زرياب           

 

د . صباح ايليا القس

 

زرياب فنان وموسيقي عرفته الدولة العباسية وتدل سيرته الفنية على انه موهوب , والموهبة والاقتدار الفني والادبي ترفع مقام صاحبها حتى يبلغ الذروة حيث يسجله التاريخ ..

هذا الاقتدار لا بدّ أن يؤثر في الآخرين من حيث الطبائع والسلوك مستمدا من الموروث التاريخي ما يؤهله لصناعة المستقبل لا سيما في الاداء والعادات والانجاز الابداعي ..

زرياب لقبه مقتبس من لون طائر اسود عذب الصوت , جميل التغريد بنبرات تسر  السامعين .. اما اسمه فهو ابو الحسن علي بن نافع مولى الخليفة المهدي العباسي . وهو فضلا عن صوته الجميل كان شاعرا فصيح اللسان ولهذا اجتمعت في شخصيته صفتان متلازمتان هما العزف الموسيقي وصناعة الالحان والشاعرية التي تعطيه فرصة لصناعة الاغاني ..

كان زرياب المغني تلميذا لاسحق بن ابراهيم الموصلي حيث درس على يديه اصول الصنعة الفنية حتى تمكن من دقائق الامور وحين وجد اسحق في تلميذه الاقتدار والموهبة أخذ يعلمه الاغاني والالحان فضلا عن العزف ..

وعند اشتد عود التلميذ وتمكن من الصنعة اشتق لنفسه فنّاً جديداً واسلوبا متميزا عما عرفه عند استاذه اسحق حتى انه وجد له جمهورا من المعجبين ولم يكن استاذه يعلم بأن تلميذه أخذ يتفوق عليه .

كان اسحق يتردد على مجلس الخليفة الرشيد ليبعث في السهرات الحركة والنشاط مستعرضا ما يشتمل عليه من قدرات ابداعية في العزف والغناء والناس معجبون بهذه الحلاوة الفنية , وحينما توقف اسحق عن الغناء إلتفت اليه الرشيد وأخذ يمدحه ويشيد في قدراته مستفهما منه عن صناعة الالحان والغناء واذا كان لديه طلاب يقوم بتعليمهم هذا الفن فقال اسحق متباهيا ان لديه طالبا من النابهين يجيد ما يتعلمه من استاذه , فطلبه الرشيد لكي يحضر الى المجلس ويسمعه هو وجلاس المجلس من رجالات الدولة حضر زرياب امام الخليفة واستفهم منه الرشيد عن مدى معرفته بصنعة الالحان والغناء حينها طلب زرياب من الخليفة الرشيد أن يغني على عوده الذي رتب اوتاره على الصفاء والانغام ما لا يعرفه غيره حينها أذن الرشيد له فغنى على عوده قصيدة مطلعها :

يا أيها الملك الميمون طائره      هارون راح اليك الناس وابتكروا

فتعجب الرشيد من حسن الكلام المتلازم مع طبيعة الانغام ومن حينها طارت شهرة زرياب وأصبح من المتقدمين في المجلس وحينها وجد اسحق ان تلميذه قد سبقه وأخذ مكانه فأخذ يعنفه ويقسو عليه وصارحه بغضبه عليه اذ هاج الحسد في نفسه فخيره بين امرين اما أن يغادر البلاد واما ان يبقى وهو ناكر للجميل ..

وحينما سمع زرياب هذا الكلام قرر مغادرة البلاد بحثا عن مكان آخر . سار زرياب الى المغرب حيث الدولة الاموية في الاندلس تلك الدولة وما فيها من ماء وانهار واشجار وخضار وموسيقى وحفلات وغناء فذهب الى قرطبة فاستقبله عبد الرحمن بن الحكم وأوصى عماله بالاحسان اليه عند وصوله . وهكذا ابتدأ مشواره مع الغناء الاندلسي .

كان زرياب قد علّم بناته صنعة الغناء والالحان حتى جاريته مصابيح علمها الغناء أيضا وبهذا تكون الاندلس وقرطبة قد زهت بقدرات هذا الفنان بما عرفته عنه المجالس حينها .

يقول صاحب العقد الفريد بعد أن حجب مصابيح مولاها عن الغناء غنت :

يا منْ يضنُّ بصوت الطائر الغردِ

ما كنت أحسبُ هذا الفـــن من أحـــــدِ

لو أن اسماع أهل الارض قاطبة

أصغت الى الصوت لم ينقص ولم يزدِ

فاذا كان الناس يفضلون ويطلبون جارية زرياب فكيف وهو يغني بصنعة واتقان .

ضن يعني بخل والضنين يعني يعني البخيل .

قد يعجبك ايضا