الأمية وانعكاساتها السلبية على السلوك الاجتماعي

 

الجزء الاول

فؤاد الكنجي

الأمية ظاهرة من ظواهر التخلف الاجتماعي, ومشكلة انتشارها في أي مجتمع تعتبر مشكلة مزمنة وشائكة لها انعكاسات واضحة على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية, لأنها تشكل خطرا حقيقيا على مسيرة البناء وتطور وتحضر المجتمع, كونها تشكل عائقا تعيق تحسين الظروف الحياتية للفرد وتطوير قدراته وقدرات المجتمع, لذلك تعمل الدول على إيجاد الحلول لهذه المشكلة من اجل القضاء على الأمية والذي لا يكون إلا بـالتعليم , باعتبار التعليم وسيلة أساسية وركيزة فاعلة في القضاء على ظاهرة تفشي الأمية في المجتمع .

والأمية كمفهوم عام يعني عدم القدرة على القراءة والكتابة والحساب, وهي ظاهرة من الظواهر الاجتماعية السلبية والمنتشرة في العديد من المجتمعات وفي الكثير من الدول النامية، وهي عبارة عن عدم قدرة الإنسان على القيام بالعديد من المهارات الخاصة بالقراءة.. والكتابة والحساب, والتي تمكنه من ممارسة الكثير من المجالات الحياتية التي تعتمد على القراءة والكتابة، خاصة في الوقت الحاضر؛ حيث يشهد عصرنا الحديث حدوث كبير في التطورات التكنولوجيا والعلمية والتي لا يستطيع أي شخص ليس لديه القدرة على الكتابة والقراءة من مجاراتها والتعامل مع تقنيات هذه التكنولوجيا ونحن في عصر المعلوماتية وعصر الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية .

الأمية  دائرة من دوائر الأوبئة الاجتماعية

الأمية هنا لا تعني فحسب عدم معرفة القراءة والكتابة, بل تشمل جميع معارف وعلوم الحياة ومنها الأمية التربوية والثقافية والدينية والسياسية والاليكترونية وغيرها من الأميات,  من اجل إحداث تغيير اجتماعي جذري، باعتبار التعليم وإتاحة كل الفرص لتوسيع مهامه وأنشطته بين أبناء المجتمع وعلى نطاق واسع وشمولي وإلزامي, يأخذ  بعين الاعتبار كل الفئات العمرية دون استثناء وتوسيع مهامه في كل مؤسسات وأنشطة الدولة وتسخيرها في هذا المهام ليتاح التعليم لكل أبناء المجتمع باعتباره أحد المخارج المهمة للخروج من دائرة الأوبئة الاجتماعية كالأمية والفقر والجهل وغيرها.

وهناك لا بد من تمييز بين الجهل بالشيء وعدم معرفته ، وعليه لا ينبغي أن نطلق على الأمي جاهل, إذ إنه  قد يعلم الكثير من معطيات الحياة, لكنه يجهل القراءة والكتابة فقط؛ باعتبار التعليم هو من أهم الثروات الحقيقية لأي مجتمع تتيح له و تساعده على استغلال قدرات وطاقات ومهارات الموارد البشرية, عبر تشجيع ومشاركة كل فئات المجتمع في المشروع  لتنمية المجتمع وتطويره من اجل تحسين مستوى الحياة والرفاهية المجتمع على كل مستويات وجميع النواحي الاجتماعية والصحية والاقتصادية وزيادة الدخل

مشكلة الأمية وانتشارها في المجتمع

مشكلة الأمية وانتشارها في المجتمع؛  لها عدة أسباب ومنها وبدرجة أولى تربوية وتليها اجتماعية واقتصادية وسياسية .

فـالظروف السياسية غير المستقرة في بلد ما قد تكون من الأسباب الرئيسية التي تعيق التعليم

كما إن الظروف الاقتصادية التي تمر عليها الأسرة وعسر حصولها على الأموال لسداد تكاليف تدريس ابنائها؛ قد لا يسمح لها بسداد تكاليف المدارس ويجبرها على تشغيل أبنائها للمساعدة في مصاريف الأسرة, وفي حالات أخرى قد يعود السبب إلى موت الوالدين واضطرار الأبناء إلى تحمل مسؤولية الأسرة؛ كما إن عدم وعي الأسرة بمدى أهمية تعليم أبنائها قد تحرم أبنائها منه وخاصة الإناث, لذلك لا بد أن يتمتع الجميع بحقوق متساوية وفرص متكافئة في التعليم وتوعيتهم لمدى أهمية الالتحاق بـالمدارس وبصفوف صفوف التعليم ومدى أهمية التعليم وتحفزيهم على الاستمرار فيه

ومن أسباب أخرى للمشكلة الأمية إهمال مؤسسات الدولة من عدم قيامها بحملات التوعية والإرشاد على أهمية التعليم, وعدم تسخير أجهزتها الإعلامية للقيام بدورها في توعية الأميين وعلى ضرورة التحاق أبناء المجتمع بكل فئاته العمرية ببرامج محو الأمية, والتواصل المستمر على  عبر تطوير برامج رائدة تساعد أبناء المجتمع للتخلص من المشكلة الأمية والتخفيف منها من اجل تزويد كل أفراد المجتمع بمهارات الكتابة والقراءة, لأنها أساس التعليم وتعلم فن الحياة, ليتم تحسين حياتهم وتدريبهم في مجالات الصحة والتنمية الاقتصادية المستدامة .

الأمية ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع العراقي

فكل الدراسات تشير بأن نسبة الأمية في العراق هي نسبة مرتفعة جدا لمجتمع يعيش في القرن الواحد والعشرين، بعد إن أصبحت الأمية ظاهرة خطيرة تهدد كيان المجتمع  وعقبة كبيرة من العقبات التي ستحول دون إمكانية خروج البلد مما هو فيه وإعادة أعماره, نتيجة لما أحدثته الحروب المستمرة والطويلة التي استنزفت قدرات المجتمع العراقي, إضافة إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة وتهجير ملايين العراقيين منذ احتلال العراق عام 2003 وصاعدا مما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية بين أفراد الشعب ، إلا أن العراق ولظروف أمنية,  وهذه الأوضاع اثرت تأثيرا سلبيا على مجمل أنشطة الدولة و استمرت هذه الأوضاع الشاذة لفترة طويلة مما انعكست أثاره على فئات مجتمعية واسعة أدت بهم إلى تخلفهم عن مواكبة العلوم والالتحاق بالمدارس لتلقي ومواصلة علومهم ليعانوا من تأثيرات (الأمية الاجتماعية) التي داهمت أوساط ومناطق شعبية ومن أصحاب الدخل المحدد والفقيرة, علما بان عدد سكانها هذه الأوساط  كبيرة وتتزايد وإضعاف نسب المناطق الأخرى, هذه الشرائح الاجتماعية – للأسف – لم يتم العلاج واقعها الاجتماعي المتدهور, وبطبيعة الحال  لم تستفد من تلك العلوم الاجتماعية بالشكل الصحيح، رغم قيام مؤسسات التربية والتعليم بجهد مضني للحد من توسيع نطاق الأمية بين هذه الأوساط لكي لا ينعكس أثرها على أبنائنا؛ ولكي لا تصبح (الأمية الاجتماعية) داء مستديما يكون من الصعب معالجته .

قد يعجبك ايضا