سعيد عكاشة
في 22 سبتمبر الجاري، صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قائلاً: “في الأيام القليلة الماضية، وجهنا لحزب الله سلسلة من الضربات لم يكن يتخيلها. وإذا لم يفهم حزب الله الرسالة، فأعدكم أنه سيفهمها لاحقاً”.
صدر هذا التصريح بعد ساعات قليلة من شن حزب الله عدة ضربات صاروخية طالت العمق الإسرائيلي حتى مدينة حيفا وضواحيها، وهى أبعد مسافة وصلتها صواريخ الحزب منذ اندلاع المواجهات بين الجانبين في 8 أكتوبر 2023.
لقد أراد حزب الله من خلال هجماته ضد العمق الإسرائيلي التأكيد على فشل إسرائيل في ردعه رغم الخسائر الكبيرة التي مٌنى بها الحزب بعد عملية تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي في أيدي مقاتليه، والتي أسفرت عن مقتل37 منهم وإصابة عدة آلاف آخرين، وما تلاها من عملية نوعية أخرى أسقطت فيها إسرائيل عدداً من قادة الحزب.
من المتوقع أن تطور إسرائيل هجماتها ضد حزب الله في غضون أيام قليلة لتحقيق هدفين: الأول، ردع حزب الله عن مواصلة التصعيد وضرب العمق الإسرائيلي. والثاني، الضغط من أجل دفع الحزب للاستجابة للمبادرات الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا والتي تتمحور حول عقد اتفاق يؤدي إلى إبعاد قوات الحزب عن الحدود الشمالية لإسرائيل لتسهيل عودة السكان الذين اضطرّوا لمغادرة مدنهم في شمال إسرائيل بعد 8 أكتوبر من العام الماضي.
رغم الانقسام بين قيادات الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية حول الحدود التي يجب أن تتحرك فيها إسرائيل في مسار التصعيد مع حزب الله لاعتبارات عديدة، إلا أن بعضاً من هذه القيادات يرى التعجيل بمواصلة هذا التصعيد واستغلال حالة الارتباك التي يمكن أن تستمر لفترة بين قوات حزب الله بعد الضربات القاسية التي وجهتها إسرائيل للقيادات العسكرية الكبرى والوسطى، لكشف ادعاء قادة حزب الله بأنهم قادرون على الاستمرار في المواجهة لفترة طويلة قادمة، مما يؤدي إلى انتقال الإحباط والضغط النفسي للحزب ومؤيديه في لبنان.
والسؤال المطروح هنا: ما هي الوسائل التي ستعتمدها إسرائيل لتحقيق تلك الأهداف؟
يمكن تصور أربعة وسائل ستلجأ إليها إسرائيل في حربها مع حزب الله في غضون الأسابيع القليلة القادمة وهى:
1- توسيع الضربات على الأراضي اللبنانية: وذلك بهدف دفع مئات الآلاف من سكان جنوب لبنان للرحيل عن مدنهم إلى ما وراء نهر الليطاني (الحد الذي تطالب به إسرائيل لتمركز قوات حزب الله). تتيح مثل هذه الخطوة زيادة الشعور بالغضب بين اللبنانيين من حزب الله نتيجة تسببه في إدخال لبنان – الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة – في كارثة لا يمكن للدولة معالجتها بسبب فقر الإمكانيات والموارد. كما يتيح توسيع الضربات الإسرائيلية في العمق اللبناني وإفراغ الجنوب من سكانه للجيش الإسرائيلي استخدام أقصى درجات القوة ضد مواقع وتمركزات قوات الحزب، دون خشية من الإدانات الدولية التي كانت تنتقد الهجمات الإسرائيلية في غزة بسبب الأعداد الكبيرة من المدنيين الذين كانوا يسقطون جراء الهجمات الإسرائيلية.
2- استخدام أنواع جديدة من الأسلحة: بعد الانتهاء من مرحلة إجبار سكان الجنوب اللبناني على الرحيل إلى وسط البلاد أو شمالها، قد تلجأ إسرائيل إلى استخدام أنواع من الأسلحة لم تستخدمها حتى هذه اللحظة مثل القنابل “الارتجاجية” ذات قوة التدمير الهائلة والتي تستخدم بغرض تدمير المواقع المحصنة والقوات المختبئة في الأنفاق. كذلك سيتيح عدم وجود سكان مدنيين في المنطقة للطائرات الإسرائيلية شن هجمات متواصلة لمدة أيام على كافة مواقع صواريخ حزب الله خاصة المحمولة على وسائل متحركة والتي يصعب متابعتها وتدميرها من دون تكثيف الهجمات الجوية لمدة أيام متواصلة.
3- غزو محدود لجنوب لبنان: قد تلجأ إسرائيل، في مرحلة لاحقة، لغزو محدود لجنوب لبنان بعد تدمير معظم مواقع وأنفاق حزب الله. ورغم المخاطر المحتملة من جراء إدخال قوات إسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية لما قد يفرضه من ارتفاع مستوى الخسائر في الجنود والضباط، إلا أن حكومة نتنياهو تستند إلى ارتفاع نسبة الإسرائيليين في الاستطلاعات الأخيرة والتي تؤيد عملية برية في لبنان مهما كانت أثمانها بشرط إنهاء خطر حزب الله إلى الأبد وتمكين سكان شمال إسرائيل من العودة لديارهم، واستعادة حياتهم الطبيعية.
4- إجراء عملية تقييم لنتائج العملية العسكرية: بناءً على نتائج المرحلة السابقة، ستحدد إسرائيل ما إذا كانت ستكتفي بإحداث أكبر تدمير ممكن في جنوب لبنان، ثم تقوم بسحب قواتها من هناك بشرط تسليم المناطق الحدودية حتى نهر الليطاني لقوات لبنانية مدعومة بقوة دولية، ولجان مراقبة مشتركة مع إسرائيل للتأكد من عدم عودة قوات حزب الله إلى مواقعها مجدداً، أم تقوم بتوسيع الحرب البرية في حالة استمرار تحدي حزب الله لها، وصولاً لنهر الليطاني لفرض التسوية بالقوة العسكرية مهما كانت التكلفة.
دوافع التصعيد الإسرائيلي
ثمة حوافز عديدة لدى إسرائيل للتصعيد التدريجي ضد حزب الله وفقاً للخطوات الأربع السالف ذكرها يمكن تناولها على النحو التالي:
1- ألزمت حكومة نتنياهو نفسها بهدف إضافي للحرب التي نشبت في 7 أكتوبر من العام الماضي (كانت الأهداف المعلنة حتى منتصف سبتمبر الجاري تركز على غزة، وتبغي تحقيق التالي: القضاء على القوة العسكرية لحماس، ومنع تكرار هجوم 7 أكتوبر، وتحرير الرهائن). الهدف الإضافي هو إعادة سكان الشمال إلى ديارهم. وبدون تصعيد متتالٍ ضد حزب الله لن تتمكن إسرائيل من تحقيق هذا الهدف في ظل إصرار حزب الله على ربط أي تسوية في الشمال بوقف الحرب في غزة.
2- استمرار حزب الله في التحدي العلني لإسرائيل والذي أظهرته تصريحات نعيم قاسم نائب زعيم الحزب، حيث ذكر في 22 سبتمبر الجاري، أن الحزب ما يزال قادراً على مواجهة إسرائيل، ساخراً من الهدف الإضافي للحرب من جانب إسرائيل (إعادة سكان الشمال) بقوله أن “رد حزب الله على عملية أجهزة البيجر واللاسلكي وعملية اغتيال عدد من كبار قادة الحزب قد أدى إلى نزوح إضافي للإسرائيليين من الشمال فضلاً عن لجوء نحو مليون شخص للملاجئ أثناء الضربات الصاروخية التي نفذها الحزب”.
تفرض هذه التصريحات ضغطاً نفسياً هائلاً على الإسرائيليين، وهو ما ستسعى إسرائيل لتفكيكه بعملية كبيرة في أسرع وقت.
3- رغم الانقسام بين قيادات الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية حول الحدود التي يجب أن تتحرك فيها إسرائيل في مسار التصعيد مع حزب الله لاعتبارات عديدة، إلا أن بعضاً من هذه القيادات يرى التعجيل بمواصلة هذا التصعيد واستغلال حالة الارتباك التي يمكن أن تستمر لفترة بين قوات حزب الله بعد الضربات القاسية التي وجهتها إسرائيل للقيادات العسكرية الكبرى والوسطى، لكشف ادعاء قادة حزب الله بأنهم قادرون على الاستمرار في المواجهة لفترة طويلة قادمة، مما يؤدي إلى انتقال الإحباط والضغط النفسي للحزب ومؤيديه في لبنان.
4- التقدير السائد بين قيادات الجيش الإسرائيلي (حتى من يتحفظون على توسيع المواجهة)، أنه رغم المخاطر الكبيرة لتوسيع الحرب مع حزب الله، إلا أن العودة إلى وضع تتحول فيه المواجهات المحدودة بين الجانبين إلى حرب استنزاف طويلة سيكون أسوأ من خيار التصعيد بكل مخاطره.
عقبات قائمة
لا تقل معوقات التصعيد الإسرائيلي مع حزب الله عن الحوافز الدافعة له. ويمكن رصد هذه المعوقات في التالي:
1- الضغط الأمريكي المتزايد على إسرائيل للامتناع عن التصعيد ومنح الفرصة للمبادرات الدبلوماسية التي تستهدف عقد صفقة بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تتمحور حول انسحاب قوات الحزب إلى نهر الليطاني مقابل انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا المتنازع عليها بين الجانبين منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000.
2- عدم اليقين من مدى قدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على تحمل الضربات الصاروخية لحزب الله على الأراضي الإسرائيلية، خاصة أنه في حالة التصعيد المتتالي من جانب إسرائيل ربما يلجأ الحزب إلى إطلاق آلاف الصواريخ ومنها المئات ذات الدقة الكبيرة في وقت قصير مما سيؤدي إلى إرباك منظومة الدفاعات الإسرائيلية وبالتالي التسبب في خسائر مادية وبشرية كبيرة للغاية.
3- الخوف من أن تبادر إيران بتوجيه ضربات صاروخية إلى إسرائيل دعماً لحزب الله. ورغم أن الولايات المتحدة وعدداً من الدول الغربية يمكن أن تتولى التصدي لمثل هذه الصواريخ، إلا أن وصول أعداد ولو محدودة منها إلى الأراضي الإسرائيلية قد يتسبب في خسائر كبيرة خاصة إذا ما استهدفت هذه الصواريخ منشآت المياه والكهرباء والصناعات العسكرية.
الضغط الأمريكي المتزايد على إسرائيل للامتناع عن التصعيد ومنح الفرصة للمبادرات الدبلوماسية التي تستهدف عقد صفقة بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تتمحور حول انسحاب قوات الحزب إلى نهر الليطاني مقابل انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا المتنازع عليها بين الجانبين منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000.
خلاصة ونتائج
وفقاً للعناصر المذكورة سابقاً، سواء التي تحفز إسرائيل على التصعيد مع حزب الله، أو تلك التي يمكن أن تعيقها، لا يزال الأقرب هو أن تبدأ إسرائيل في الأيام القليلة القادمة بتفعيل الخطوة الأولى من مراحل التصعيد الأربعة، التي ذكرت في مقدمة هذا التقدير، بمعنى أن تستهدف إسرائيل الجنوب اللبناني بغارات مكثفة وتطلب من سكانه مغادرة المنطقة في أسرع وقت. إذ سيساعد ذلك في تحقيق الهدف الإضافي من حربها في غزة بعودة المُهجَّرين إلى الشمال من دون ربط ذلك بتطورات الحرب في غزة كما يريد حزب الله. وعندها ستكون المعادلة الجديدة التي كرستها إسرائيل هي عودة سكانها إلى مواطنهم في الشمال مقابل عودة سكان الجنوب اللبناني إلى ديارهم.
أما السيناريو التالي للأحداث في حال تمكنت إسرائيل من فرض معادلتها الجديدة، فسيبقى مرهوناً برد فعل حزب الله، إذا ما فشل في حماية سكان الجنوب اللبناني أو منع انتقالهم إلى مناطق بعيدة عن مواقع الاشتباكات، وقد تتبع إسرائيل التصعيد المتدرج وفق هذا الرد أو تمتنع عن استكماله ولو مؤقتاً.