سالم اسماعيل نوركه
قال افلاطون : من حزن فليستمع للاصوات الطيبة فان النفس اذا حزنت خمد منها نورها فاذا سمعت ما يطربها اشتعل منها ما خمد .
سنتطرق لمن أعتبر من أهم ملحني الشرق الأوسط في نهايات القرن الثامن عشر ولد من أب وأم كوردين في قضاء آميدي عام ( ١٨٥٤ م ) في محافظة دهوك وعندما يأتي ذكر ولادته لا يذكر هذه المنطقة بل يقال ولد في غيرها وينسب مولده لمنطقة اخرى ويقول علي بن أبي طالب : ( فخر المرء بعلمه وأدبه وليس بأصله ونسبه) ، ويقول : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه رغم مصائبه وويلاته منذ الصغر من وفاة والده وعمره وقته كان سبع سنوات وفي هذا العمر أصابه مرض الجدري على اثره فقد بصره ليعيش في الظلام بقية عمره لكنه أكتسب علماً وأدباً وتفوق في أكثر من جانب وهذا يجلب للمرء الثقة بالنفس ، والمهارة كأنه يملك جيش لا يقهر والذي أسرع به روعة عمله في الأدب ،الشعر ،الصوت الجميل وإجادته القراءات العشرة والالحان العظيمة وامه كانت خادمة عند اعرق عائلات العراق عند محمود أفندي العمري الذي اولاه رعاية خاصة وبعد وفاته شَدَّ الرحال الى بغداد عند ابنه احمد العمري الذي أصبح من باشوات الدولة العثمانية وأديباً مرموقاً ، ولهذه العائلة لاحقاً دور في انفجار الملا الضرير جمالاً وتألقاً الذي عاش في زمن ندرة التوثيق إلا إنه أشهر من نار على العلم نسبت ارقى الحانه للاخريين إذا قرأ القرآن تزاحم صفوف المصلين من خلفه وإذا أنشد الموشحات أطرب من حوله وهو خطيب مفوه وشاعر فصيح كان رسول السلطان عبدالحميد الثاني الى الدول الإسلامية وخطيباً باسمه في الحج وإمامه الراكد في جامع آية صوفيا عرف في العصر العثماني بإسم الجامع الكبير الشريف لآيا صوفيا أنشأ في العصر البيزنطي وسميَّ كنيسة آيا صوفيا أول الأمر هو مبنى تاريخي للعبادة يقع في الضفة الاوربية لمدينة إسطنبول .
نحن نتكلم عن أشهر قاريء للقرآن وملحن ومغني وأشتهر أسمه في كل مكان حتى سمع عنه ( السلطان عبد الحميد الثاني الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية ١٨٧٦ _وخلع بانقلاب ١٩٠٩ ووضع رهن الاقامة الجبرية حتى وفاته ١٩١٨)يذكر إنه جاء به الى قصره ليسمعه شيئاً من اغانيه وموشحات ذات الطابع الصوفي أنضم الى الطريقة القادرية وبعدها الطريقة الرفاعية والمولوية والأخير أحد الطرق الصوفية مؤسسها جلال الدين الرومي والمعروف عنهم بتسامحهم مع الفرق الاسلامية الاخرى وغير المسلمين اياً كان معتقدهم وعرقهم وهذه الطريقة يعتبرها البعض فرعاً مَنْ الطريقة القادرية ويتميز الصوفيين بميزات منها أستعمال الموسيقى في نشاطاتهم ومن نريد الكلام عنه بارع في كثير من المجالات الشعر والتلحين والصوت الجميل كان يجيد اللغات الفارسية والتركية والعربية إضافة الى لغة الام الكوردية وكان يرتدي زي رجال الدين والشيء بالشيء يذكر إن بعض الشعوب يطلق على رجال مثله الملا ومنهم الشعب الكوردي فسميَّ ملا عثمان ونحن نتكلم عن البلد هو جزء من الامبراطورية العثمانية وخاضع بترتيباتها الادارية لها فقسموا العراق الى ولايات منها ولاية الموصل وهي تشمل موصل سليمانية واربيل ومناطق اخرى لذا هو يعتبر من ولاية الموصل فعرف بإسم ملا عثمان الموصلي حيث لم تكن تعني المدينة فقط خلال فترة ١٨٣٤_١٩١٤ بل كانت حدودها أوسع بكثير إذ كانت الموصل مركز ولاية عثمانية بين ١٨٣٤-١٨٥٠ أصبح سنجقاً تابعاً لولاية بغداد ثم عادت وأصبحت ولاية قائمة بذاتها سنة ١٨٧٩ واستمرت كذلك الى نهاية الدولة العثمانية ١٩١٨.
فملا عثمان الموصلي عاش وزار مدن عديدة ضمن الامبراطورية العثمانية إسطنبول فبغداد ومصر وحلب وليبيا الذي أكرمه السنوسي ومن الطبيعي أن يسمى موصلي فهو منها أسمه ملا عثمان بن الحاج عبدالله بن عمر من ولاية الموصل حسب تقسيمات الادارية العثمانية فالولاية معروفة أكثر من المناطق المكونة لها فذلك زمان وهذا زمن آخر لا يصح ما صح في عهدها البصرة مثلاً في العهد العثماني تمتد من جنوب العراق الى الكويت و قطر و البحرين تلك كانت ولاية بصرة العثمانية واليوم بصرة بلا دول من الخليج العربي وهم اليوم بعلم ونشيد .
يقال كان ملا عثمان برفقة حفيده ممسكاً به وراجعاً إلى بيته من ازقة بغداد وفي عقد النصارى. وبينما هما في طريقهما كان الشيخ عثمان يصغي بسمعه إلى جهة ما ثم توقف فقال له حفيده:
ما بك يا جدي؟
قال : ألا تسمع صوت عزف عود نشاز ؟
وماذا؟
دلني على الباب.
فتقدم حفيده به خطوات نحو باب قريب منهما. فجاء الشيخ وقرعه بعصاه الغليظة وصاح: يا عازف العود.. وتر النوى نازل، شده قليلاً .
قد لا يعلم البعض إن اهم الألحان تعود له وإن نسب بعضها سهواً او جهلا او عمداً (لغرض في نفس يعقوب ) لغيره من الملحنين سنذكر بعضاً منها :
اغنية فوق النخل والتي غناها ناظم الغزالي وكذلك لاحقاً صباح فخري وفي الاصل هي : فوگ العَرِشْ فوگ
لحنوها على ضوء لحن ملا عثمان التي عملت في الاصل لمناسبة دينية
زوروني بالسنة مرّة التي غنتها السيدة فيروز والتي نسبت للملحن سيد درويش وهو لأستاذه ملا عثمان استوحاه من اغنيته الصوفية المعنونة ( زر قبر الحبيب مرّة ) واغنية طلعت يا محلا نورها شمس الشموسه غناء المطربة فيروز وهبة طوجي والتي كانت موشحات بعنوان ( بهوى المختار المهدي )،
وكاتب كلمات “قدك المياس يا عمري”ولحنه لملا عثمان
و”يا أم العيون السود”التي غناها ناظم الغزالي أخيراً كاظم الساهر وغناها قبله آخرون من الحانه ..
ربيتك زغيرون حسن” غناء ناظم الغزالي وفرقة الانشاد العراقية و احمد ازرق التي كانت في الأصل (يا صفوة الرحمن سكن ) .
عالروزنة غنتها السيدة فيروز وكذلك صباح فخري
وبنت الشلبية غنتها السيدة فيروز وكذلك المطرب الكوردي الهام المدفعي
آه يا حلو يا مسليني غناء صباح فخري وناي البرغوثي ، يا خسوف العلى المجرية غناء ناظم الغزالي وفرقة الانشاد العراقية ، يا من لعبت به شمول غناء فرقة الموسيقى العربية وفرقة الانشاد العراقية وقبلهم ناظم الغزالي وصباح فخري ونور الهدى ، يا ابن الحمولة غناء ناظم الغزالي .
إن نفسية ملا عثمان المضطربة كانت عاملاً مهما في حبه للتنقل وكأنه غير قادر على العثور على راحة البال في أي مكان لربما ( كلما ازداد علم المرء ازداد حزنه . )وانتهى عذاب هذا العملاق في سنة ١٩٢٣ في بغداد تاركاً ارثاً عظيماً وراءه علينا التنقيب عنه بلا يأس لأنه كما ذكرنا لم يوثق وهو أرث عظيم في محل الاعتزاز به .
عاش آخر ايامه في بغداد حيث توفي ودفن في جامع الخفافين (يقع في جانب الرصافة من بغداد على ضفاف نهر في سوق قماش وقرب باب الاغا ) واشترك اهلـها بتوديع الراحل العظيم بمأتم عز نظيره وأفاض الشعراء في رثائه وتعداد مواهبه ومآثره الخالدة.
وكلام مفيد:
( غالبًا ما يتم تحريف الماضي ليلائم رؤى وأجندات الحاضر)
توماس سويلً