التآخي : وكالات
مخرجة عراقية مقيمة في أوروبا، تعود إلى بغداد لتخوض تجربة مشروع تصوير فيلم يضم عناصر من أجيال مختلفة من أشخاص لهم مشاكل في الماضي ترتبط بشكل مباشر بالفكرة الرئيسية للفيلم، ألا وهي التعامل بين الأفراد أثناء الخلافات ليجدوا أنفسهم في صراعات عميقة مخفية، بما فيها مع زوجها، فتتفجر في كواليس العمل مجموعة من الخلافات والصدامات بين الماضي والحاضر والمشاكل التي يعاني منها المجتمع راهناً، بما فيها مع زوجها.
هذه الثيمة الأساسية لمسرحية “كواليس”، وهو أول نص مسرحي تكتبه النجمة العراقية آلاء حسين التي وصفت العمل باعتباره: “عرض يمزج بين عناصر المسرح والسينما، ويبرز الأسلوب المميز للمخرج أكرم عصام من خلال استخدامه المبتكر لمفهوم “خط الضوء”، بالتزامن مع التصوير الحي والإسقاطات المرئية. يستثمر العرض إمكانية الأداء الديناميكي للممثلين الذين يجسدون العرض”.
“كواليس” العودة إلى المسرح
مسرحية “كواليس” المعروضة حالياً على مسرح الرشيد ببغداد، بطولة آلاء حسين وسعد محسن وشاهندة الربيعي، إخراج أكرم عصام، إنتاج دائرة السينما والمسرح، لفتت انتباه المتابعين لحركة المسرح العراقي حيث أشاروا إلى عودة الجمهور إلى المسرح، أو تصالح الجمهور غير النخبوي مع المسرح عبر “كواليس”، فقاعة مسرح الرشيد بقيت مزدحمة بالمشاهدين الذين حرصوا على مشاهدتها والتفاعل معها منذ اليوم الأول، وبعضهم بقي واقفاً لانشغال المقاعد.
النجمة آلاء حسين اسم مهم وبارز في الفن العراقي، لا يمكن أن تسمع به دون أن تتوقف لتتمعن بإنجازاتها في المسرح “عشقي الأول” كما تؤكد، ثم عشرات الأعمال التلفزيونية الاجتماعية التي خلقت لها قاعدة جماهيرية واسعة، بينها برامج تلفزيونية رصينة وقريبة من المتلقين. أسست حضورها منذ تسعينيات القرن الماضي، منذ عملها في المسرح مبكراً جداً، بعمر الـ 16 سنة، قدمت مع فرقة مردوخ الراقصة عروضاً مسرحية راقصة وتعلمت حركات الجسد التعبيرية في أعمال مثل “نار من السماء” و”آله زو” أحد الأساطير البابلية. كانت أول بطولة لها في عام 1998 خلال مسرحية “العباءة” التي قدمتها في مسرح الرشيد وهي طالبة في معهد الفنون الجميلة، وكانت قد حازت على جائزة الدولة للإبداع عن فئة الشباب وأبرزها في مسرحية “تفاحة القلب” قبل أن تبتعد عن المسرح وتعود بمسرحية “اللؤلؤ المفقود” عام 2004.
من مسرحيتها “كوليس”
خلقت آلاء مفاجأتين، الأولى بعودتها إلى خشبة المسرح بعد انقطاع ليس بقصير، والثانية اقتران هذه العودة بنص مسرحية من تأليفها “كواليس”. قالت في حديث لها لشبكة رووداو عربية اليوم الأربعاء، 9 تشرين الأول 2024: “المسرح هو جذوري التي لا يمكن اقتلاعها مهما بعدت المسافة الزمنية بين عرض وآخر، فيما يخص التأليف هناك الكثير من النصوص العراقية والعالمية إلا أن التجربة مع المخرج أكرم عصام جاءت ليتلاءم التأليف والحكاية مع فرضية المكان التي اقترحها المخرج ويعملان (التأليف والإخراج) بخطين متوازيين في نمو التجربة”.
الاقتراب من الجمهور
وفيما إذا كانت عودتها للمسرح سببها النص المسرحي الذي يناسبها، وأن هناك شحة في النصوص؟ قالت: “في العشرين عاماً الأخيرة قد يكون تكرار ثيم الحرب وتأثيراتها على الفرد هي نقطة انطلاق لنا نحو الإنسان والعمل على تقديم شيء آخر قد يبتعد عنها إلا أنه يقترب من نتائجها على المجتمع واتجهنا نحو تبسيط القصة والهدف لنقترب من الجمهور غير النخبوي في محاولة لاستعادة ثقافة حضور العائلة العراقية للمسرح، بما هو وسطي وغير عصي على الفهم وتحقيق علو في النسبة الجماهيرية للمسرح وهذا ما كان عليه الحال في العقود الماضية التي سبقت العقدين الأخيرين حيث اتسعت رقعة العزوف عن ارتياد المسرح لأسباب يتحمل المسرحيون جزءاً منها بالإضافة إلى الظرف العام المتذبذب سياسياً”.
تتحدث آلاء حسين عن نصها المسرحي الأول “كواليس” في “حياة كل فرد مكان يخفي حقيقة الدواخل وهذا المكان لا يعرفه إلا صاحبه، منطقة غير مصرح عنها، قد تختبئ خلف أقنعة ادعاء المثالية في نقاشاتنا إلا أنها في أول محك لن تظهر كسلوك”. معلقة عما إذا كانت هذه المسرحية بمثابة المصالحة بين الجمهور والمسرح: “يتمتع المسرح (كسائر الفنون والعلوم) بتنوع مدارسه ومذاهبه وتياراته لذا أنا لن أبخس حق الألوان التي تحمل في طياتها معانٍ كبيرة وأبعاد مدهشة صورياً ومضامينياً وأبعاداً رمزية وشفروية إلا أننا في تجربتنا ذهبنا نحو البساطة لا السذاجة ذلك أن هدفنا الأكبر هو استقدام العائلات التي أثبتت أنها مستعدة لاستقبال الدعوة بالحضور وهذا بصراحة ما أبهر الجميع، ذلك الحضور الذي يسعد القلب”. مضيفة: “لقد سرقتنا الظروف من بعضنا بالمرتبة الأولى وبعض السوداوية والتعقيد في بعض الأعمال التي يستعصي على الجمهور تفكيكها والإمساك بمضامينها”.
الإخراج أبعد الجمهور
وفيما إذا كان لأساليب الإخراج الحديثة دورها في ابتعاد الجمهور عن المسرح، قالت: “أحياناً له يد في ذلك ولكن هذا لا يمنع من وجود شرائح نخبوية كبيرة تفضل ألواناً أخرى وهذه حالة رائعة. التنوع في الذائقة شيء يثلج القلب ويمنح القدرة على الاستمرارية على أن نملك وعي التقبل لا روح العداء والتسقيط”.
مع الممثل سعد محسن في”كواليس”
في زحمة الأعمال التلفزيونية، ناهيك عن المسرحية، التي جسدتها النجمة آلاء حسين، والتي لا تتشابه أو تتقارب مع بعضها، مرة ساخرة، وتجسد سخرية مرة، ومرة مغرقة بجديتها وحزنها، ومرات منتقدة ومعترضة ومتحدية، دفعنا لأن نسألها أين تجدين نفسك من بين غابة الأدوار هذه؟ تجيب قائلة: “في كل دور هناك نصفان؛ نصف يشبهك ونصف تسعى لتقترب منه وهذا هو صلب جمال التمثيل، ولكل زمن حالاته ووعيه لذا أحب جداً ما قدمته مؤخراً في مسلسل (العشرة)”. بالفعل يُعد مسلسل “العشرة” مع الممثل خليل فاضل، من الأعمال الدرامية العراقية المتميزة، نصاً وإخراجاً وتمثيلاً، وهو قريب للسينما أكثر من كونه عملاً تلفزيونياً. تتذكر قائلة: “على ذكر السينما لدي تجربة أتمنى أن لا تكون يتيمة وهي فيلم (سر القوارير) للمخرج علي حنون الذي حظي بآراء مذهلة، وهي تجربة كفيلة بأن تجعلني أعشق السينما رغم أني بنت بارة للمسرح، وأميل للاشتغال بالجو الذي يشبه السينما كما هو مسلسل (العشرة)”.
لن أرضى عن نفسي
وترى آلاء حسين أن “عدم تقبل ما لا يشبه ذائقتي الخاصة هو أزمة وعي في بعض المجتمعات”. ذلك خلال ردها عن سؤال عن مهمة المسرح وفهمنا لهذه المهمة، وفيما إذا ما يزال المسرح أسير نظريات قديمة لا علاقة لها بالحاضر وتطوراته؟، تقول: “لا ضير من تواجد الكلاسيكية على أن نحافظ على إظهارها بأفضل شكل، أذكر أني قد شاهدت المسرحية الموسيقية (شبح الأوبرا) على أحد مسارح الويست إند في لندن، وكان قد مضى على عرضها وقتذاك 38 عاماً، أي أن ثلاثة أجيال من الممثلين تواصلوا على تجسيد أدوارها حتى اليوم ويصعب الحصول على تذاكر الحضور بدون الحجز مسبقاً. واستمتعت بكل عناصر الجمال والإبهار والدهشة رغم أنك تعرف القصة وحفظتها”.
بعد تألقها كممثلة ونجاحها في خوض تجربة التأليف، تنفي آلاء حسين دخول ميدان الإخراج المسرحي: “حالياً لا أعتقد أني أنوي الدخول في تجربة الإخراج المسرحي فلدي خطة مختلفة للأعوام القليلة القادمة”. ربما بينها أعمال لمسرح الطفل الغائب، تقول: “أنا عملت في مسرح الطفل كثيراً وأنوي تقديم عمل للأطفال قريباً فهو عالم ممتع جداً ويزرع حب المسرح لدى الأجيال القادمة لذا فهو خطوة مهمة”. مشيرة إلى أن: “مسرح الطفل لم يغب أبداً إلا أنه بحاجة للترويج بشكل أوسع”.
وفي ردها عن سؤالنا الأخير: متى ترضى آلاء حسين عن نفسها، نعني إبداعياً وليس حياتياً؟، قالت: “لن أرضى عن نفسي مطلقاً، قد أقتنع قليلاً بأول مشاهدة لأعمالي إلا أني بعدها أنفر من كثرة اعتراضي على أدائي وهذا ما يمنحني قلق التجدد”.