اللغة العربية 

 

د . صباح ايليا القس

 

اللغة العربية مثل غيرها من اللغات مرت بمراحل متعددة من التطور ولا يمكن ان تركن الى السكون والتوقف طالما ان هناك من ينطق بها ويوظفها في حديثه وكتاباته .. لكن اللغة العربية مرت بازمان تجلت فيها قدرة العطاء واستيعاب المفاهيم التي يتطلبها كل زمن .

فحين نتكلم عن العصر الجاهلي نجد لغة تناسب ما يعيشه عرب القفار والصحارى وكذلك استوعبتها الحواضر في مكة والمدينة وعلى الرغم من خشونة الالفاظ في شعر شعراء البادية نجد في المقابل رقة ونعومة عند شعراء الحواضر في مكة والمدينة .

اللغة التي جاءت معبرة عن احتياجاتهم اليومية مستفيدين من الواقع البيئي حيث الصحراء والجفاف والابل والخيمة والترحال بحثا عن مواضع الماء وهم في صراع مع الحياة التي لا تخلو من تعقيدات النضال الانساني باستعمال السيوف والرماح والنبال .

كانت لغة البادية تعبر بالضرورة عن احتياجاتهم للتفاهم مع الآخر اولا والافصاح عن مشاعرهم ثانيا بدليل ما وصلنا من شعر العصر الجاهلي من قصائد تعطينا يقينا انهم كانوا على درجة من الوعي الانساني والعاطفي بدليل ما وصلنا من شعر الحكمة والغزل فضلا عن شعر الغزوات والمعارك والدماء والنوازع الانسانية الاخرى بحيث سجلت اللغة حضورا وافيا واستطاع الدارسون لاحقا كتابة بحوث عن اغلب مفاصل الحياة مستعينين بما وفره الادب الجاهلي من معطيات .

كان الاسلام مرحلة انتقالية كبيرة جدا في تاريخ اللغة العربية اذ اصبح القرآن دستورا وشاهدا ودليلا على شعراء اللغة العربية التي استطاعت ان تتحمل وبدقة عالية التعابير والغايات الاسلامية حتى اصبحت لاحقا لغة المعاني والادب والفلسفة فضلا عن العلوم والمعارف الصرفة بل واصبحت تضاهي في نشاطها المعرفي وانتشارها اللغات التي تسيدت العالم زمنا مثل اللغة اليونانية والرومانية والفارسية والسريانية .

بحسب ما جاء في الآثار المكتوبة باللغة العربية فان اول سماتها انها لغة تعتمد الاستقامة في الحروف وعلى شكل عمودي تشبه حاليا الخط الكوفي ولم تكن منقوطة ولا تستعمل بالحركات ..

ظهرت الحاجة لاحقا الى النقط والحركات عندما توسعت الدولة الاسلامية ومات الكثير من حافظي القرآن بحيث لم يعد نطق الايات سليما مما جعل الامام علي ( رض ) يوعز الى الشاعر ابي الاسود الدؤلي لكي يضع النقاط على الحروف لتسهيل قراءة القرآن وعندما لم تعد النقط كافية لبيان المعاني وضعوا الحركات للدلالة الواضحة وهناك آراء تشير الى استفادة اللغة العربية من اختها بالانتساب الى الارامية التي تشتمل على النقاط والحركات .

انتعش فن الكتابة في العصر العباسي مع انتعاش حركة الترجمة التي قادها الامين والمأمون بصورة خاصة الذي شجع حركة الترجمة بما كان يمنحه بسخاء للمترجمين لا سيما في حقول الفلسفة والطب والرياضيات ..

انتشرت الكتابة وظهر هناك كتّاب وخطاطون , اما الكتاب فكانت وظيفتهم نسخ الكتب اذ كانوا يقومون بدور المطابع حاليا وبرع الخطاطون في تزيين الكتب واغلفتها وكذلك المساجد ودور العبادة بخطوط متنوعة يعرفها الخطاطون ويدرسونها حاليا في الاقسام المتخصصة .

اللغة العربية لم تعد مخصصة للدين فقط بل هي لغة التعليم والمراسلات والتدوين بشكل عام واصبحت هناك حروف طباعية متعددة تلبي حاجات الكتاب .

والسؤال الاخير هو هل بقيت اللغة العربية على حالها او تطورت ؟ نقول كما جاء في الاثر ( بقاء الحال من المحال ) أي أن يبقى الحال على حاله فهذا مستحيل .. نعم اللغة العربية تتطور لفظا ومعنى واشتقاقا يلبي التطور في ميادين الحياة .

قد يعجبك ايضا