ما علاقة الادب بالاقتصاد ؟   

 

د . صباح ايليا القس

 

قلة هم من ينظرون الى الادب بوصفه موردا اقتصاديا سابقا ولاحقا ايضا بغض النظر عن طبيعة المتغيرات الاقتصادية او وسائل انتفاع الاديب من نتاجه الابداعي .

الخجل هو سبب رئيس في افصاح اغلب الادباء عن انتفاعهم من الادب سواء بالتسويق المباشر او الشهرة التي تسمح بالانتفاع من وسائل اخرى .. منذ ظهور الكتب الورقية وحتى يومنا هذا وبالرغم من تغير اساليب النشر والتسويق الا ان الكتاب ما يزال مطلوبا ولو بنسب متفاوتة مع حرص المسؤولين عن الثقافة بشكل عام واجتهادهم لغرض تسويق الكتب عن طريق تعدد معارض الكتاب داخل العراق وخارجه .

لا يكتب المؤلف او الشاعر لنفسه بل هم يكتبون للآخرين لا سيما القراء الذين يتابعون هذا اللون من الابداع او ذاك واقصد الشعر بانواعه والفنون النثرية بانواعها ايضا بغض النظر عن من يعتقد ان الكاتب يكتب لنفسه ايضا اذ لا يوجد مثل هذا الاديب بل هو يكتب من نفسه قاصدا ايصال صوته الى الآخرين الذين هم القراء الذين اعتادوا على اصداراته او من تجذبهم طروحاته الابداعية .

هناك من الادباء من يعتمد على نفسه في التسويق وهكذا هو اغلب الحال في ايامنا هذه وهناك من يعتمد على الآخرين في التسويق كأن يكون صاحب مكتبة او مطبعة او احد المعجبين او الجهات الرسمية ممثلة بالوزارات او الاتحادات وقد ينتفع الاديب من مردود كتبه كما كان سابقا وقد لا ينتفع ابدا اذ يكتفي من الاصدار بالشهرة والتميز في حقل تخصصه .

والسؤال هل ظل الكتاب مطلوبا وهل هناك قرّاء يتابعون هذا الاديب او ذاك كما كان معروفا في الزمن الماضي ؟ والجواب عن هذا السؤال يرتبط بالوعي الثقافي للفرد ولا سيما ما يتعلق بالتربية البيتية وحرص الاهل على ثقافة اولادهم وإشعارهم باهمية الكتاب ابتداء من مرحلة الطفولة واصداراتها حتى مرحلة الشباب وبدء تشكيل الاهتمامات ولاحقا محبة المطالعة العامة بحثا عن الثقافة عامة ولا بأس من التوجه نحو نوع أدبي يجد فيه الشاب او الفرد ما يملأ عليه توجهاته الانسانية والفكرية .

القارئ له الدفع الاولي في استنهاض همة الاديب لمزيد من العطاء فاذا وجد الاديب صدى لما يكتب ومتابعة من القراء ازداد حماسه ونشاطه وتهيأت ادواته للبدء بمشروع جديد يتجاوز فيه ما جاء في اصداره الاول وهكذا تتوالى النشاطات الابداعية ويكمل كل طرف ما يعجز عنه الطرف الآخر ..

كان بعض الكتاب يعيشون على ما تدره عليهم كتبهم وكانوا يرتضون بالقليل اذ كانت الحياة بسيطة ايضا اما الآن فلا يمكن ان يعيش الاديب من ادبه مهما اجتهد وجاهد ومهما حصد من عدد القراء بالرغم من معرفتنا الكبيرة بقلتهم .

السؤال الذي يقلقني هو , هل غاب عصر القراءة ؟ أقول جوابا عن هذا السؤال .. كنا فقراء ونشتري الكتاب , وكتاب بعد كتاب صارت لدينا مكتبة . والكتب الآن مدعومة ومتوفرة وليست هناك الممنوعات المتعددة الا ما يتعلق بالابتذال ولكن أين من يقرأ .. ؟ تشهد على قولي مخازن المطابع والاتحادات والوزارات الى ان يأتي حين حيث تباع بثمن بخس لا يرتضيه بعض الكتاب أن تهان كتبهم على أرصفة شارع المتنبي وانا منهم ..

ولا ننسى ان العزوف عن القراءة اوقف عددا من الصحف الورقية عن الصدور وتم تسريح العاملين من ادباء وصحفيين وفنيين وتوقف مردودهم الاقتصادي وبقيت فقط الصحف المدعومة التي سرحت نصف العاملين ايضا وخسروا رواتبهم كل ذلك بسبب قلة القراء .

كنّا نتباهى ونحن نحمل صحفيتنا وصرنا ندرة يشار الينا كما يشار الى اهل الكهوف .. طبعا ليس بالامنيات تعود القراءة ويندفع الشباب الى شراء كتاب افضل من جلسة تدخين بل يجب ان نبدأ بزرع محبة القراءة منذ المرحلة الابتدائية وحتى المراحل المتقدمة لا سيما المرحلة الجامعية والدراسات العليا الذين يجب أن يخصصوا مبلغا من مصروفاتهم لتأسيس مكتبة شخصية على الاقل للتباهي فقط .

قد يعجبك ايضا