صادق الازرقي
انتشرت في العراق في المدة الاخيرة غازات الكبريت التي غطت معظم العاصمة بغداد فضلا عن مناطق ومحافظات اخرى، ما تسبب بهلع السكان بسبب الاخبار التي انتشرت عن تأثر صحة الناس باستنشاق تلك الغازات وتسببها في الاصابة بالسرطان وامراض اخرى.
والمشكلة ان الجهات المعنية في الحكومة لا سيما في وزارة البيئة التزمت الصمت طيلة ايام ولم تصرح بشأنها الا بعد ان اثيرت الضجة في وسائل التواصل الاجتماعي وفي عموم وسائل الاعلام؛ ولم تتحدث الحكومة عن لب المشكلة المتمثلة بتحول العراق الى طليعة دول العالم الملوثة، واكتفت بطروحات جرى الحديث عنها مسبقا منها نقل مصفى الدورة الى منطقة جرف الصخر، وحتى ذلك الاجراء يفسره البعض بالتنافس على الاستثمار ومحاولة الاستيلاء على ارض المصفى في الدورة.
المهم ان الجهات المعنية اكتفت بذكر الاسباب العامة للتلوث الكبريتي وهي معروفة للسكان منها حرق الوقود الثقيل، اذ يحتوي النفط العراقي على نسبة عالية من الكبريت وعند حرق هذا الوقود في محطات توليد الكهرباء والمعامل، ينتج غازات سامة مثل ثاني أكسيد الكبريت.
وتسهم معامل الطابوق بشكل كبير في تلويث الهواء بغازات الكبريت والجسيمات الدقيقة، كما ان حرق النفايات بطرق غير آمنة يؤدي إلى انبعاث غازات ضارة، بما في ذلك غازات الكبريت؛ و تؤثر الظروف الجوية مثل انخفاض درجة الحرارة وزيادة الرطوبة على تراكم الملوثات في الهواء.
ولم تتطرق الجهات المعنية الى مخاطر استنشاق السكان للكبريت السام ومن ذلك المشكلات الصحية بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي، أمراض القلب، والسرطان، كما لم تتحدث عن مخاطر تآكل المباني بسبب الأمطار الحمضية الناتجة عن تفاعل غازات الكبريت مع بخار الماء ما يتسبب في تآكل البنايات والآثار التاريخية، او تأثير تلك الغازات على المحاصيل الزراعية والتقليل من إنتاجيتها، كما يؤدي تلوث الهواء إلى تدهور البيئة وتدمير الحياة البرية.
كما لم تتطرق الجهات المختصة الى وجوب التحول إلى مصادر طاقة نظيفة منها الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ولم تتطرق الى تحديث الصناعات وتطبيق تقنيات صديقة للبيئة للحد من انبعاثات الملوثات بخاصة فيما يتعلق بمعامل الطابوق لاسيما تلك المنتشرة في منطقة النهروان.
وكذلك لا تدار النفايات بشكل صحيح، ويجري حرقها في العراء، والعملية مستمرة حتى الآن، كما لم يجري الحديث عن ضرورة تكثيف تشجير المناطق الداخلية وأطراف المدن اذ يساعد تشجير المناطق على امتصاص غازات ثاني أكسيد الكبريت وتحسين جودة الهواء.
ويحق للسكان ان يتساءلوا هنا: إذا كانت جميع تلك الامور غائبة عن بال الجهات المعنية المختصة بشؤون البيئة، فكيف ستجري معالجة هذا المأزق الذي يؤرق السكان، لاسيما ان التلوث في العراق متعدد الجوانب ابتداء بدخان المولدات الكهربائية وربما ـ ليس انتهاء مع الاسف ـ بغاز الكبريت المنبعث الذي نأمل ان يعالج بإجراءات فورية ومن دون تأخير، حتى اذا جرت الاستعانة العاجلة بالخبرات الدولية في هذا المجال وهي متواجدة اذا خلصت النية، واذا عدت هذه المسألة الخطيرة الآن في سلم اولويات الحكومة.