متابعة ـ التآخي
كشفت وزارة البيئة العراقية، سبب رائحة الكبريت التي تؤرق أهالي العاصمة العراقية بغداد في المدة الاخيرة، مشيرة إلى أنها تعود إلى “حرق الوقود الثقيل المتمثل بالنفط”.
وأعلنت الوزارة في مؤتمر مشترك مع لجنة الصحة والبيئة النيابية، أن النفط العراقي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، وعند حرقه يولد “غازات سامة”، على حد وصفها.
أما مصدر هذه الرائحة في بغداد، فهو بحسب المعلومات التي وردت في المؤتمر الصحفي، مصفى الدورة ومحطة الطاقة الحرارية بالدورة ومحطة القدس في شمال بغداد والمحطات الكهربائية الأخرى، إضافة لمعامل الإسفلت والطابوق وعددها أكثر من 250، واستعمال بعض الكور لصهر منتجات النحاس وغيرها، وحرق النفايات في النهروان ومعسكر الرشيد.
ومن جديد احتل العراق المرتبة الأولى عربياً والسادس عالمياً كأكثر الدول تلوثا لعام 2023، فما هي أسباب هذا التلوث وتأثيره على السكان، وأين منجزات الاستراتيجية الوطنية العراقية للحد من التلوث البيئي؟
قالت وزارة البيئة العراقية إنها تمتلك قاعدة بيانات متكاملة بخصوص الأنشطة الملوثة، مبينة على لسان الوكيل الفني لوزير البيئة جاسم الفلاحي، أن سبب انتشار الروائح مؤخراً “ظواهر مناخية وطقسية نتيجة تعرض العراق إلى تيارات مختلفة بالإضافة لتغير اتجاه الرياح وارتفاع درجات الرطوبة”.
وذكر الفلاحي أن “وزارة البيئة تعمل بكل إمكانياتها رغم محدوديتها من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين للشروط البيئية”، لافتاً أن “هناك قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة في مجلس الدولة، الذي من شأنه أن يحل لنا أغلب المشاكل البيئية وينظم إدارة النفايات في العراق”.
هذه التصريحات قوبلت بعديد الأسئلة والاستنكار من قبل عراقيين أعربوا عن آرائهم في مواقع التواصل الاجتماعي. وكتب غالب الدعمي في منصة إكس “أين كانت هذه الرائحة قبل شهر من الآن؟ ولماذا ازدادت الدعوات بنقل مصفى الدورة ومحطة الكهرباء بالتزامن مع الرائحة؟” غير مستبعد أنها “مفتعلة” وفق تعبيره.
عراقيون آخرون كتبوا في التعليقات أن الرائحة ليست جديدة فعلياً، إذ سبق أن التقطتها أنفاس العراقيين في فترات متباعدة قبل سنوات وحتى عقود.
ولفت كثير من الاشخاص الى أن الرائحة لا تقتصر على بغداد، إذ انبعثت في محافظات بعضها في جنوب العراق مثل النجف، وأخرى في شماله مثل نينوى.
من جهته، قال رئيس اللجنة البرلمانية ماجد شنكالي “نحتاج لحلول آنية من خلال تمكين وزارة البيئة بالانتشار في جميع مؤسسات القطاع العام لكي تأخذ دورها الحقيقي ويكون هناك تمويل للوزارة”.
وأضاف في المؤتمر الصحفي، أن 95 بالمئة من الملوثات في العراق هي مؤسسات القطاع العام لأن الفرق الرقابية من وزارة البيئة لا تستطيع القيام بعملها.
وأوضح شنكالي “في موازنة 2025 سنعمل على أن يكون هناك تمويل خاص لوزارة البيئة… والحكومة العراقية كانت لديها برامج خاصة لتمويل المشاريع المتعلقة بتغير المناخ” مشيراً إلى نماذج عالمية لمصافي النفط “صديقة البيئة” تتواجد داخل مراكز مدن، مؤكداً على أهمية تحديث مصفى الدورة في بغداد بتقنيات تجعل الانبعاثات منه “صفراً”.
وكان المتحدث الرسمي لوزارة البيئة لؤي المختار، قال “خلال الأيام الماضية لوحظ انتشار رائحة مشابهة لرائحة الكبريت وارتفاع في مستويات بعض الملوثات خلال فترات الليل والفجر، هذه الظاهرة قد تكون ناتجة عن تغيرات في جودة الهواء المحيط بسبب الاحتراق غير التام للوقود عالي المحتوى الكبريتي لعدد من الأنشطة وحرق النفايات في المطامر غير النظامية”.
وأضاف أن هذه الحالة زادت مع بدء انخفاض درجات الحرارة وزيادة التفاوت بين درجات الحرارة في الليل والنهار، حيث تندفع غازات الاحتراق الى الأسفل بدلاً من ارتفاعها الى الأعلى وتخفيفها، موصياً السكان بتقليل التواجد في الهواء الطلق إذا كانت الروائح مزعجة، وإغلاق النوافذ لضمان جودة الهواء داخل المنازل.
وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفسي، قال المختار إن عليهم “أخذ استراحة داخلية أو ارتداء الكمامات عند الاضطرار للخروج كإجراء احترازي”.
يقول المهندس البيئي حسام الربيعي إن الدخان الكبريتي الذي لوحظ في العاصمة العراقية بغداد “ليس قاتلاً”، لكنه يؤثر سلبياً على جودة الهواء و”تراكيزه العالية تسبب الاختناق”.
ويضيف الربيعي أن استمرار هذه الحالة من تصاعد دخان الكبريت واستنشاقه من قبل المواطنين سيتسبب لهم بـ”مشكلات في الرؤية، وأخرى في الجهاز التنفسي”.
وأعلنت وزارة البيئة في المؤتمر المشترك مع لجنة الصحة والبيئة التابعة للبرلمان العراقي، أن النفط العراقي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، وعند حرقه يولد “غازات سامة”.
ويشير الربيعي إلى أن انتشار رائحة الكبريت “ليس جديداً على أجواء العاصمة، إلا أنه كان يحدث على فترات متباعدة، وبدرجة تلوث أقل بكثير عما شهدته الأجواء العراقية” هذه المرة.
خبير الطقس صادق العطية، يفسّر سبب الدخان الذي رآه الكثير من العراقيين مؤخراً، وهو “وجود الغازات والجزيئات الملوثة للغلاف الجوي التي تأتي بأشكال وأحجام مختلفة، بعضها يؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان، مثل أول أوكسيد الكاربون وثاني أوكسيد الكربون وأكاسيد النتروز”.
ويوضح “أظهرت صور الأقمار الصناعية أن مُعامل التلوث في الأجواء بلغ مستويات قياسية حتى أصبحت بغداد تتصدر عواصم الدول عالمياً بوصوله إلى أكثر من 200 ملغرام/متر³. هذه القيم تتجاوز بحوالي 18-24 مرة الحد الصحي المسموح تواجده في الأجواء حسب منظمة الصحة العالمية”.
وعدّد العطية أسباباً مشابهة لما أعلنت عنها الجهات الرسمية، لافتاً إلى أن الجديد بناءً على مشاهدات السكان في محيط العاصمة قيام البعض بـ”حرق منتجات لغرض الحصول على مواد للبيع من تجار الخردة مثل النحاس، وحرق الأجهزة الدقيقة التي تصدر منها انبعاثات غازية تعتبر ملوثات خطيرة، إضافة لحرق النفايات”.
وبرغم تلك الاسباب المعلنة فان بعض المصادر ادعت ان سبب انتشار رائحة الكبريت هو ما تنتجه بعض المعامل لإنتاج الاسلحة من قبل جهات مسلحة في منطقة النهروان وتلك الاسلحة قديمة من مخلفات الأسلحة السوفييتية السابقة بحسب قولهم.