانيا وتشيكوسلوفاكيا (1).
توفي 2001/9/28م صباحا”رحمه الله” في لندن ودفن في مقبرة كارل ماركس في هايكيت في لندن .
—————————–
1- أعلام وأعيان من ربى كرميان- مخطوطة