دلزار اسماعيل رسول
التُهَم…ما أثقلها على القلب و الروح، أن تكون متهماً، و تكون بريئاً من التهمة الموجهة اليك، و مِنْ مَنْ….من أقرب المقربين منك في هذا العالم …و تثبت و تحكم عليك من عليائها، كأنك شخص عادي لم تعرفه من قبل، ولم تُخبِرَ مكنونات روحه…و صمت أذنيها ولم تستمع الّا الى شيطانها الذي يوسوس لها دائماً ، و تستمع اليه، و خرب عليها حياتها، و جعلتها في معزل عن كل رجالات الدنيا …لكي تكون له وحده، ولا يشترك فيها غيره…
يخبرني قلبي…أنها تعمدت ذلك، لكي تزيلني عن طريقها، و تمهد الدرب لشخص عابر آخر، دخل حياتها، لكي لا تنشغل عنه …بشخص هامشي مثلي…فهي دائما تضعني على دكة الاحتياط، أول ما تلمح رجلاً، تذهب اليه، و تتركني وحيداً مع أوجاعي و همومي و دموعي…
كم أنا حزين و جريح الجناح…و أنا ممسك بالاطراف الحديدية لكل معبد تقع عليها عيناي، و أشد عليه بيدي المتعبتين، و أمد عيناي بعيداً الى افق السماء كأني أرى ربي …ضارعاً متبتلاً…تسيل من مقلتيي الضنا …إلهي…قد طفح الكيل و طغا…فهل من مسعف لجروحي، وهل مداوي لقروحي…الهي…الى متى تبقي هذا الحب في هذا القلب الضرير…ليتجرح مأساته، و يتكالب عليه مآلاته…..
ومن ثم…ارجع الى بيتي تفضحني عبراتي أندب حظي العاثر ، فيراني من يراني، منهوك القوى، اتكالب في مشيتي، كرجل عجوز، اجتمع عليه السنون العجاف، ينتظر المنية في أية لحظة، و يتمناها….
كوني سعيدة…على تعاستي، و كوني غبطة على دموعي، و ابني فوق ركام جثتي قصرك المنيف، فأشباحي سوف تطارك، و يأتيك من بؤرة فراشك، يضايقك و يؤرق عليك نومك مع غريمي…. صدقيني، لن تسعدي ابداً …فيداي ضارعة متبتلة ابد الدهر الى السماء في ظلمات الليل الحالك، و تحت الشمس الحارق ، اشكو اليه همومي…
لقد استنزفت طاقتي للحياة، و بت مقهور الوجدان ، أريد أن أرمي ثقلي على أية أريكة متهرئة يقع عليها عيناي الذابلتان …الفقر يمكن أن تكون مأساة الروح و الحب معاً…هي من تجعل أجمل جميلات العالم على سريرك رغماً عنها…و تزيل حبيبتك عنها بارادتها أو بدون ارادتها…فليس كل شخص يرضى بهوان حياتك و شظف عيشك و قتر يديك…لقد ولّى زمن المثاليات و خبا…الان حظك في الدنيا في ما تملك ….و سواها فلتذهب الى الجحيم…
سوف أرجع الى خلوتي المعهودة…في الجبال و الوديان و السهول …اقص عليهم قصتي المعهودة…التي سمعوها مني مرارا و تكراراً …وهم الوحيدين الذين لن يملوا مني ابداً، بل رايتهم دائما ملقين السمع لي مشدوهين ، كأنهم يسمعون قصتي لاول مرة…
أعتقد أني هذه المرة وصلت الى حد لن اقدر ان ارجع الى سابق عهدي ، او أحاول الرجوع اليها مرة اخرى …حتى و إن هفا قلبي لها و حنى…فعقلي يحاربني بكل ما أوتي من قوة ، ولن أقدر أن اقف موقف المتفرج على هذا الصراغ الابدي بداخلي…يجب أن احكم حُكماً عادلا بينهما…الى متى هذا التناحر و التدابر و المخاصمة …لم ارضى لحكم الحاكمين فيما مضى…يجب ان احكم على نفسي بنفسي …و أرضى حتى و أن أوقع اشد العقوبات على روحي…
سوف أهجرها من غير أن اقول لها كلمة …وداعاً…فلقد قلته فيما مضى و رجعت لها رغم انفي…ولكن هذه المرة لن اعود …فلقد بلغ مني الجهد مبلغه…لم يعد باستطاعتي المواصلة…اعترف باني خائر القوى و أقرّ بمواطن بضعفي …فلم أدعي البطولة في حياتي…اني اعترف بأني خضت غمار هذه المعركة و رجعت منها منكوس الاعلام و مطأطأ الراس ، تغمرني غبار الحزن و الهوان …
ولكن صدقيني ..اذا خسرت…فلا تحسبي نفسك قد انتصرت في النهاية، فعدل السماء يفصل بيني و بينك ، و سوف ترين الاعاجيب في مشوار حياتك مع غريمي …و سوف يتجرع هو ايضا من كأس الشقاء ما يستحقه…
سوف ازور قباب عشقك بين الفينة و الاخرى ، و ارمي نظري الى مرامي حكمي السابق و ارضي الواسعة التي خسرتها ، و سوف اسقي تلك الثرى بدموعي ، لكي ينبت عليها شجرة الحرمان ، و يشهد لي و يروي للاجيال المقبلة قصتي…..