نزيف الكلمات

 
القسم السادس

كتابة/ دلزار اسماعيل رسول

الشك ، تقضي على اية علاقة في الوجود مهما بلغت قوته، فهي كالدود ينخر كيانك ، و يدس فيها الريبة و الظنون ، و شيئا فشيئا يستفحل و يزداد سوءا الى ان تصل الى حد الانهيار و السقوط في الهاوية السحيقة التى لا رجوع فيها ولا قرار ، حينها لا تستطيع أن تعيد البنيان الى سابق عهده ، ولا أن تعيد دعم أركانه، فلقد تشظى الى الف قطعة و قطعة ، ومهما حاولت تجميعه فسيبقى اثار الخدوش عليه عميقة لا تقدر أن تملئه…
الكبوة وراء الاخرى…كسرت عنقي و جعلتني استسلم في آخر الامر، كلما نهضت، الحقتها باخرى ، حتى بت ارى اثار نزفي في جميع اركان قلبي ، فلم يعد يحتمل اكثر …
هناك سؤال يحيرني…لماذا لا نقدر على التواصل المستمر بدون انقطاعات…فما أن نبدء حتى نلاقي الباب الموصود في وجوهنا، فنرتد على أدبارنا خائبين …هل هنالك شخوص خلف الستار لا اراهم…هل هناك اناس يلهفون وراءها من حيث لا اشعر..فما أن يقتربوا منها ، تظهر بوادرها عليها…هل علاقتنا مكتوب عليها بالفناء و مقدر عليها بالذبول مع الايام، و انا اركض وراء سراب من حيث لا اشعر….هل و هل و هل ، هذه الاسئلة التي لم اجد لها جوابا طيلة السنين الماضية، ولا احسب اني ساجد لها رداً…سببت لي ذهولا مستمرا و قلقا مستديما ، يغادرني حينا و يلازمني دهرا…
هناك حقيقة يجب أن اعترف بها…سواء كنتي في حياتي أم لم تكوني…ستظلين عالقة في اذهاني ما حييت، و ساتذكر محياك، و أقض مع طيفك بقية عمري…لان مهما تحاشيت تذكرك، سوف تفرضين نفسك بقوة رغما عني ، و سأواجه وجهك في كل أرجاء روحي…
سوف تظلين متربعة على عرش قلبي…ما حييت…صدقيني…فلن ابرح الارض إلّـا و انت ساكنة في وجداني…وسوف نظل نتحاور بأرواحنا سواء شئنا أم أبينا، فروحينا على وئام، رغم خصام أنفسنا، فهم قد هاموا على مستوى الاجساد و النزوات ، ولا يهمهم سفاسف الامور…
ولكن أعلمي…لو ان كل ذرة في جسمي تناديك و ترجو لقاك…لن اقترب منك مرة اخرى، فلقد رميتيني بصفات و نعوت هي ابعد مني من مشارق الارض و مغاربها ، فأنا الاصالة يجري في عروقي ، و النقاء يجري في دمي …فكيف انظر الى اقرب المقربين منك…
لقد اقترفت خطأ فادحاً …حينما ألبستيني تهمة أنا برئ منها…فأنا منذ أن وقعت على هذه البسيطة …لا أنسى الاساءة ، كما لا أنسى الاحسان…  فالإساءة يترسخ في كياني، ولا أنسى ابداً مَنْ آذوني …ولكن إيذائك لي أشد إيلاماً، و أكثر عمقاً من باقي البشر…و دائما تركت لي ندوبا لا يندمل مع الزمن…و كررت ظلمك لي على مر العصور و الازمان…الى متى هذا الطغيان و هذا التحدي لقلبي   الى متى تثيرين هذه الزوابع لفؤادي…لقد تعبت من كل هذه العواصف الجارفة التي انهكتني و قضت على صحتي…
كفى بنا إستماعاً الى نداءات قلبي فلقد أوردتني المهالك ، و لننصت الى إستنجاد العقل …ألم يحن الاوان بعد أن أنصت لنداء العقل ، و اكتفي من كل هذه العذابات …أيها العقل قُلْ ما عندك …فكلي آذان صاغية…
أنا بت لا اعرف نفسي ، لم أعد أتعرف على ملامح روحي و قلبي ، لقد أضاعتني ، و فقدت نفسي ، يا ترى من يستطيع أن يخرجني من مأزقي هذا ، الكل يظلمني، فأضحيت لا اعرف  العدو من الصديق ، ولا القريب من البعيد ، لا ادري ما هذه الغابة التي أوقعت نفسي فيها..ولا ارى فكاكاً منها …
أيها القلب ، ألم تكتفي ، ألم يحن الاوان بعد ، أن تضع سيوفك و رماحك جانباً، و ترحل عن هذه المعركة الغير المتكافئة التي لا ناقة لك فيها ولا جمل  ، و تستسلم ، ألم تكتفي بخيبات الامل المتلاحقة ، الى متى هذا الاصرار على الانتصار و انت مهزوم مخذول لا محاله …يا نفس أفيقي فليس كل شخص مثلك…. ألم تكتفي …
هناك سبب ما لتصرفاتك هذا …قد أعرفه في يوم ما …أو قد لا اعرفه …ولكن في صميم فؤادي الصادق…يخبرني أن وراء الامر خطب ما …
أريدك أن تطلقي سراح روحي ، و تفكي قيودك عنه …أن تتركي قلبي هائما على وجهه …أن تزيلي الاغلال على قلبي …أن تتركي روحي لشأنه ، و أن لا يطارده أطيافك…
ساقضي بقية حياتي حصورا…بعيدا عن النساء…ناسكا متبتلا لما تبقى من اياًم عمري…فانا لم ولن أستطيع الاقتراب من امرأة أخرى…لان طيفك دائما اراه امامي…تنظرين الى بعينين شاخصتين…كلما حاولت الاقتراب من امرأة غيرك…

قد يعجبك ايضا