هاشم الرجب .. موسـوعة فكرية وفنية في الموسيقى والمقام العراقي

 

حطان جاسم جواد

رائد من رواد المقام العراقي هو الفنان هاشم الرجب، الذي يمثل اتجاهاً علمياً في شؤون المقام العراقي وقام بتدريسه في معهد الدراسات النغمية كما اصدر العديد من الكتب المهمة في هذا المجال بحيث صارت مرجعاً مهماً لطلبة الموسيقى في العراق.

قالت الباحثة امال ابراهيم محمد عن هذا الرائد الموسيقي من خلال قربها منه واجراءها لحوار معه تحدث فيه عن الكثير من قضايا وشؤون الموسيقى والمقام. فقالت الحاج هاشم الرجب هو أحد تلك الموسوعات العجيبة الحية المنتثرة الطيعة للاستعمال.

 

وهو من الشخصيات البغدادية المعروفة باهتمامها بالمقام العراقي (المؤلف الغنائي) تابع وهو صغير كل الانشطة التي قدمت الموسيقى البغدادية، دينية ودنيوية، درس المقام العراقي على اغلب اساطين الغناء آنذاك، وتعرف على الطرق المختلفة في اداء المقام. تعلم العزف على الة السنطور العراقي، واستطاع وزميله الاستاذ شعوبي ابراهيم الحفاظ على الالتين التقليديتين الجوزة والسنطور، وله دراية بصناعة هاتين الالتين.

قرأ المقام العراقي في اذاعة بغداد وقدم برنامجين في التلفزيون، وألف كتابا فيه، وشرح وحقق عدداً من المخطوطات الموسيقية العربية، القى العديد من المحاضرات، يعده كثيرون مرجعاً موثوقاً فيما يتعلق بالمقام العراقي، والشعر الشعبي، وتاريخ الموسيقى العربية الاسلامية، حفظ والف الابيات الشعرية في مختلف الاغراض، وله اراء في تاريخ المقام العراقي والموال، توصل اليها من خلال دراسته المتعمقة في كتب التاريخ والشعر والتراث.

  • قدم برنامج (كهوة عزاوي) عام 1959. وسهرة مع المقام العراقي من عام 1983 – 1988 .
  • يقول عن نفسه ((احفظ علم التجويد، ولي اطلاع بعلم العروض، وانظم الشعر الشعبي، وانا من قلة في العالم يفهم الموسيقى العربية القديمة)) .

تعتبر المدة بين ولادته عام 1920 ولغاية 1970 من أخصب الاعوام بالنسبة للمقام العراقي. وهو من الفنانين الذين تعلموا بالطريقة التقليدية، عاش في بيت استاذه يسمع ويتعلم، ونذر نفسه لهذا الفن في زمن ظهر فيه عباقرة المقام العراقي – قراء وعازفين.

تعلم المقام منذ عام 1937، وتعلم العزف على الة السنطور عام 1949، وعين عازفاً على هذه الالة في دار الاذاعة عام 1951. درس العزف على الة السنطور في معهد الفنون الجميلة في الاعوام 1954 – 1962، عين خبيراً للمقام عام 1953 .

انكب على تثبيت كل ما يخص اراء المقام العراقي وهو أول منظر عراقي في القرن العشرين تجتمع لديه المعرفة العملية والنظرية في هذا المجال. اهتم بتاريخ الموسيقى العربية والاسلامية ، وقدم في كتابه (حل رموز كتاب الاغاني – بغداد 1967) العديد من الافكار التي تتطابق مع المنظرين العرب والمستشرقين الاجانب امثال يوسف شوقي وجورج فارمر وزاكس وكولانجيت واوين رايت ، وقد توفرت لهؤلاء العلماء فرصا علمية مختلفة سهلت لهم كشف رموز كتاب الاغاني، كالدراسة الاكاديمية ومراكز البحوث المتخصصة التي ضمنت توفير المخطوطات العربية الاسلامية، وسد تكاليف العمل والاستجابة السريعة لكل المتطلبات المادية والمعنوية كل ذلك يعطينا صورة كاملة لقيمة الجهد الفردي المتميز للرجب بالاعتماد على ذكائه وموهبته الشخصية عندما اوجد لنفسه الظروف الملائمة، وذلل السبل للوصول الى الحقائق، دون ان ينتظر من يفتح الطريق امامه، ودون ان يكون هدفه الوصول الى منصب اداري او الحصول على لقب علمي او كسب مادي.

يعتقد الحاج هاشم الرجب ان عمله في البحث يجلب له المتعة والسعادة، وهو دائم القراءة والاطلاع، لحوح في العمل وهي من صفاته التي يسميها (اللجة) وتعني فيما تعني الحرص والمتابعة وعدم الاهمال.

ورد ذكره في دائرة المعارف البريطانية ضمن ثلاثة من أبرز الموسيقيين العرب هما محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش.

 

 

كما ورد ذكره في العديد من معجمات المؤلفين، والكتب التي تناولت الموسيقى العراقية كما في كتب كوركيس عواد وكمال لطيف وثامر العامري وحميد المطبعي وسالم حسين وحسين الاعظمي.

وقال فيه استاذ المقام موفق البياتي: ((هو من الشخصيات البغدادية الفنية المعروفة التي صبت جل اهتمامها ونشاطاتها في البحث والتحليل النظري والعملي للموسيقى التراثية العراقية، وكان من اولوياتها لون المقامات العراقية، فقد ابحر هذا الرجل في هذا اليم العميق في الوقت الذي كانت الفترة التي عاش مرحلة شبابه فيها بأمس الحاجة الى مثل هذه الشخصية الفنية تتمتع بالقدرة على الاستيعاب والتنظير الفني وهي فترة الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي وما تلاها من السنين. تعلم العزف على السنطور على يد استاذه يوسف بتو اليهودي البارع.

فتفرد في هذا المجال بحرية واسعة من خلال استيعابه لجميع المقامات العراقية التي تعلمها من الاقدمين، خاصة من الذين تأثر بأدائهم لهذه الانغام امثال رشيد القندرجي وعباس الشيخلي وسلمان موشي وهم اسياد هذا الفن، قبل مرحلة بروز القبانجي الى الساحة الفنية. فكان حريصاً على تدوين اعمالهم بشكل علمي مقارن ومقدار انتمائهم وقربهم الى هذا اللون من خلال دراسة وخطة عمل وضعها لنفسه. وكانت في معظمها الاعتماد على السماع من المتوفر المطروح على الساحة الفنية كأن يكون الاستماع من المقاهي التي كانت تقام فيها الاماسي المقامية او من خلال الاذاعة العراقية التي تأسست سنة 1936 .

في بداية الخمسينيات من القرن الماضي سجل ثماني اسطوانات لصالح اذاعة الشرق الادنى بواسطة الفنان وديع خوندة الذي كان مسؤولا عن الموسيقى في الاذاعة .

 

 

لقد كان الرجب موسوعة فنية وفكرية تجمع كل ما هو تراث في هذا البلد فكان عازفاً مبدعاً على الة السنطور، وقارئاً لجميع المقامات العراقية، ومنظرا في تاريخ الموسيقى التراثية العراقية، وله باع طويل وخبرة عالية في مفردات الحياة الاجتماعية البغدادية مثل المقاهي البغدادية وانواعها واسماء اصحابها واشهر من قرأ فيها المقامات، وحلقات الزورخانة التي كان يحضرها وكسلات سلمان باك وجلسات غناء المربعات والموسيقى الشعبية وطقوس الاعراس والختان واساليب الباعة المتجولين واصول المناقب والاذكار النبوية والتهاليل وطرق التجويد في القراءات السبع وموازين الاشعار العمودية والأبوذيات والعتابة والدارمي والمنثور ومعرفة كبيرة في الاطوار الريفية وتاريخها وانواعها واشهر مؤديها وغيرها من الثقافات العادات والتقاليد الاجتماعية اخرى .

وقال عنه الموسيقي عبد الرزاق العزاوي رئيس اتحاد الموسيقيين العراقيين عن الجانب الشخصي للرجب باعتباره كان قريبا منه متزوجا من ابنته. فيقول كان استاذا رحيما ومخلصا للمقام ورأته على نحو علمي وسعى الى انقاذه من الشوائب وألف العديد من الكتب العلمية حول هذا الفن الذي يشكل الاساس في الغناء العراقي.

قد يعجبك ايضا