هل حان وقت الدبلوماسية؟

 

 

 

 

جعفر سلمان

لا أحد هنا في البحرين، وأعني لا أحد، يجادل في أن للفلسطينيين حقًا، وأن إسرائيل تنتهك ذلك الحق، ولا أعتقد بأن هناك دولة واحدة في الخليج أو في الوطن العربي تختلف حول هذا الأمر، بل ولا حتى في دول العالم كافة، لا يوجد فيها من لا يرى الحق الفلسطيني، بل حتى الإسرائيليين أنفسهم، قسم كبير منهم يقر ويعترف بأن للفلسطينيين حقًا، فالمسألة هنا ليست محل جدل، ولا محل خلاف.

 

الخلاف يكمن في طريقة تحقيق العدل للفلسطينيين وطريقة جلب الحقوق الفلسطينية، فهناك من يؤمن بأن ما أخذ بالقوة له طريق واحد فقط، وهو القوة، وهناك من يؤمن بأن الظروف والواقع يفرضان الحلول الدبلوماسية، وأن الحلول العسكرية أو بمعنى آخر، طريق القوة لن يجلب شيئًا.

 

لقد جربنا (كعرب) الحلول العسكرية لأكثر من سبعين عامًا، ولكن للأسف، لم تنتج هذه الحلول شيئًا، فعبدالناصر (وهو صاحب مقولة ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) لم تنتج حركته العسكرية سوى هزائم، والفصائل الفلسطينية ساهمت في تدمير البلدان العربية أكثر مما ساهمت في تدمير إسرائيل، وسوريا لايزال جزء منها واقع تحت الاحتلال الإسرائيلي كنتيجة لحرب 67، أما لبنان فحال التفكك السياسي والطائفي، جزء كبير منه راجع للخلاف حول الكفاح الفلسطيني الذي كان ينطلق من لبنان.

 

السؤال المنطقي والملح هنا، ألم يحن الوقت لدعم الحلول الأخرى؟ ألم تجلب اتفاقيات أوسلو مثلاً (رغم كل النقد الموجه لها) للفلسطينيين من الحقوق، أكثر مما جلبت الحلول العسكرية بأضعاف؟ بل هل جلبت الحلول العسكرية أية حقوق لتتم المقارنة أساسًا؟

 

نعم، كنا لندعم الحلول العسكرية لو كانت قد أنتجت شيئًا في السابق، لكن والواقع لا يكذب، لم تنتج تلك الحلول إلا مزيدًا من المآسي والخسائر، وهذا يجب أن يدفعنا لبحث الحلول الأخرى، والتي ربما تنحصر حاليًا في الحل الدبلوماسي الذي تعمل عليه المملكة العربية السعودية.

 

كان هذا الحل على وشك أن يثمر قبل السابع من أكتوبر بحسب الأجواء حينها، وكان سينتج دولة فلسطينية، ولكن (والأمر ليس سرًا) وكما صرح الإيرانيون، والحمساويون، ومعهم حزب الله، فإن أحد أهداف هجمة السابع من أكتوبر هو تعطيل الصفقة الدبلوماسية، التي كانت ستنتج دولة فلسطينية، وللحق، أنا عاجز عن فهم هذا المنطق في التعامل مع الأمور، عاجز عن فهم تعطيل مسارات الآخرين بينما مساراتهم لا تنتج، وعاجز عن فهم منطق (إما أن يكون الحل عن طريقنا أو لا حل).

 

نعم حرر لبنان أرضه عن طريق المقاومة في العام 2000، لكن وضع لبنان ليس نفسه وضع فلسطين، وتجاهل الظروف الموضوعية بين الحالتين لن يجلب إلا الفشل تلو الفشل، فإسرائيل مثلاً لم تدخل لبنان لتبقى، بدليل أنها لم تبنِ مستوطنة واحدة في جنوب لبنان، والجندي الإسرائيلي هناك، يعرف أنه ليس في أرضه، بينما في فلسطين الوضع مختلف تمامًا، فالجندي الإسرائيلي هناك يقاتل دفاعًا عما يعتبرها أرضه ووطنه (بغض النظر عن رؤيتنا وقناعتنا لوضع تلك الأرض)، وهنا يكمن الخلل في المقارنة بين الحالتين.

 

لا تنحصر الحلول في السلاح، فهناك الآن عمل دؤوب تقوم به الدبلوماسية السعودية، تحشد من خلاله لتحالف دولي (هو في اتساع) من أجل إقامة دولة فلسطينية، وإن نجحت في مسعاها، فستجلب للفلسطينيين ما عجزت عنه جميع الحركات المسلحة، وجميع الحروب التي خاضتها الأمة العربية.

 

أتمنى أن تنجح المملكة العربية السعودية في مسعاها، وأتمنى أن تُعطى الفرصة من قبل حركات التحرر المسلحة، ولنتذكر هنا، أن عدم نجاح السعودية لن يكون مكلفًا كما هي كلفة غزة، وكلفة لبنان (التي نتمنى ألا تكون غزة ثانية). ولنتذكر أيضًا، أن الثمن لجلب الدولة الفلسطينية سيكون هذه المرة على حساب المملكة كونها رأس الحربة في هذا الملف، فلنعطي المملكة الفرصة للعمل، ولنرفع لها القبعة على جهودها، فهي في النهاية لا تختلف حول حقوق الفلسطينيين، إنما تختلف حول طريقة جلب تلك الحقوق.

 

قد يعجبك ايضا